بقلم جمانة كبلنيان

أخصائية نفسية ومديرة مؤسسة سيكولوجي سبا

 

إذا ما نظرنا الى واقع عالمنا اليوم وتابعنا وقرأنا قليلاً بالأخبار والصحف اليومية، سنرى العالم على أنّه مكان غير آمن ومخيف. واذا ما انتقلنا  الى واقعنا الفلسطيني، فالصورة التي نراها قد تكون أكثر بؤساً وتأريقاً. فنمط الحياة اليومي يتسم بالتوتر والسلبية في ظل ما نعيشه من ظروف قاسية وتحديات ناجمة عن كوننا شعب يعيش تحت الاحتلال وما يترتب على ذلك من انعدام الشعور بالأمن، وبروز العديد من المشكلات في كافة نواحي الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والانسانية. ولكن، بالرغم من صعوبة الواقع، وبالنظر الى النصف الاخر الممتلئ من الكأس يمكننا رؤية أنّ واقعنا لا يخلو من أمور مشرقة تبعث على الأمل والتفائل بحياة ومستقبل أفضل. رغم الاحباطات والتحديات إلا أنّ هناك طاقات وابداعات ومواهب برزت وتظهر باستمرار بين فئات المجتمع المختلفة وبخاصة فئة الشباب والتي أثبتت وما تزال تبرهن للمجتمع والعالم أنّه بإمكاننا أن نتحدى هذا الواقع وأنّه لدينا دور مهم في تحسين نوعية الحياة التي نعيشها، لا بل ويمكننا الرقي والنهوض بمجتمعنا ونقل صورة جميلة الى العالم الخارجي. حقّاً يمكننا أن نخرج من مرارة الواقع إذا ما عزمنا على ذلك وكان لدينا الايمان بأهمية تحمّل وممارسة المسؤولية الشخصية الاجتماعية.

المسؤولية الشخصية هي إدراك الفرد بأنه المسؤول الأول عن أقواله، وأفعاله وحياته، وعدم إلقاء اللوم لعدم النجاح على الظروف والاخرين والعالم من حوله (د. نبيهة جابر، 2013). أما المسؤولية الاجتماعية فكما عرفها الدكتور نبيل الأمير 2017، هي جزء من المسؤولية بشكل عام وتعني شعور الفرد والتزامه الداخلي بتحمل المسؤولية تجاه الاخرين والمجتمع الذي يعيش فيه. تحمل المسؤولية الشخصية الاجتماعية من شأنه أن يساهم في تغيير الظروف والأوضاع المحيطة وتحسين نوعية الحياة بغض النظر عن مدى صعوبة الواقع. المسؤولية تقع على عاتق جميع فئات المجتمع باختلاف أعمارهم ولكنها التزام على عاتق الشباب أولاً لدورهم المهم في قيادة أي تغيير مجتمعي. مبادرة الشباب وتحملهم المسؤولية تجاه أنفسهم ومجتمعاتهم من شأنه أن يعمل على مساعدتهم في تحقيق طموحاتهم والنهوض بالمجتمع (سهاد عكيلة، 2012). فالشباب يمتلك الطاقة والقدرة الكافية للسعي وراء تحقيق الأفضل لهم وبالتالي لمجتمعهم.

الحديث عن تحمل الشباب مسؤولية حياتهم وترك بصمتهم في مجتمعهم لا يعني اعفاء المسؤولين وصانعي القرار من مسؤوليتهم وواجبهم ودورهم في التخطيط وتوفير البرامج الملائمة لتنمية قدرات الشباب ودعمهم واعطاءهم المساحة الكافية للابداع والتميّز. ولكن، وعلى الصعيد الاخر من المهم أن يدرك ويؤمن الشباب بالقوة الكامنة داخلهم، وأنّهم المحرك الأساسي والأول في عجلة التغيير والتي إن كانت بطيئة الا وأنّهم قادرون على جعلها تدور. ايمان الشباب بأنفسهم وقدراتهم يحميهم من الوصول الى حالة من الشعور بالاحباط واليأس وما ينتج عنها من تبنيهم لدور سلبي وعدم الاسهام في مساعدة وتطوير أنفسهم وبالتالي مجتمعهم. حتى وان لم يكن الواقع هو الواقع المنشود وان لم يتم تلبية احتياجاتهم ومنحهم الفرصة المناسبة لقيادة مجتمعهم، فهذا لا يعني أنّهم بلا دور عليهم القيام به. وأهم ما يمكن أن يقوم به الشباب هو تحدي الظروف الصعبة ورفض الانصهار في الواقع والسعي والاجتهاد وعدم الاستسلام وبذل أقصى قدراتهم لتحقيق أهدافهم واثبات أنفسهم في مجتمعاتهم.

الشعور بالمسؤولية لا يعني عدم الشعور بالتعب بين الحين والاخر. كما ولا يعني أنّ الطريق محفوف دوماً بالنجاح وخال من الفشل في مراحل معينة. تحمّل المسؤولية كفيل بمنح الأفراد ولاسيما الشباب الحرية للتحرك باستقلالية بعيداً عن القيود التي يفرضها الواقع. كما أنّها كفيلة بامدادهم بالطاقة اللازمة لصنع التغيير الذي يريدونه عوضاً عن الانغماس في عقلية الضحية ولوم الاخرين والعالم والواقع على ما يمرون به من احباطات. لا يمكن انكار أن الظروف الجيدة قد تشكل بيئة خصبة وجيدة للابداع، ولكنّ الشخص الذي يتصرف بمسؤولية قادر على تحسين الظروف وايجاد الفرصة في أي موقف وأن يضيء بانجازاته حيث لا يوجد أمل. ومن هنا تبرز أهمية رفض الأفكار السلبية المقيدة التي لا تتجاوز كونها تخلق نوع من الشلل في عجلة النمو والتقدم والتحلي بالمسؤولية تجاه أنفسنا ومجتمعنا كي نقوم بدورنا في صنع واقع أجمل نرغب به لحياتنا.

ليس هناك مجتمع مثالي وواقع أي مجتمع من المجتمعات لا يخلو من الأخطاء أو المشاكل. فعلى الرغم من تقدّم مجتمعات معينة على غيرها في نواحي معينة الاّ أنّ هذه المجتمعات التي يمكن اعتبارها متقدمة لا تزال تعمل باستمرار من خلال أفرادها لتحافظ على وتحسّن من نمط الحياة الذي تعيشه. فالواقع دوما مُتغير بفعل أفراد المجتمع الذين يعملون بجهد وإصرار سعياً لحياة أفضل. بإمكانك اليوم أن تصنع الواقع الذي تريد أن تعيشه بتركيزك على أهدافك، طموحاتك، والتغيير الايجابي الذي تسعى أن تحققه. اذا كنت تركز تفكيرك على الظلم وانعدام العدل فسوف تجده في كل مكان، بينما اذا ركزت تفكيرك وجهدك سعيا وراء تحقيق العدل فستتمكن من ايجاد مكان يسوده العدل. واذا ما كنت تركز على أخبار العالم ومجتمعك السلبية ستعيش في هذا الواقع السلبي، بينما اذا ما قمت باتخاذ خطوات عملية وتحمّلت مسؤولية احداث التغيير وان كان في أبسط  أمور حياتك حينها يمكنك فقط أن تجد مكانك ودورك في هذا العالم. أنت الشخص المسؤول عن صنع واقعك، فالطريقة التي تفكر بها تحدد الطريقة التي ستسلك بها في حياتك. لذلك لا تضع حدودا لحياتك ولا تسمح أن تكون حياتك نتيجة ظروف معينة ولا تقبل الواقع كما هو متخذا دور الضحية في حياتك ومجتمعك. كن منفتحا على تجارب الآخرين، وأفكارهم ومعتقداتهم كما وتعلّم رؤية الأمور من جوانب مختلفة. وأخيرا وليس آخرا تذكر دوما أن الحياة لا تقتصر على اللون الأبيض أو الأسود وأنّ هناك ألوان أخرى بامكانك اضافتها الى لوحة حياتك وجعلها أكثر جمالا وحيوية.