بقلم شادية قبطي

مارس الشعب الفلسطيني كافة أشكال النضال بالإضافة إلى المقاومة اللاعنفية كأسلوب نضالي ناجع من أجل لفت الانتباه واستقطاب تعاطف الأطراف الداعمة للقضايا العادلة للتخلص من نير الاحتلال وممارساته القمعية. ويستخدم هذا النمط من المقاومة أساليب غير عنفية كالمقاطعة، والمظاهرات والإضراب.

أظهرت بعض الدراسات أن هذا النمط من المقاومة اللاعنفية مستوحى من الإيمان المسيحي وأن المسيح جسد النموذج الأسمى والأوضح للمقاومة اللاعنفية في حربه العادلة التي خاضها لإنصاف المهمشين اجتماعياً واقتصادياً ودينياً وسياسياً. مع العلم أن مقاومته السلمية قوبلت بالعنف الذي أدى إلى موته على الصليب.

المرأة الفلسطينية كانت دائماً حاضرة في النضال الوطني ومنذ بداية القرن الماضي حيث عقد أول مؤتمر للنساء العربيات في مدينة القدس في العام 1929، كما شاركت المرأة في إضراب العالم 1936. وفي العام 1965 تم تأسيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية وتأسست لجان نسوية عديدة ركزت على أهمية دور المرأة في العملية النضالية في ظل التحديات الاحتلالية.

هناك العديد من الأمثلة للمقاومة الفلسطينية اللاعنفية كإضراب العام سنة 1936 ضد سياسة الكولونيل البريطاني وتنديداً باستبعاد المحليين عن الحكم حيث استمر الإضراب مدة ستة أشهر ويعتبر أطول اضراب في التاريخ الحديث.

الانتفاضة الأولى (1987-1993) والتي بدأت بعصيان مدني كانت أيضاً مقاومة لاعنفية. ومثال آخر على المقاومة اللاعنفية ثورة الضرائب في بيت ساحور عام 1989 حيث رفض السكان دفع الضرائب لعدم وجود تمثيل فلسطيني. مثال آخر قرية بلعين عام 2000 حيث ربح القرويون القضية في منع استكمال بناء السور في منطقة الخط الأخضر واجبرت المحكمة الإسرائيلية العليا الحكومة على تغيير مسار الجدار بالقرب من قرية بلعين.

مثال آخر على هذا النوع من المقاومة هو حملة المقاطعة والتي بدورها تشجع الأشخاص المحليين لاستثمار العامل الاقتصادي في جذب الأنظار للقضية الفلسطينية.

يمكننا قول الكثير عن المرأة الفلسطينية اليوم فهي ما زالت فعّالة في مجال المقاومة اللاعنفية كمناداتها لوقف بناء جدار الفصل على الأراضي الفلسطينية، إرسال مساعدات برية وبحرية لغزة، التظاهر ضد هدم البيوت وطرد السكان، بالإضافة إلى قيادة مسيرات في مخيمات اللاجئين داخل وخارج فلسطين.

شكل حضاري مميز للمقاومة اللاعنفية وهو ماراثون فلسطين (سباق المسافات البعيدة) والذي ينظم سنوياً للمناداة بحقوق الفلسطينيين وخاصة حقهم في حرية التنقل. ويشترك في هذا السباق رجال ونساء وأطفال، وبهذه الطريقة لفت أنظار العالم للقضية الفلسطينية. وقامت مؤخراً حملة بعنوان “لنغني موطني معاً” حيث قام الفلسطينيون الموجودون في فلسطين وفي العالم بغناء النشيد الوطني في آن واحد كمقاومة لاعنفية تضامناً وتعاطفاً مع الوضع الراهن.

هناك بعض السمات التي تميّز المقاومة اللاعنفية:

أولاً: تفتح المجال أمام النساء للانضمام والتأثير.

ثانياً: توفر بيئة إعلامية قد تخلق مساحة لأصوات فلسطينية سلميّة وتبرزها بشكل لم يكن متوفر من قبل.

ثالثاً: على الرغم أنها تحتاج وقت أطول من غيرها للفت انتباه محطات الأخبار العالمية إلا أنها غالباً ما تترك تأثير إيجابي متى نجحت في تحقيق ذلك.

قد يختار بعض الأشخاص أن يتظاهروا بشكل لا عنفي لكن هذا لا يضمن لهم رد غير عنيف من قبل السلطات. فعلى سبيل المثال قامت السلطات البريطانية بقمع الاضراب العام بشكل وحشي مما أدى إلى مقتل عدد كبير من القادة إلى جانب سجن ونفي آخرين. وبناءً على تجربتنا كفلسطينيين فقد اختبرنا ردودا عنيفة من قبل السلطات الإسرائيلية سواء كانت المقاومة الفلسطينية عنيفة أم غير عنيفة.

خلاصة القول، إن الوجود الفلسطيني بحد ذاته يعتبر مقاومة لا عنفية. فالصمود في وجه الاحتلال وممارسة الحياة اليومية من عمل ودراسة والاعتناء بالأسرة هو بحد ذاته شكل من أشكال المقاومة اللاعنفية.