بقلم ميرنا جورجي

في الأشهر الأخيرة فُرضت علينا ظروف، وقوانين وقيود حدّت من حرية حركتنا وغيّرت كثيرا من نهج حياتنا الروتيني. الأمر الذي أثر على البرنامج الروتيني للأطفال خارج المنزل. فالعديد من الأنشطة تم الغائها أو تم تحديد عدد المشتركين فيها، وتم فرض قيود بخصوص الأماكن والأشخاص التي يمكن زيارتها. مما ترك الأم (أو ولي الأمر) أمام تحدي نفسي وفكري جديد، ألا وهو بناء جدول نشاطات للأطفال.

سأتحدث هنا عن النشاطات التي قمت بها في الآونة الأخيرة مع أطفالي (6 سنوات ونصف، و 3 سنوات).

بدايةً سعيتُ للحفاظ على برنامج روتيني قدر الامكان، فالنظام والروتين يمنح الطفل شعور بالأمان والاستقرار، ولكن مع امتداد فترة الحجر الصحي والقيود المفروضة وتماشياً مع الاحتياجات النفسية لي ولأطفالي، اعتمدت كسر بعض القوانين، الامر الذي أتاح لنا مساحه للتنفيس وتخفيف الضغوطات.

إن الوعي للحالة النفسية للأم أو الشخص الذي يرعى الاطفال في ظروف مجهولة أو مبهمة، هو أمر هام جدا لأنه سيؤثر لا محالة على الاطفال واسلوب رعايتهم. لذلك اهتممت ان أملأ فكري بالسلام في كل صباح جديد من خلال قراءة كلمة رئيس السلام الرب يسوع، يليها صلاة طالبة حكمة ونعمة وصبر ومحبة مضاعفة خلال هذه الفترة، ورفعت احتياجات أطفالي أمام عرش النعمة مصلّية لهم ولسلوكياتهم.

ثانياً وضع حدود وقوانين واضحة، كمنع العنف بين الاخوة، وتحديد المدة المسموحة لمشاهدة الشاشات، وغيرها. ولا بد من إشراك الاطفال في سنّ ومفهوم هذه القوانين او اهدافها لتضمني تعاونهم.

لقد سعيت ليشمل النهار نشاط حركي، الامر الذي سيتيح للأطفال تفريغ الطاقة ويسهّل عملية النوم. لذلك قمنا بتحريك الاثاث جانبا لإتاحة مساحة اوسع للعب. وقاموا بمشاركتي بالمهام المنزلية ليزداد وعيهم ومسؤوليتهم اتجاه البيت والتعاون في العائلة.

أومن أن المربي هو قدوة لأطفاله، يتعلم الأطفال بواسطة المراقبة والتقليد أكثر جدا من التعاليم والمواعظ والقوانين. لذلك سعيت للمبادرة في نشاطات مختلفة كالرسم والتلوين، والخياطة والحياكة، والفسيفساء واللعب بالمعجون وغيرها من النشاطات التي تطلبت مني ابداع وافكار خلّاقة وتحدي لأجرّب أمور جديدة لم يسبق لي قط تأديتها. وكان الاولاد يراقبون وينضمون لطاولة الفعاليات بشغف وفضول كبير.

لقد سمحت المساحة والوقت ليلعبوا العاب حرة، بدون قوانين أو ارشاد من بالغ، لينمّوا الخيال والتواصل وحل المشكلات بطرق واساليب تجعلهم يبدعون. الامر الذي منحني الوقت لتأدية الواجبات المنزلية او للراحة او التخطيط لنشاطات لاحقة.

في هذه الفترة قمنا بزراعة كمية كبيرة من النباتات، واعتنينا بريّها وشاهدناها تنمو وتثمر وتأملنا التغييرات التي تحصل فيها والآفات التي تهاجمها. الأمر الذي قادنا إلى الكثير من الأحاديث والتساؤلات والمشاركات حول الحياة، والنمو، والنجاح، والاحباطات وغيرها من المشاعر.

وكما كنت واعية لمشاعري وأفكاري ومخاوفي خلال هذه الفترة العصيبة، أصغيت أيضا لتخوّف ابني وغضبه ومشاعره في ظل الكورونا ولم اتردد في استشارة اخصائية عند اللزوم.

رغم منع التجمعات ومزاولة الصلاة في دور العبادة، تابعنا اجتماعات الصلاة عن بُعد واهتممنا أن نتشارك الصلاة والترنم للإله الحي الذي نعبده. وشارك الاولاد بالعزف على آلاتهم الموسيقية ليؤدوا دورهم بالتسبيح.

عليّ التنويه أنه لم تسر كل الاوقات بسلاسة وفرح، كما كان مخطط لها. فقد واجهت أوقات فيها ضجر الاولاد من الحجر الصحي، وتعبت انا من الانقطاع الاجتماعي. فحاولنا التواصل مع الاصدقاء عبر الهاتف، وقد أوجد الله لنا اصدقاء وعائلة داعمين نشكر الله لأجل وجودهم بحياتنا.

وها نحن اليوم، ما زلنا نعيش ضمن قيود وتعليمات مُتغيّرة وظروف غير واضحة المعالم. لكني أود تشجيعك لتتذكري وتذكري أفراد عائلتك أن لكل شيء وقت، ومهما طال الزمان سوف تتغير الامور والاحوال. تذكري دائما أن الله صالح، وفكره من نحونا سلام وخير وليس شر. لنستمد سلامنا من خلوتنا وعلاقتنا بالرب، مسلّمين أمورنا له، ليقود حياتنا ويرشدنا ويشكّلنا. لنتّعظ من كل موسم في حياتنا لأنه سيشكّل ما ستكون عليه شخصيتنا وعالمنا في الغد.

فاستثمري بأطفالك وبقضاء الوقت القيّم معهم لتأكلي ثمر تعبك في المستقبل، فهم وزنات وضعها الله بين يديك وستطالبين بها يوما ما.