صوت رجل

صوت القس مجدي أنور

 

تأتي الأمطار بغزارة إلى الأرض بهدف إثمارها, ولكي تصل إلى ذلك الهدف تبحث عن الأماكن الضعيفة في الأرض لتجد مكاناً تسري من خلاله لتتفاعل مع التربة مُنتجةً هذه الثمار.

 

تمر الزوجة بأوقات ألم وضعف وتحديات يسمح بها الله  لكي تكون فرصة فيها يلتحم الزوج ويتفاعل مع زوجته فيجد الطريق لدعمها وتثبيتها وتقويتها, فتتحول نكهة الألم لديها إلى عطور تشتمها هي وكل العائلة وتنتشر لكل من حولها.

 

عندما تعرفت على شريكة حياتي اكتشفت قبل الزواج بأن معدل نسبة السكر في الدم لديها أعلى من المعدل الطبيعي. عندها خلعت هي خاتم الخطبة وأعادته إلي وهي تقول بكلمات حاسمة: “لا.. لا استطيع اكمل معك مشوار الحياة”!!  دوت في قلبي عاصفة من المشاعر والأفكار المختلطة وأنا أتأمل في نبع الدموع التي كانت تسيل من عينيها وهي تجسد لي معاناة أبيها مع مرض السكري . التقطت أنفاسها لتقول لي: “لماذا عليك أن تُعاني معي وتسير نفس الطريق الصعب التي مشى فيها والدي”؟!

وضعنا هذا التحدي في الصلاة أمام الرب, أثنائها نبهني الرب بأن هذه هي الفرصة الفريدة التي يمكن من خلالها أن نضع معاً أساس الحب والالتزام للعهد المسيحي الذي وضعه الرب في قلوبنا عندما إتفقنا أن نكون لبعض. وفي تلك اللحظات انسكبت محبة الرب في قلبي لشريكة عمري كالأمطار التي تبحث في داخل قلب حبيبتي  لكي تتفاعل وتوحد قلبينا معاً.

قُلتُ لها عبارة ما زلت أُرددها حتى هذا اليوم:  “أرسل لكِ الرب عطيتين معاً, وعليك قبولهما معاً من يده, وهما أنا والسكري”. تعهدتُ لها بأن أكون معيناً لها مهما كان تأثير السكري على جسدها.

رددنا هذا العهد لاثنين وعشرين سنة, عهداً ينُصّ في طياته على التزام ثابت وأبدي, لايحتوي على كلمة طلاق أو انفصال, عهد ساري المفعول إلى الأبد.

 

الصخور التي تتعرض لتحولات كيميائية وحرارة وضغط تتخذ شكلاً مختلفاً عن الصخور فيتحوّل مثلا الحجر الجيري إلى رخام والفحم الى ألماس .

تماماً مثل التغيرات الكميائية والاقتصادية والعائلية التي تمرّ بها الزوجة, فهي تجتازها بنجاح فقط حينما تجد زوجها يُحيطها بالحب المسيحي الثابت. فمحبة الزوج هي القدرة الإلهية التي تُحوّل أحجار المعاناة لدى الزوجة إلى رُخام الجمال, ومنجم فحم الآلام إلى كنوز من الألماس والأحجار الكريمة.

 

تمُرّ زوجتي بفصول متغيرة في حياتها, وهذه التغيّرات تعود بالبركة والخير على العائلة وعلى العالم على الرغم مما  تسببه لها من معاناة.

تحتاج الزوجة في هذه الفصول المتغيرة من حياتها إلى زوج ثابت غير متغيّر مثل الشمس في مكانها, لكي تتمكن الزوجة من أن تسير وتجتاز هذه الفصول بأمان ولكي تؤدّي دورها كزوجة وأم بنجاح.

شاركت في ندوة للأزواج وكان الحديث على وجه الخصوص عن دور الرجل كما تراه الزوجة, شاركت المرأة بأنها تحتاج إلى الحب من رجلها, الحب الثابت والاستماع والتقدير والتفهم والاحساس بما تفعله وتقوم به في المنزل ومع الأولاد.

 

إن إحدى الاحتياجات التى تحتاجها زوجتي هي الشعور بالأمان, وهي لن تحصل على الأمان عن طريق الأعمال التى أقوم  بها أو الكلام الذي أقوله لها, بل بحضوري وتواجدي معها ولها  وتفهمي لمشاعرها وشعورها باستمرار.

 

تقلق زوجتي كثيراً وهي تجلس بجواري أثناء قيادتي للسيارة, هذا الموضوع سبب سوء تفاهم مستمر بيننا. يوماً ما جلسنا سوياً لنبحث في هذا الأمر, شاركتني عن سبب قلقها أثناء قيادتي للسيارة الذي يعود إلى حوادث السير التي تعرضت لها مع أهلها والذي خلق لديها شعور بعدم الأمان عند سياقة السيارة بشكل عام. أُحاول الآن أن أتفهّم مشاعر القلق والحذر لديها وأن أتحكّم بردود أفعالي أثناء قيادتي للسيارة.

 

أقولها مرة أخرى, إن أوقات الألم والضعف التي تمر بها الزوجة هي في حد ذاتها فرصة يسمح بها الله لكي يلتحم الزوج ويتفاعل مع زوجته, فيجد الطريق لدعمها وتثبيتها وتقويتها لكي تتحوّل إلى أجمل لؤلؤة تُنير حياته.