بقلم هديل داوود 

معالجة نفسية بالفنون-تخصص في علاج الصدمات وضحايا الاعتداء الجنسي

يا لها من صدمة نفسية قاسية لتلك الضحية، بعد أن كسرت حاجز الصمت، واختارت أن تفلت من يد المعتدي، تضطر أن تكون أسيرة لرؤيته والتعامل معه، وسبب ذلك يعود إلى أن الاعتداء الحاصل هو من داخل الأسرة من قبل الأب، أو الأخ أو حتى العم والخال. فكثيرا ما تجلس تلك الفتاة بمشاعر متضاربة، بين رغبتها بعقاب المعتدي وبين رغبتها في الحفاظ على الأسرة من التفكك.

أين تقف الأسرة اتجاه هذه الكارثة؟ هل متلبدة الإحساس أم توفر مكانًا آمناً؟ وما هو دورنا في المجتمع، هل نقف نجلد المُعتدى عليها فنُفاقم الصدمة وتأثيرها النفسي عليها؟ أم نحاول أن نفهم ردود الفعل والمخاوف التي تمُر بها الضحية؟

للأسف العديد من ملفات الاعتداء يتم اغلاقها تحت شعار “لعدم وجود أدلة كافية”. وفي كل مرة أشعر بالألم من جديد عندما أسمع استجداء المتعالجة وكأن الصوت يئن ويصرخ لينادي “لا يوجد شاهد على ألمي.” أفكار ومشاعر صعبة ومؤلمة تنتاب تلك الفتاة في هذه اللحظات، منها مشاعر الفقدان، والظلم وعدم العدالة وعدم الأمان. فبينما المعتدي حر طليق يتواجد بالدائرة القريبة، قد تشعر الفتاة بالوحدة تُصارع مع ألمها وخوفها. لذا استلزم في هذه الحالة التأكد من وجود خطة حماية، لتسترد المتعالجة شعورها بالأمان والحصانة النفسية من تأثير وجود المعتدي في دائرتها.

جميعنا نعلم أنه لكي ما يتخطى الفرد أمرا معينا، ويمر في مرحلة الشفاء، يحتاج أن يبني قاعدة ثابتة لأمانه وحمايته. وحتى إن تم إغلاق القضية فلا بد من التخطيط لخطة حماية ورحلة نحو الشفاء والاستقرار لتلك الفتاة. 

هناك نوعين من الحماية لا بد من الانتباه إليها عند بناء خطة الحماية: 

  1. الحصانة النفسية من تواجد المعتدي الذي يهدد سلامة وأمان الفتاة.
  2. الحماية الجسدية من تكرار الاعتداء. 

كي تتمكن الفتاة من استرداد شعورها بالأمان والسيطرة، لا بد أن يكون هناك بناء أطر لها حدود واضحة للمعتدي في الأماكن التي يمكنهما التواجد فيها مع تحديد الأماكن والظروف التي لا يمكنه التواجد فيها. فتتدخل المحاكم لوضع خطة حماية للفتاة، وعلى الأهل الالتزام بتحقيقها.  كعدم ترك الفتاة لوحدها بالمنزل مع أخيها المعتدي، أو عدم إلزام الضحية لزيارة بيت الخال أو العم المعتدي، ولا يُسمح للمعتدي بالدخول الى منزل الفتاة مجددا لمنع اي تواصل بينهما. 

كما ولا بد أن يكون هناك اهتمام بالصحة النفسية للفتاة من خلال التواصل معها وسؤالها عن مشاعرها ازاء تواجد أخيها المعتدي في المنزل، ما هي الأمور التي تزعجها؟ هل هناك صور ذهنية من الاعتداء تلاحقها عند رؤيته وكيفية مساعدتها لتخطي ذلك؟ 

أختي العزيزة لربما يتبادر في ذهنك في هذه اللحظات، وماذا إن كان المعتدي خارج الأسرة من المدرسة مثلا، وقد تم إغلاق القضية؟  لا بد من إخراج الشخص المعتدي من صفها، ومتابعته في المدرسة كي لا يتعرض إليها ولا يشكل أي خطر نفسي وجسدي أيضا عليها.

دعيني أشجعك من خلال هذا المقال، أن تعيدي النظر في قائمة حياتك أنتِ أيضًا، حاولي أن تستخرجي الأطر التي قد تؤلمك، وحدّدي لنفسك اولًا الطرق التي تريدينها في وضع خطة حماية لنفسيتك.

قيّمي برنامجك، حددي الأمور التي تستنزف طاقتك وتسلب فرحك أو ربما تهدد أمانك، وتذكري أن الحصانة النفسية مهمة، ولا بد من إعادة ترميم الحدود لأمنع أشخاص تسبب الأذى لنفسيتي وربما أيضا لجسدي من خلال اختراق مساحتي الخاصة. استعيني بأشخاص قادرة على مساندتك أو حتى توجيهك لبناء خطة تناسبك.