بقلم جمانا كبلنيان حلبي- حاصلة على ماجستير في علم النفس من جامعة أكسفورد

 

انّ الشباب هم قلب نابض بالحياة وعقل حالم لا تحده القيود. هم أصحاب المبادرات والأفكار الريادية والعقول الخلاقة، وحجر الأساس الذي يقوم عليه البناء السليم، هم الحاضر والمستقبل وقادة التغيير والتقدم في أي مجتمع. فالتركيز على الشباب والاهتمام بهم يعني التركيز على المجتمع ككل والاهتمام به.

الشباب بشكل عام حول العالم يحتاج الى المساندة والدعم واتاحة الفرص أمامهم لتنمية مهاراتهم وقدراتهم ليصبحوا أشخاص قادرين على التأثر والتأثير في مجتمعهم. وبالتحديد الشباب الفلسطيني يحتاج الى مزيد من الاهتمام والتدعيم وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها على كافة المستويات السياسية، والاقتصادية، والثقافية والاجتماعية. وهذه الظروف تشمل سياسات الاحتلال، والفقر، والبطالة، وسيطرة العادات والتقاليد في بعض المناطق، وضعف التعليم وقلة مراكز التدريب المهني، وهيمنة الثقافة المرتبطة بالدين والثقافة التي تعزز سيطرة المجتمع الذكوري وتهميش دور الشباب وصوتهم من قبل العديد من الجهات في المجتمع (عبد العاطي، 2004، 2008). هذه الظروف الصعبة وغيرها جعلت فئة من الشباب الفلسطيني في حالة من فقدان الأمل والشعور بالتشاءم حول مستقبل أفضل مما قلل من رغبته في التحدي والاصرار نحو مبتغاه. وهنا نجد حالة من الاحباط والقلق والخوف من المستقبل تعم صفوف الشباب بالاضافة الى تدني شعورهم بالثقة بذواتهم ونظرة سلبية نحو الذات والحياة والعالم. ولكن وعلى الرغم من ذلك الا أنّ الشباب الفلسطيني قد برهن قدرته على المقاومة والتمرد على الظروف وعدم الاستسلام للواقع، فنجد هناك نخبة من الشباب المثقفين والمفكرين أصحاب الأفكار الخلاقة والمبدعة.

لذلك من المهم جدا تشجيع الشباب على ممارسة حرية التعبير عن الرأي والتفكير خارج الصندوق أي التفكير اللانمطي والابداعي الذي لا يحدّه ويقيّده أنماط التفكير التقليدية المهيمنة على مجتمعنا الفلسطيني. فعلى الرغم من وجود عادات وتقاليد جميلة وقيّمة في مجتمعنا الفلسطيني والتي نعتز ونفتخر بها الا أن ّ هناك بعض الأفكار التقليدية التي تقف عائق أمام التفكير الابداعي. تلك الأفكار النمطية التي ترفض التغيير وتخافه وتعتبر أصحاب الأفكار الجديدة  بأنهم غريبون أو غير طبيعيون وتحاربهم. ويتضح ذلك في بعض العادات والتقاليد المترسخة داخل المجتمع والتي تحاول أن تصبغ الجميع بنفس الصبغة بحيث تسعى أن يكون الجميع متشابهين وأن لا يكون هناك اختلاف في أساليب التفكير. وهكذا نجد المجتمع من شدة اهتمامه بالعادات لا يرى الأفكار المختلفة ميزة بل يراها تمرّد وخلاف مع ما هو متعارف ومتفق عليه. وهنا تكون هذه العادات عائق أمام الابداع والطموح. ومن هنا، على الشباب التحلي بالشجاعة لمواجهة أنماط التفكير التقليدية التي تضعهم في قالب معين وتحد من تطلعهم للأمام.

تحلي الشباب بالشجاعة والشعور بالثقة بأنفسهم لمواجهة النمطية في مجتمعهم مرتبط بنظرتهم وفكرتهم عن أنفسهم سواء بأنهم يمتلكون القدرة والكفاءة  لتحقيق أهدافهم أو أنهم يفتقرون لها. يحتاج الشباب الى العمل على تطوير ذاتهم حتى يتحلوا بالشجاعة والاستقلالية التي تمكنهم من الابداع والابتكار. تطوير الذات لدى الشباب يتم من خلال معرفتهم وتحديدهم لنقاط القوة والضعف في شخصيتهم والتركيز على نقاط القوة والعمل على تقويتها. ثمّ استثمار وقتهم وجهدهم في تنمية مهارات جديدة واكتساب المعلومات التي تفيدهم في عملهم وتساعدهم على الوصول الى أهدافهم (فرارجة، 2015). على الشباب أيضا أن يقوم بتحديد أولوياته وتنظيم وقته بحيث يتم اعطاء كل عمل وقت محدد لانجازه وذلك لتفادي اضاعة الوقت دون تحقيق هدفهم. ودائما التفكير في خطط بديلة تساعدهم على تجاوز التحديات والعقبات التي تقف أمام طموحاتهم وابداعهم. وأيضا أن يكن لديهم مرونة في التفكير من حيث الاستماع الواعي الى اراء الاخرين والاستفادة منها لاحقا عند الحاجة. كما وبامكانهم الاستفادة من قصص نجاحات غيرهم من الأشخاص الذين تركوا بصمتهم في الحياة على الرغم من تعرضهم للصعوبات في مرحلة معينة الا أنهم لم يستسلموا وأصروا على اسماع صوتهم للعالم واظهار ما لديهم من قدرات ومواهب مميزة. بالاضافة الى احاطة أنفسهم بشبكة علاقات اجتماعية تتناسب مع مستواهم الفكري والثقافي حتى تشكل قوة داعمة ومحفزة لهم وتساعدهم على توسيع دائرة أفكارهم لمزيد من الابداع والتميّز (فرارجة، 2015).

ولا ننسى أهمية تحلّي الشباب بالصبر والأمل والايمان بأنفسهم وبقدرتهم على المشاركة في صنع واقع أجمل.

ومن هنا وكوني شابة فلسطينية تؤمن بطاقات وقدرات الشباب وتعيش ضمن هذه التحديات، قد فكرت بالخروج من دائرة التفكير النمطي والتقليدي من خلال ايجاد مساحة للشباب لتطوير قدراتهم العقلية وتعزيز التفكير الابداعي. هذه المساحة  أطلقت عليها اسم “سايكولوجي سبا”.

سايكولوجي سبا يعتبر المكان الأول في فلسطين الذي يلتقي فيه مجموعة من الأشخاص بغض النظر عن العمر، الجنس، المستوى التعليمي والخلفية الأكاديمية، لمناقشة وتبادل الأفكار وطرح مواضيع مختلفة في علم النفس والتي تمس حياة الجميع في المجتمع، بهدف رفع الوعي بهذه المواضيع و بأهمية علم النفس والصحة النفسية في المجتمع الفلسطيني.

رؤيتنا الوصول بالمجتمع الفلسطيني الى حالة من الوعي النفسي، ومحاربة الوصمة المرتبطة بالصحة النفسية واحداث تحوّل اجتماعي بحيث لا يعود علم النفس من المواضيع التي يصعب أو من غير الممكن التحدث بها!

 

يتم التركيز في سايكولوجي سبا على فئة الشباب حيث أنّ احداث أي تغيير مجتمعي يبدأ من هذه الفئة المليئة بالطاقة والحيوية والطموح والتفائل بغد ومستقبل أفضل. في حلقات نقاش سايكولوجي سبا يتم طرح مواضيع لاكساب الشباب معلومات ومهارات حياتية تساعدهم على تحسين نوعية حياتهم من حيث فهم أفضل لما يدور في عقولهم، قدرة أفضل على اتخاذ القرارات، التعامل مع الموترات والضغوطات اليومية ومواجهة التحديات التي تقف أمام أهدافهم، وبالتالي تلبية احتياجاتهم واحتياجات مجتمعهم النفسية والجسدية.

 

رسالة سايكولوجي سبا للشباب أن يتحلوا بالايمان بقدراتهم، امكانياتهم، مواهبهم  وأفكارهم الابداعية. وترجمة هذا الايمان باظهار العزيمة والاصرار وامتلاك الجرأة والشجاعة لتحدي المعيقات التي تحول دون تحقيق أهدافهم.