عروس الكورونا: قصة روزان الشاعر

عندما تتواجه مع المرض والوجع والموت وجهاً لوجه، تتغير حياتك جذرياً، ولا تعود كما كنت في السابق أبداً. هذه هي قصتي…

اسمي روزان الشاعر إحدى الأشخاص الذين لم يكن عام 2020 لطيفاً معها، فقد انصبت بفيروس كورونا ومكثت في الحجر الصحي اكثر من 50 يوماً.

الشعور الأصعب كان أثناء تحضيري لحقيبتي لأذهب إلى المركز الوطني للتأهيل حيث سيتم معالجتي، لم أكن ذاهبة في سفر أو رحلة، كنت ذاهبة إلى مكان مجهول، ذاهبة للمعالجة من فيروس آلاف الناس حول العالم تخسر حياتها بسببه. لم أستطيع حتى أن أودع أهلي أو أحضنهم أو أقبلهم، حدث كل شيء بسرعة وعن بعد مسافات.

تم تشخيصي بأن إصابتي متوسطة الحدة، الأيام الأولى من العلاج كانت الأصعب، كان وجع رأسي لا يُحتمل، وكان يتم معالجتي عن طريق أدوية في الوريد، وهذه الإبر كانت مؤلمة جداً، وكنت من شدة آلام رأسي أتقيأ كثيراً.

مرحلة العلاج كانت شاقة، كنت آخذ العلاجات الخاصة بالملاريا وبإنفلونزا الخنازير، العلاجات تسببت بضعف في جسدي وبدوخة وغثيان وكنت لا استطيع حتى أن أرفع رأسي. كان لدي أيضاً التهاب بسيط في الرئة، والتهاب في أذني. استمرت مرحلة العلاج تقريباً 3 أسابيع.

تم فحصي وتبين أن نتيجتي سلبية أي أن جسمي يخلو من الفيروس. من المتبع في عملية علاج هذا الفيروس، أن يقوموا بفحص المريض 3 مرات، وإذا كانت نتيجة الفحص سلبية لثلاث مرات يستطيع المريض أن يغادر المركز. وبالفعل قمت بعمل فصحين متتاليين وكان الاثنان سلبيين، وبينما كنت أنتظر نتيجة الفحص الثالث، قمت بتجهيز أغراضي وحقيبتي على أمل أنني سأغادر، ولكن تفاجأت بأن النتيجة الثالثة جاءت إيجابية، أي أن هذا الفيروس إما عاد إلى جسدي أو لم يغادره أصلا وكان يختبأ في مكان ما، الأمر الذي أدى إلى تراجع صحتي النفسية كثيراً.

“لا تشمتي بي يا عدوتي إن سقطت أقوم،”  تحدّيت واقعي والفحوصات والنتائج وقمت مرة أخرى على قدمي، وعزمت أن أتعافى سريعاً لأعود إلى عائلتي وشريك حياتي وأحبائي ولأقوم بالتحضير ليوم زفافي، عزمت بكل ما لدي من قوة أن أخرج من المركز وأن أعود إلى حياتي أقوى من ذي قبل.

من السهل أن نثق ونقول أننا نؤمن، ولكن هذا الإيمان يُمتحن في الظروف الصعبة، عندما نرى أن الألاف ممن حولنا يفقدون حياتهم بسبب فيروس لا يُرى بالعين المجردة، عندما نتواجه وجهاً لوجه مع الخطر والموت والفقدان، عندها نُدرك مدة أهمية أن يكون لدينا إيمان قوي.

تساءلت دائماً لماذا أنا؟ لماذا أنا بالتحديد؟ ولكن هذه التجربة جعلتني أدرك أنني امرأة قوية جداً، وأن إيماني في الرب كبير. علمني الرب من خلالها بأن أثق وأن لا أشك في قلبي.

أنا أومن بأنني دخلت في هذه التجربة لكي أتشكل من جديد، ولتتغير طريقة تفكيري، لأعود إلى خدمتي كمعلمة لأطفال وشبيبة لأخبر بكم صنع الرب معي وعظّم.

عندما خرجت من العزل الصحي كانت بداية جميلة وجديدة تماماً، عودتي لحياتي الطبيعية كان أمراً مميزاً بعد أشهر من العزل. وكان قد حان الوقت للتفكير بتفاصيل زفافي. كان من المفترض أن يكون اليوم المنشود بتاريخ 1/8/2020 ولكن بسبب ظروف البلد الغير مطمئنة والخوف من تزايد حالات الاصابة بالكورونا في بيت لحم، قررنا أنا وشريك حياتي يوسف تقديم العرس إلى شهر حزيران.

طبعا لم يكن بالأمر السهل لي كعروس، لم أكن مستعدة أبداً، فستان زفافي لم يكن جاهزاً ولا أي شيء آخر. خلال 20 يوم قمت بتجهيز كل شيء، كان فعلاً سباقاً مع الزمن.

مررت بضغط نفسي كبير، فهذا يوم أحلامي الذي انتظرته منذ صغري، وجاء بفترة غير مناسبة تماماً، كان من المفترض أن أكون سعيدة ومستمتعة في تحضير يومي الكبير، ولكنني لم أكن هكذا، كنت متوترة وبضغط مستمر.

قبل أسبوع واحد من يوم الزفاف، ازداد وضع البلد سوءاً وازدادت حالات الإصابات بالفيروس بسرعة هائلة، أصبح هناك اشاعات بأن البلد ستعود تحت الحجر الصحي من جديد وأن صالات الأعراس ستُغلق. وبالفعل قبل 5 أيام من الزفاف أصدر القرار بمنع إقامة الأعراس!

لم نعلم ماذا سنفعل، هل نستمر؟ نوقف الزفاف؟ نقوم بتأجيله؟ وماذا لو كان أحد الحضور مصابا بالكورونا؟ ماذا لو تسبب زفافنا بإصابة أشخاص بالفيروس؟ هل سنتحمل هذه المسؤولية؟

قبل العرس بليلة واحدة فقط، تم تأكيد القرار المُتعلّق بإلغاء جميع حفلات الأعراس في اليوم التالي. دخلنا في ضغط هائل، ماذا سنفعل؟ جميع دعوات الزفاف قد وُزّعت، الورد، وقالب الحلوى، كل شيء جاهز ليوم غد الذي كان من المفترض أن يكون أجمل يوم في حياتي. دخلت في حالة من الهستيريا وأردت أن ألغي زفافي وفقدت كل العزيمة والإصرار الذي كنت أتحلى به.

تذكّرت الرب عندما قال: “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أريحكم.” وعندها سلمت زفافي للرب ووضعت قلبي ومشاعري بين يديه، وقررت أن أفرح وأن أستمتع بيومي كما يجب أن تكون كل عروس.

قررنا أخيراً أن نُقيم حفلة صغيرة بعد الإكليل أمام منزل صديق، وقمنا بدعوة العائلة والأصدقاء المقربين جداً. وبالفعل كان يوماً مميزاً وجميلاً بعيداً عن جميع المظاهر المُزيّفة. تعلمت حينها أن جوهر يوم الزفاف بساطته، وأن الشيء الأساسي والثابت والذي لن يتغيّر مع ظروف الحياة هو المحبة التي تجمعني مع يوسف.

سمعنا العديد من الأشياء السلبية حول عام 2020، وهي فعلاً كانت سنة صعبة جداً، مع إصابتي بالفيروس ومع تحديات الزفاف والأمور الغير واضحة في كثير من الأحيان، إلا أنني لا أستطيع أن أنكر أنها كانت سنة مميزة. لأنها علمتني أن الأمور الجميلة والتي تستحق الانتظار لا تأتي بسهولة وبدون تعب.

أؤمن أن الله قد سمح بحدوث هذه الجائحة لكي نُدرك مدى صغرنا وعجزنا ومدة عظمته، ولكي نعود إليه، ونعود للأشياء المهمة والجوهرية في الحياة، ونكف عن الركض وراء الأمور الفانية. أصلي أن يستفيد الجميع من هذه الفترة، وأن لا تعود الحياة إلى مجراها بدون تغيير حقيقي في نفوس البشر.