فلنشرقْ وسط الظلمات…
بقلم: د. جيهان تويمة نزال
المديرة الإدارية والمالية في كلية بيت لحم للكتاب المقدس
في زحام ِقسوة الحياة، قد ننسى أنه لا زال هناكَ شيئاً جميلاً نحيا من أجله، فندخل في دوّامات اليأس ويهجرنا الأمل…
نسقط فنعتقد أنها النهاية وأنّه ليس باستطاعتنا النهوض مجدّداً…
تنزلق أرجلنا في وحل اليأس وننغمس في ظلامٍ لامتناهي…
هكذا نحن البشر…اعتدنا أن نستسلم بسهولة، ولكن عندما يزداد الحمل على أكتافنا… عندما ننسى كيف نعيش الفرح… عندما نجد أنفسنا نستسلم لمصيرٍ مظلم… من رحم الظلمة، من هناك يشرق نورٌ، نورٌ ينبعث من الداخل، نعم من الداخل…حيث يعيش الله في قلوبنا.
فنحن لا يمكننا أن نعيش الفرح وأن نشرق إلا إذا كنّا نحيا بنور الله.
مهما ضاقت الدنيا، لا بدّ أن نلمح في الأفق طيفاً من الأمل ينير الظلمات.
ولكن، ما يصنع الفرق هو ألا نقف على ناصية اليأس لننتظر الأمل، بل نعيشه بكلّ جوارحنا…
وحتى إن فعلنا ذلك، فلن نجده قادماً إلا على جناح الثقة الكاملة بالله والتوكّل الكلّي عليه. عندها فقط يصبح بإمكاننا معانقة السماء بأمنيات قلبية مليئة بإحساسٍ نابضٍ بالرجاء والأمل.
بين عسرٍ ويسر…
بين راحةٍ وشقاء…
بين شدّةٍ ورخاء…
بين إخفاقٍ ونجاح…
هكذا تتأرجح حياتنا. وكلّما زادت الظلمة، كلّما زادت الحاجة إلى النور…
ولا يمكننا أن نرى نوراً وسط الظلام إذا لم يكن مصدر النور هو قلبنا الذي ينبض بحبّ الخالق وثقتنا به.
فعندما يمتلئ قلبنا بنور الله، نستطيع أن نشعّ نوراً وسط الظلام. ورغم هشاشتنا، نتمسّك بخيوط الحياة. ولو غصنا في عمق الوجود الإنساني، لوجدنا أن الظلام هو الجانب الذي لا نرغب بمواجهته في أنفسنا، والأمثلة كثيرة مثل الخوف والشكّ والتوتر والقلق والرغبات المكبوتة…
فهذه دعوة لأن نغوص في أعماقنا ونتأمّل في جوانبها المشرقة والمظلمة، وبدل أن نلعن الظلام فلنوقد شمعة.
دعوة لأن نقتلع المستحيل من قاموسنا ونعزّز الأمل في نفوسنا ليحلّ محلّ الألم الذي بات يقضّ مضاجعنا.
دعوة لأن نحمل شعلة الأمل ونسير بها في طرقات حياتنا المظلمة، وإلا أصبحنا كنبتةٍ بلا ماء وكزهرة أقحوان بلا رائحة، وكياسمينةٍ بلا عبير.
دعوة لأن نكون شعاع نورٍ بين ظلام دواخلنا وظلام الكون.
فعندما تقتحم حياتنا الصعوبات،
عندما يسمح الله بأن نمرّ باختبارات،
عندما نشعر أن الثبات أصبح من المستحيلات،
عندما تخيّم على أيامنا الظلمات،
وتصبح تجاربنا مكلّلة بالخيبات،
عندها، لا بدّ أن نعدّد البركات، لا بدّ أن نستلّح بالأمل والرجاء، ونكون على يقين بأنّه مهما اشتدّت الظلمات، فلا بدّ للشمس أن تشرق… ومهما طال الليل، فالصبح حتماً آتٍ…
فلنشرق من الداخل، ولا نسمح لظلام النفس أن يخيّم على نفوسنا… لننطلق نحو الحرّية ولا نبقى راقدين في عتمة الأدراج.
في الواقع، نحن كالشمس تتأرجح في وسط السماء…
فهل يمكن لأعتى قوّة في العالم أن تمنع الشمس من أن تشرق؟!
هل يمكن لأيّ قانون في الكون أن يمنع عصفوراً من أن يغرّد؟!
لن ننكر أننا نعيش في عالمٍ متصدّع…
لن ننكر أن بلادنا تصرخ…
لن ننكر أن قلوبنا يعتصرها الألم…
ولكن، لندع الشمس تشرق في قلوبنا مع أنفاس كل صباح…
لندع الأمل يملأ نفوسنا ويرويها كما تداعب قطرات الندى أوراق الشجر إيذاناً ببزوغ فجر ٍجديد…
لنملأ قلوبنا والدنيا دفئاً وحبّاً وحناناً…
إن الحياة لمحة بصر…فلنملأ أيامنا بالفرح، ولنكسوها بالأمل، ولنطربها بالضحك، ولنجرّدها من الأحزان…
فنحن نستحقّ الحياة ونحبّها إذا ما استطعنا إليها سبيلا.
” فليضيء نوركم هكذا قدّام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجّدوا أباكم الذي في السماوات.”
(متى 16:5)