بقلم أمل قموع جريس

كلمة “مضى” بحسب المعجم اللغوي كما نعلم جميعنا تعني: ذَهَبَ، وابتعد فيما مضَى في وقت سابق، في الزمن الماضي.

لعلك تتفقين معي بأنه من الرائع أن نرى الأمور في حياتنا تمضي وتبتعد وتذهب لتصبح من الماضي. فقد قال الحكيم في سفر الجامعة “لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السماوات وقت” فإن كانت الأمور الفائتة جيدة وناجحة نخزنها في سجل انجازاتنا العظيم، فنتهلل بها ولا نبخل بإظهارها من حين لآخر. ولكن، إن كانت هذه الأمور مُخجلة وغير مُشرّفة،ماذا نفعل بها؟ أنبكي على أطلالها ونردد “كان يا ما كان”؟ أم نضرب بها عرض الحائط متذكرين كل من كان السبب،بذل واحباط؟ أو لربما نتحوّل إلى تمثال ملح عظيم، جاعلين من أنفسنا محط أنظار للعابرين ليروا ماذا فعل بنا الماضي؟

واحدة من أكبر الأخطاء التي يمكن للشخص أن يرتكبها في حق نفسه هي التفكير فيما مضى، والدخول الى متاهة الماضي الغير منتهية بدل التفكير في المستقبل. فنعيش ما كان البارحة اليوم وغداً، وهكذا نُعطي مساحة غير محدودة للماضي، لتُسجّل أيامنا الحاضرة والمستقبلة نفس “السيناريوهات” مراراً وتكراراً. هل هناك حلول للخروج من ذلك الماضي ناجح كان أم فاشل؟ بالطبع نعم!

سأركز فكرة المقال التالي لطرح أهمية “اكتشافنا لعقولنا” وكيفية تجنيده لتوجيه أفكارنا، فهو وسيلة مثلى لإحداث تغيير.أحد مجالات التدريب الذاتي والتي تتناول عدد من مفاتيح النجاح تؤكد أن أكثر مفاتيح النجاح فعالية هو مفتاح “قوة العقل”.

“تغيّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم”

“الأشياء العتيقة قد مضت،هوذا الكل قد صار جديداً”

قبل أن نتابع، علينا الاتفاق أولا على أن:

  • شكل حياتي الآني هو ناتج قراراتي التي اتخذتها. لا يهم إن أرغمت على شيء، ما يهم أنك انصعت لذلك.
  • كل شخص يختار بإرادته الكاملة الإمكانية الملائمة له. لا بد أن هناك فرص لم تستغليها كما يجب.
  • كل شخص مسؤول عن إدارة حياته. في ذلك الكثير من الإرادة، والتصميم والاستمرارية.

لعل كل ما ذكر أعلاه لا يحتاج للعقل؟

قد اتفق علماء وخبراء في أبحاث الدماغ والعقل البشري على أنه لا يمكن قياس قوة العقل البشري بسبب قوته الكبيرة، إذ وقفوا مذهولين من مقدارها، وبرغم قدرة العقل البشري الكبيرة، إلا أنّ الإنسان لا يستعمل إلا 10% فقط منها! يقوم العقل على إدارة وظائف جسم الإنسان الرئيسية، ويتحكم بالمشاعر، والعواطف، والإدراك، فالعقل يحتوي على مليارات الخلايا العصبية المعقدة، ويقسم لقسمين الأيمن وهو مسؤول عن التخيل، والتعرّف على الألوان، والأصوات، ومصدر نسج الأحلام، ومنه تنطلق الرسوم والأنماط. أمّا القسم الأيسر فهو مسؤول عن التحليل، والقدرات العقليّة بالرياضيات، والقراءة، والكتابة وغيرها، فمن خلاله يبدع الإنسان وينطلق ليضع بصمته. فالعقل البشري مسؤولٌ عن سير حياة صاحبه اجتماعياً، ومهنيّاً، وتعليميّاً، وباستطاعتكِ الحصول وجذب كل ما تريديه إليكِ باستخدام قانون الجذب، الذي يخدمه العقل البشري.

اكتشف العلماء مؤخراً علم يسمى ب”المرونة العصبية”، وهو علم قائم على تغيير نظام عقلك، والتغيير من طريقة تفكيرك، والتحكم في دماغك، وسيساعدك ذلك على معرفة نقاط ضعفك وتحويلها لنقاط قوة.

كيف إذنيُمكننا “تجديد أذهاننا” والتعامل مع الماضي؟

تبني بعض الطرق لزيادة قوة العقل وقدراته:

  • قومي بشيء جديد دائماً، فالقيام بأمر مختلف عن المعتاد يُغيّر بنية الدماغ، عن طريق خلق مسارات عصبية جديدة تزيد من نسبة ذكائك، فيمكن أن تغيّري من أسلوب تعاملكِ، لاحظي أمور جديدة بنظرتك للماضي، ذلك سيُساعدكِ على فهم الماضي بطريقة جديدة.
  • مارسي الرياضة بشكل منتظم، فذلك يزيد من وظيفة عقلكٍ، ويزيد من تكوين الخلايا العصبيّة لديك، وتكوين خلايا دماغية جديدة عند كل مرة تمارسين فيها الرياضة، فالعقل السليم في الجسم السليم. الرياضة تساعد على التفريغ والتخلص من المشاعر السلبية.
  • درّبي ذاكرتك لتصبح أقوى، فدرّبيها على الحفظ بشكل تدريجي، وستلاحظين أنّ قدرتك على التذكر والحفظ أصبحت أفضل مع مرور الوقت. حاولي تذكر مواقف ناجحة وداعمة اختبرتها،كرريها في عقلك واحفظيها.”كُلُّ مَا هُوَ حَقٌ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا. (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 4: 8)
  • جرّبي كل جديد ولا تخافي، فالخوف من التجربة سيحجّم عقلك، ويقلل من نسبة ذكائك وتطور دماغك، وإذا لم تجد جديد بادري لصنعه.
  • فكّري بشكل إيجابي، فالتفكير السلبي والتوتر يعمل على قتل الخلايا العصبيّة، ويوقف إنتاج أيّة خلايا جديدة، بعكس التفكير الإيجابي الذي يسرّع من إنتاج الخلايا، ويقلل من التعب والإجهاد بشكل كبير. قال الفيلسوف الصيني لاوتسو“راقب أفكارك لأنها ستصبح كلمات، راقب كلماتك لأنها ستتحول الى أفعال، راقب أفعالك لأنها ستتحول الى عادات، راقب عاداتك لأنها تكون شخصيتك، راقب شخصيتك لأنها ستحدد مصيرك.”
  • ركزي على القراءة فهي غذاء العقل، وتعمل على تخفيف التوتر والإجهاد من الواقع الذي تعيشين فيه عند لجوئك إليها، وبالقراءة تستخدمين الخيال الذي يعد وسيلة مهمّة لتدريب العقل. وتخلّصي من التكنولوجيا حولك، فالتكنولوجيا تجعل العقل كسولاً لا يفكر. قومي باستخدام عقلك على حل مسائل رياضية بسيطة وأحجيات، فالعصف الذهني، يعمل على تنشيط خلايا الدماغ.
  • احظَي بقسط كافٍ من الراحة والنوم، فالدماغ يقوم بالتخلص من بعض السموم البسيطة أثناء النوم، كما ويعمل على تجديد خلاياه، وأفضل فترة للنوم ليقوم الدماغ بوظيفته هذه، من التاسعة مساءً إلى منتصف الليل.
  • قال ألبرت آينشتاين أنه “لا يمكننا حل مشكلة باستخدام نفس العقلية التي أنشأتها.بمعنى أنه إذا قمنا بخلق مشكلة بحسب فكر معين، لا يمكننا حلها بنفس الفكر الذي أوجدها. عليكِ البحث عن حلول، ولا تكتف بحل واحد. لا تعالجي القديم برقعة من الجديد “ليس أحد يضع رقعة من ثوب جديد على ثوب عتيق. وإلا فالجديد يشقه والعتيق لا توافقه الرقعة التي من الجديد.” (لوقا 5: 36- 38) بمعنى، الحل بوضع رقعة جديدة على أخرى قديمة تعقد الموضوع،إذن، ما هو الحل ؟
  • الأهداف والنسيان،أطلقي الماضي وحرريه، ركزي على الأهداف “وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ” (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 3: 13)

جنّدي عقلكِ لتضعي الأهداف أمامكِ واعملي على تحقيقها استنادا الى الفكر الايجابي، تفاعلي مع مستقبلك.