بقلم هديل داوود

مُعالجة نفسية بالفنون

حياتنا رسالة ندوّن فيها كثير من الخبرات، المواقف والأحداث التي تكون نتيجة لما نحن عليه اليوم. بعض من الأشخاص ترى بالمواقف والأحداث الصعبة سبب مقنع لتحبط ولتتقوقع بصدمة الحدث، أما أشخاص آخرين فيرون بتلك الاحداث فرصة للنهوض لتحويل الموقف إلى نقطة تحول جذرية بحياتها الشخصية، هذا ما نسميه بقصة نجاح.

أمام كلمة نجاح نقف ونتساءل، إن كان بالفعل يمكن للصبية المغتصبة أن تتكلم عن قصة نجاح! عن أي نجاح؟ نجاح المعتدي بإيذائها والتعرض لها مرارا؟ عن أي نجاح يتكلم الشاب الذي تعرض لتحرش لسنين طويلة؟ أي نجاح يكون عندما يكون المعتدي هو الأب أو الأخ أو حتى كلاهما معا؟!

أختي العزيزة، هذه الحالات موجودة وهي ليست بمسلسل درامي أو فيلم، بل هي حالات وقصص واقعية يقع ضحاياها أطفال، شباب وشابات في بداية طريقهم ليخوضوا الحياة بطريقة ليست بالسهلة.

رغم الألم هناك رجاء وهناك قصص نجاح

دعيني أشاركك ببعض من الكلمات المؤثرة التي تركت بصمة في حياتي من خلال جلسات العلاج:

  • “ما تمنيت ولا تخيّلت أمرق بهيك أمر، اعتداء مؤذي وصعب. لكن صدقيني أنا اليوم على ما أنا نتيجة الي مريت فيه، لو ما حصل معي الاعتداء ومريت بالعلاج، اللي بدوره عالج دوائر كثيرة ومختلفة بحياتي بالإضافة لصدمتي من الاعتداء، ما كنت اليوم بالمكان اللي أنا فيه، تعلمت حدودي وحدود الآخر، تعلّمتإنه كلمة “لا” ليست بخطية، بل كلمة صحية لأدافع عن نفسي، تعلمت أن شعور الذنب لا يلصق الي، تعلمت أن أواجه وأتمرد على ظروف وأشخاص يحاولون النظر إلي على أنني مسكينة لأني تعرّضت للاغتصاب.”
  • “أحمل اليوم قصة أخرى، أنا صبية تسعى لتؤثر بطريقة مختلفة، حواري مع ذاتي ارتقى وأيقن أني أفضل من أمس، لست بمذنبة لما حصل معي، ولكني اليوم أرى نفسي قبل الحدث وبعد الحدث. ربما الحدث سلب مني طفولتي، وماضي ولكن لم يستطع أن يسلب مني أحلامي ومستقبلي. رغم كل ما واجهت قمت من جديد لأستكمل تعليمي، ويا لدهشة أهلي لقد تمكنت من الحصول على علامات أعلى بكثير من قبل الحدث، اليوم أعلمأن حياتي مهمة وأريدأن استمتع بها بالكامل. لي خطة وهدف، وأسعى لتطوير ذاتي من كل النواحي”.
  • “البعض ينظر لي بنظرة استحقار، والبعض الآخر ينظر لي بنظرة شفقة. كلاهم لا أنظر نحوهم فأنا أنظر إلى أولئك الذين يؤمنون أن لدي فرصة لأفتح الباب الجديد المعد لي”.
  • “هل تذكري بداية لقاءاتنا، رفضتك لأني شعرت بالرفض بعد الاعتداء، فكان أسهل أن أرفضكِ من أن أشعر بالرفض منك، إلا أن عيونك، وإصرارك للقائي كل يوم جذبني لأسال نفسي كيف لك أن تثقي بي رغم إني لا اثق بنفسي.”
  • “ها انا اليوم من خلال العلاج عدت لأثق من جديد بالأشخاص، أخطط وأبني لمستقبلي لأحقق أحلامي، وأعرف قدراتي ونقاط ينبغي أن أسعى لتطويرها. أمامي باب جديد قد فتح ولن التف للوراء لأدع أشخاص آخرين أن يعبروا مكاني. نعم قصتي اليوم قد اختلفت من قصة معاناة الى قصة استخدام، من فشل إلى نجاح. اليوم أسعى لمساعدة وتشجيع شابات من خلال قصتي، اليوم أنا على استعداد ليس فقط لتطوير ذاتي بل لأكون مؤثرة في حياة أخريات”.

أختي العزيزة، ألا تفرحي معي أمام هذه الكلمات المشجعة، من قصص مؤلمة تعرضت لها مجموعة من الفتيات نراهن اليوم يسعين لمواجهة المجتمع بطريقة مختلفة؟ من نظرة يأس إلى نظرة أمل، من باب الظلمة إلى باب النور. لقد وجدن في العلاج باب جديد لحياتهن ليعدن النظر من جديد لكيانهن، وأحلامهن، وقدراتهن لتجعلن من الظروف القاسية التي واجهنها فرصة نجاح.

ماذا عني؟ أواجه الكثير من الأسئلة، كيف يمكنك سماع القصص الصعبة كل يوم؟ كيف لكِأن تؤمني بتغيير حياة كل طفلة، وشابة ومراهقة تعرضن لاعتداء جنسي؟

نعم لا أخفي مشاعري، أحزن وأستاء من الأوضاع الصعبة لكني أبقى متمسكة بأمرين أساسيين.الأول، الباب المفتوح للمتعالجة هو باب واسع لتغيير مسار الحياة، دون إنكار الماضي، لكنه باب جديد ليفتح أمامها فرص أخرى لتعيد النظر لنفسها، لتسمح بالشفاء أن يجري في نفسيتها. أثق واؤمن أن جلسات العلاج هي بفرص تُمنح لكل إنسانة بحاجة إلى تفريغ مشاعرها ولتمكين ذاتها لتستعيد ثقتها بنفسها. كما أن خلال جلسات العلاج تبنى علاقة بين المعالج والمتعالج، خلالها يمكن للمعالج أن يرى رحلة نمو المتعالج في جوانب مختلفة، الأمر الذي يشجع ويحفز المعالج لأن يستمر ويؤمن أن هناك رجاء.

رحلة النمو والتغيير والتغلب على الحادثة هي فردية وخاصة. للبعض مسار طويل جدا وللبعض أقصر. لا يوجد طريق أفضل من طريق، فلكل شخص قدرات، وإمكانيات، وأفكار ومشاعر تختلف عن الآخر. لكن لجميعهم بالنهاية هناك باب لحياة جديدة.

أما الأمر الثاني هو ثقتي وايماني بالإله الذي يخرج من الجافي حلاوة، ومن الضيق فرج. أثق بالإله الذي أعانني وقادني لأكون في هذا المكان ليس فقط ليعينني بل لأعين أخريات. إن كان العالم يؤمن بالتغيير وأن للشخص هناك إمكانية لحياة جديدة ولأبواب مفتوحة، فكيف لي أن لا أؤمن بنعمته القادرة أن تثبتني لأتمسك بالرجاء، لتتغير حياة كل متعالجة من ضيق إلى رحب، ومن ضعف إلى قوة ومن حزن إلى فرح.

أنا اليوم على دراية أن رسالتي كمعالجة رسالة لجبر الكسور ورسالة احتواء المكسور، قصص نجاح كل متعالج بكل تأكيد هي تحفيز وتشجيع لاستمرار رسالتي، لأعلن لنفسي كل يوم مهما كانت الظروف، هناك أبواب كثيرة أمامنا لنمتلكها. أشجعك أمام ظروفك أن تقتحمي الفرص، تفتحي الأبواب الجديدة المتاحة أمامك على مصراعيها، كوني أنت صاحبة تغيير ورسالة مؤثرة لنفسك ولكل من حولك. داخلك مواهب، وإمكانيات وقدرات، إسعي لتطويرها، وافسحي مجال لذاتك لتقوم وتنهض، لتنتهز الفرص المعدة من جديد، قومي ودوّني لنفسك رواية جديدة. “أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ. هَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ، لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي.” (رؤ 3: 8)