صوت رجل

قوة وحدة الرجل مع المرأة في الحياة

 

إن الإنسان ­­كان ذروة المجد لخليقة الله وهو سيد الخليقة؛ لأنه مخلوق على صورة الله. وأكد الوحي أن الذكر والأنثى معًا مخلوقان على صورة الله:
“27 فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ” تكوين 1.
وأحيانًا نظن أن الآية تعني أن آدم بذاته خلق على صورة الله وحواء بذاتها خلقت على صورة الله؛ لكن أعتقد أن هذا غير دقيق بحسب الآية، بل آدم وحواء متوحدان معًا في الإنسانية، مخلوقان على صورة الله كوِحدة واحدة متحدة. لأن الوحي يوضح أنه يقصد بالإنسان، الذكر والأنثى معًا كإنسان واحد متوحد، مخلوق على صورة الله؛ وليس الرجل لوحده أو الأنثى لوحدها بل الاثنان متوحدان معًا. ولا يتكلم هنا الوحي بالضرورة عن الزواج، بل عن اندماج أدوار الرجل والمرأة معًا في الحياة كإعلان لصورة الله؛ بحسب النموذج الذي وضعه الله في الخلق.  لذلك نرى الله في الكتاب المقدس يعبر عن ذاته بالتعبيرين الذكري والأنثوي، كأب وكأم معًا:
“إنَّ أبي وأُمي تركاني والرَبُّ يَضُمُّني.” مزمور 27: 10، أي أن علاقة الآب السماوي بأولاده، تشمل الأبوة والأمومة معًا.

فيشبه الله عن أمومته للإنسان، بالأم المرضعة:

“15 هل تنسى الأم رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتَّى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك.” أشعياء 49.
ومنها الأم المعزية:
“13  كإنسان تعزيه أمُّهُ هكذا أعزِّيكُم أنا وفي أورشليم تُعَزُّون.” أشعياء 66.
الأم التي تولد:
“14 «قَدْ صَمَتُّ مُنْذُ الدَّهْرِ. سَكَتُّ. تَجَلَّدْتُ. كَالْوَالِدَةِ أَصِيحُ. أَنْفُخُ وَأَنَخُرُ مَعًا” أشعياء 42.

“3 اِسْمَعُوا لِي يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ وَكُلَّ بَقِيَّةِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، الْمُحَمَّلِينَ عَلَيَّ مِنَ الْبَطْنِ، الْمَحْمُولِينَ مِنَ الرَّحِمِ.” أشعياء 46.
“18 الصخر الذي ولدك تركته ونسيت الله الذي أبدأك.” تثنية 32.
ومنها القابلة التي تولِّد:
“9 لأنك أنت جذبتني من البطن، جعلتني مُطمئنًا على ثديي أمي” مزمور 22.

“7 إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ.” مزمور 2.

“9 هَلْ أَنَا أُمْخِضُ وَلاَ أُوَلِّدُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَوْ أَنَا الْمُوَلِّدُ هَلْ أُغْلِقُ الرَّحِمَ، قَالَ إِلهُكِ؟” أشعياء 66.

 

أيضًا نظرة الأمومة عن الله الآب وأيضًا عن المسيح، كانت مترسخة عند آباء الكنيسة:
قال الأب كليمانت الاسكندري (150-215 م) عن المسيح الذي: “رضع الحليب من ثديي الآب”؛ وقال عن المسيح أنه “كل شيء لإخوته الصغار، أب وأم، معلم وطبيب” [1].

“ووصف أيضًا أنسيليم مطران كانتبري (1033-1109 م) المسيح بأنه “الأم الأكبر” الذي ولد أولاد كثيرين من خلال موته، وعزى الخائفين بلطفه [2]. طبعًا لقد أخذ الآباء هذه الأفكار من الصُوَر التي صور المسيح نفسه بها؛ منها مثلا الدجاجة التي تجمع فراخها تحت جناحيها (متى 23: 37  ولوقا 13: 34). وهي مستوحاه من تشابيه العهد القديم التي استخدمها الله لنفسه (مثل: مزمور 17: 8 و91: 4  وراعوث 2: 12).

فعندما قال الله عن آدم: “18 وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ.” تكوين 2.

معينًا لماذا بالضبط؟؟؟ أعتقد أن المرأة هي المعين الذي سيكمل آدم، ومعًا سيحققان دعوة الله للبشر، بأن يكون الرجل والمرأة معًا التعبير الحي لصورة الله على الأرض وللمجتمع.

 

تأثير هذه الحقيقة على المجتمعات:

هي أساس الكرامة للمجتمعات: إذا الله خلق الإنسان على صورته؛ فالرجل والمرأة متوحدان معًا، هم التعبير الحي لصورة الله في المجتمع. لذلك نرى المجتمعات التي تنظر للمرأة كإنسان مكافئ تمامًا للرجل ومساوي له في القيمة والاحترام، هي أكثر المجتمعات نجاحًا، ازدهارًا، احترامًا، وقارًا، وقربًا للصورة التي أسسها الله للخليقة.  وكلما ازداد المجتمع تحقيرًا وتقليلا من مكانة وشأن المرأة، ازداد المجتمع بُعدًا عن الصورة التي أسسها الله في الخليقة، للتعبير عن صورته ومجده؛ فيتفشى في ذلك المجتمع الفشل، الظلم، الشر والجهل.

 

إعطاء المرأة مكانتها، يصوب الأدوار في المجتمع:  نرى أيضًا أن النتيجة البديهية في المجمتعات التي تسود فيه المساواة والوحدة بين الرجل والمرأة، هي وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب ويُكرم الجميع بمساواه وحق.  إن عدم وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب في الدولة والمجتمع، هو من أهم المسببات لعدم انطلاق المجتمعات.  من أجمل صور الوحدة بين الرجل والمرأة التي نراها في الكتاب المقدس، هي باراق ودبورة عندما اشتركا معًا في حرب واحدة، بعد إصرار باراق على عدم ذهابه لوحده، بل متوحدًا بدبورة (قضاة 4: 8). فنرى كيف انتصر شعب  إسرائيل في هذه الحرب، نصرًا ساحقًا على ظلم يابين ملك حاصور؛ أيضًا قد جعل الله رئيس جيش يابين سيسرا، أن يموت على أيدي ياعيل، امرأة حابر القيني (قضاة 4: 21)!! لذلك في سفر القضاة، الأصحاح الخامس، نرى نشيد بوحي من الله، من روائع ما ورد من أناشيد في الكتاب المقدس. وهو النشيد أو المزمور الوحيد الذي أوحي لرجل وامرأة معًا، دبورة وباراق: “1 فَتَرَنَّمَتْ دَبُورَةُ وَبَارَاقُ بْنُ أَبِينُوعَمَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلَيْنِ”. إن هذه الوحدة هي من أوضح الصور التي فيها نرى وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، وكيف أظهر الكرامة والاحترام للجميع. ونرى هذا من خلال النشيد في عدة أشكال، منها:

أولا: إن هذا النشيد هو من أكثر الأناشيد شمولا ومدحًا لجميع الذين شاركوا في عمل الرب مع دبورة وباراق. فنرى من خلاله أن كل إنسان شارك في الحرب، نال حقه من المدح والإكرام. فيمدح ياعيل وزوجها حابر القيني، دبورة، باراق، جميع باقي القضاة من الشعب، أفرايم، بنيامين، أهل ماكير، وزبولون، رؤساء يساكر، رأوبين، دان، وأشير، ونفتالي. لا أتذكر أبدًا أي مزمور أو نشيد في الكتاب، يعظم ويمدح عدد كبير كهذا من أصحاب الإيمان المباركين، بهذا الشكل الشمولي. فأحد أهم أسباب الشمولية، هو اشتراك المرأة مع الرجل في العمل؛ وفيه نرى شمولا في النظرة الإلهية، وإدراك أعمق وأشمل لمشيئة الله.

ثانيًا: نشيد يمدح امرأتين، دبورة وياعيل، وهذا شيء فريد أيضًا. حيث يُخصص جزءً كبيرًا منه لياعيل وهي امرأة بسيطة: “24 تُبَارَكُ عَلَى النِّسَاءِ يَاعِيلُ امْرَأَةُ حَابِرَ الْقَيْنِيِّ. عَلَى النِّسَاءِ فِي الْخِيَامِ تُبَارَكُ” (إلى عدد 27). وهذا شيء أيضًا فريد وعظيم لا نراه في أي من المزامير والأناشيد في الكتاب المقدس.

ثالثًا: يضع القادة المترئسين على العمل مع الشعب في الكرامة؛ ولا يعطيهم أي نوع من الصدارة في الإكرام؛ بل بالعكس، يجعل الصدارة لياعيل، المرأة البسيطة لكن البطلة، التي قتلت قائد جيش حربي. فبوحدة الرجل مع المرأة، يُمدح الشخص المستحق المدح، ويُوضع الإنسان المناسب في المكان المناسب. فذكر النشيد أن دبورة وباراق بدأوا في ترنيم النشيد؛ طبعًا بدأوا بتمجيد الرب أولا؛ لكن لم يذكر النشيد أسمائهما أولا، بل ذكر اسم ياعيل أول الكل، بعدها تذكر دبورة كيف أن مجدها في وسط الشعب لم يكن في كونها قاضية، بل بأمومتها للشعب: “7 خُذِلَ الْحُكَّامُ فِي إِسْرَائِيلَ. خُذِلُوا حَتَّى قُمْتُ أَنَا دَبُورَةُ. قُمْتُ أُمًّا فِي إِسْرَائِيلَ”!! أي أنها أرادت أن تبرز أن الأنوثة والأمومة، هي أعظم مجد وعطية، وكانت سببًا أساسيًّا في ذروة المجد العظيم الذي تمجد به الله في العمل؛ فإقامتها كأم للشعب، كانت أهم من كونها قاضية للشعب!! بعدها تذكر باراق والباقين بمدح وكرامة كبيرة من الله للشعب.

دعونا معًا نبني ثقافة تعزز تكافؤ المرأة مع الرجل في كل جوانب الحياة، وتساويها التام معه في القيمة والاحترام؛ لأن هذا هو أساس هام لأي مجتمع ناجح ومزدهر. أيضًا قيام المرأة بدورها المجتمعي بدون عوائق، يؤدي إلى تصويب الناس المناسبين في الأماكن المناسبة، وهو مفتاح هام لنجاح أي مجتمع وحضارة.

 

[1] Edited By: Keller, Rosemary S. & Reuther, Rosemary R. “Encyclopedia of Women and Religion in North America” Vol. 2, Part V,  “Women in Orthodox and Oriental Orthodox Traditions” p 526.

[2] Form an article that appeared in the June 2014 issue of U.S. Catholic (Vol. 79, No. 6, page 46). – See more at: http://www.uscatholic.org/articles/201406/can-we-call-god-mother-28984#sthash.lMgzEWBH.dpuf