بقلم ماري حنانيا

تتميز المرأة بمواصفات خاصة بها عن الرجل والتي تجعلها في اغلب الاحيان أكثر قدرة على الاحتمال، لديها حنان بطريقة مختلفة أمومية، وتنتبه بشكل عام للتفاصيل أكثر من الرجل. ما يميز المرأة أيضا انها تفكر بالأمور بطريقة مختلفة عن الرجل وتربطها ببعضها البعض بتسلسل آخر عن الرجل. أحد الجوانب المميزة لديها ايضًا هي أنها عاطفية في معظم الأحيان، و مشاعرها تسيطر على طريقة تفكيرها أكثر من عقلها.

دور المرأة في المجتمع هو أساسي لبنائه أو لتركه للفساد، بحسب ما تتربى عليه الفتاة أو الطفلة التي ستصبح سيدة مجتمع أو أم مستقبلية. هنالك عبء كبير ملقى على كاهل المرأة التي هي بأيامنا امرأة عاملة بشكل عام، وبالإضافة الى عملها فهي تتحمل مسؤولية الاهل او الاقارب او العائلة بحسب المرحلة العمرية التي تخوضها. لربما نعتقد بأننا في القرن الواحد والعشرين مع كل التطورات الفلسفية والإيديولوجية لصالح المرأة قد نرى تحسنًا في مكانة المرأة وتقديرًا لدورها، وذلك صحيح بشكل جزئي. هنالك نساء في ايامنا يرتقون بمناصب قيادية مختلفة ويديرون الامور بطريقة تلفت النظر، حيث أنهن يحملن مسؤولية العمل والبيت بشكل كبير مع دعم رجالهن أو آبائهن في جزء ما.

في مجال عملي كأخصائية نفسية قد تسنى لي أن أسمع العديد من القصص المتشعبة والمختلفة التي تتمحور بالأساس حول النساء ودورهن في المجتمع، التوقعات الموجودة لدى الاخرين ولديهن عن أنفسهن وكيف يتعاملن مع ذلك. أريد أن أتحدث عن نساء عظيمات، كادحات، تنحني الجبال إن كانت تحمل ما يحملن من صعوبات وآلام، هؤلاء النساء اللواتي يرون أنفسهن مهمشات وعاجزات، لكنهن بنظري جبارات البأس. هؤلاء النساء اللواتي لا نتخيل أنهن يعشن مثل هذه المعاناة في القرن الواحد والعشرين، مع المسيرة الطويلة للدفاع عن حقوق المرأة ومكانتها.

 سأروي بعض القصص أوضح بها عما اتحدث وبعدها اترككم مع بعض التساؤلات.

القصة الأولى، السيدة (م): هذه السيدة هي أم لأربعة أولاد. منذ بداية زواجها تعاني من مشاكل كثيرة مع زوجها، لأنه لديه مرض نفسي وهي لم تعلم بذلك قبل الزواج. تعمل سكرتيرة في إحدى الشركات وتعيش مع زوجها وأولادها حياة مليئة بالمشاحنات، العنف والألفاظ البذيئة. لقد توجهت لي بسبب مشكلة ابنها في المدرسة حيث إن دافعيته منخفضة للتعلم ومن الصعب عليه أن يركز داخل الصف. لكن عندما روت قصتها شعرت بحملها الثقيل. انها امرأة جبارة وقد تحملت الكثير. كان لديها خوف كبير من فكرة الانفصال او الطلاق مع العديد من التساؤلات في داخلها، يا ترى ماذا سيقول الناس عني؟ أين سأعيش مع اولادي؟

كانت تقول انها تعيش فقط لأولادها وليس لنفسها، حتى أنها تمنت الموت، لأنها لم تعد تحتمل أكثر من ذلك. من خلال الجلسات بدأت السيدة (م) تتحدث عن موضوع الطلاق بشكل جدي ومن تلقاء نفسها، وفي النهاية قررت الانفصال وطلب الطلاق. تقول إنها لا تعرف من أين أتت بتلك القوة لأخذ قرار مثل هذا، لكنها لا تستطيع احتمال هذه الحياة. السيدة (م) اليوم تحاول برغم الصعوبات أن تتأقلم مع الوضع الجديد مع أولادها ومع الحياة بشكل أكثر ايجابي. هذه القصة قد تبدو عادية، لكن السيدة (م) احتاجت الكثير من القوة للانفصال وحاربت المجتمع والعائلة والافكار والانتقادات لتكسب راحتها الذاتية وبيتها.

القصة الثانية، السيدة (ر): هي امرأة متزوجة، مثقفة ومتعلمة. زواجها مستقر ولديها ابن. لم تنجب غيره رغم المحاولات المتكررة. عندما كانت حامل في المرة الاخيرة اجهضت طفلها، وبعد فترة قصيرة استشهد اخيها وكانت في حالة نفسية صعبة. تحاول (ر) جاهدةً أن تتخطى هذه الأمور الصعبة، وهي امرأة ناجحة جدًا في عملها وأم تعطي الافضل لابنها. احتاجت هذه السيدة بعض الدعم النفسي للمضي في درب الحياة المليئة بالمشقات.

القصة الثالثة، الصبية (ل): هي البكر بين اربعة اخوة واخوات. اليوم هي في الصف التاسع وتعاني من مشاكل كبيرة مع عائلتها، وتلجأ لإيذاء نفسها عن طريق أن تجرح نفسها في الشفرة. هي في علاقة مع شاب لا تعرفه، هي علاقة عبر الهاتف فقط وتنوي أن تلتقي به، علمًا بأن أهلها محافظين ومتدينين جدًا وهم ضد هذه العلاقات. عندما عرفت أمها أنها في علاقة كهذه سابقًا قامت بضربها وتعنيفها، وعندما عرفت بأنها تقدم على إيذاء ذاتها قامت بضربها ايضًا والتحدث اليها بطريقة تحطمها، وقالت لها بأنها فتاة مريضة نفسيًا ومختلة عقليًا. هذه الفتاة هي في علاج عاطفي الآن. تبين أنها تلفق الأكاذيب وتحاول إظهار المنزل والعائلة بطريقة سلبية جدًا، وبحسب العائلة فان كل تلك القصص لا تمت للواقع بصلة. تتوقع الأم أن تكون ابنتها مع ثقة عالية للنفس رغم أنها تحطم نفسيتها في كل فرصة تسنح لها، ولا تستطيع أن تربط بين سلوكها مع ابنتها وسلوك ابنتها مع الاخرين. وبعد التدخل النفسي مع العائلة تبين أن الام نفسها تعاني من مخاوف شديدة وصعوبات نفسية. تحاول (ل) أن تخلق لنفسها عالم آخر خارج المنزل، لتغطي على احتياجاتها الاساسية التي لا تنولها من أفراد عائلتها. هذه الفتاة ستصبح أمًا يومًا ما، وعلى الأغلب فإن آليات تعاملها مع أطفالها ستكون مشابهة لما عرفته هي في علاقتها مع أمها.

لن أطول حديثي عليكم لكن بودي أن أنوه إلى بعض الأمور المهمة التي تتعلق بالمرأة ودورها. في مجتمعنا تكثر الاشاعات ويكثر الكلام عن المرأة ضعيفةً كانت أم جريئة وقوية الشخصية. اعتقد بانها ضعيفة لأننا نحكم عليها بالضعف، لكن عندما تجد دوائر داعمة في حياتها ستصبح أقوى وصاحبة قرار تصنعه بنفسها. من المهم ألا نحكم على أي شخص من دون المعرفة الشخصية التي تضفي طابعًا مختلفًا وفي الكثير من الاحيان مغايرًا للإشاعات.

هؤلاء النساء اللواتي يحملن الكثير من الأسى والالم يستطعن أن يستيقظن من نومهن كل يوم، أن يذهبن للعمل لأجل أسرتهم، أن يجهزن الوجبة الساخنة لعائلاتهن ومع كل ذلك من المتوقع منهن أن يسلكن ذات الطريق ويتحملن الزوج أو الاهل العنيفين القساة غير المتفهمين. أتساءل لما هذا؟ ما هذه القوى السلبية في مجتمعنا التي تجرد المطلقة من أخلاقها والعزباء من أنوثتها؟ لماذا ننظر للعيوب والذنوب قبل أن نرى الايجابيات والظروف التي دعت المرأة لاتخاذ قراراتها أو ما أملت عليها ظروفها القاهرة.

نحتاج فعلًا الى بعض التفهم، وذلك يذكرني بمثل المرأة السامرية التي سألها يسوع أن تسقيه بعض الماء. كانت امرأة ذات سمعة سيئة، لكن يبدو أن المسيح بقلبه الواسع تفهم حالتها، وأن هنالك سبب ما قادها لممارسة اسلوب حياة مليء بالخطيئة. رغم خلفيتها لقد تفهمها واستوعبها وحتى أنه تحدث اليها بالرغم من انها هي سامرية وهو يهودي، بالرغم من أنه رجل وهي امرأة، فكان ذلك مضادًا لأي تعليم أو عادة مقبولة في ذاك الزمن. إذًا كيف لنا أن نحكم على النساء المختلفات وظروفهن؟ بإمكاننا أن نأخذ خطوة للوراء ونتذكر قلب يسوع الواسع ونحاول أن نتمثل به بالرغم من صعوبة الأمر، وأقول ذلك لنفسي قبل أن أقوله لأي أحد آخر.

ما أقصده هو أن نحاول فهم الأشخاص المختلفين عنا وبالذات النساء اللواتي يعانين من ظروف صعبة، ومن المهم أن ننظر إلى أنفسنا عميقًا، ونحاول أن نغير الآراء المسبقة، وطرق التفكير السلبية وأن ننظر إلى المرأة كشخص لها عالمها الخاص المتنوع والمميز. هؤلاء النساء اللواتي ذكرت قصصهن، لديهن معاناة كبيرة وعندما نستطيع رؤية تلك المعاناة نعطيهم الشعور أن لديهن عنوان وشخص يسمعهن وهذا جزء من مساعدتهن.

أتمنى أن تكون تلك القصص، نوافذ تساعدنا لرؤية الواقع بطريقة مختلفة وتعطينا المزيد من الدافعية والمثابرة لتغيير واقع المرأة الصعب في مجتمعنا.