صوت رجل

صوت بطرس منصور

يشهد مجتمعنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده، رغم الظروف القاهرة، نهضة اجتماعية علمية متمثلة في ارتفاع قياسي في أفواج المتخرجين من الجامعات للألقاب العليا. يرافق ذلك نهضة أكثر اثارة هي عدد الفتيات الفلسطينيات اللّاتي يدرسن ويتخرجن من الجامعات في كل اقاصي الأرض. على سبيل المثال وليس الحصر- نجد ظاهرة لافتة في معهد الهندسة التطبيقية (التخنيون) في حيفا والذي عُرف كمعهد ذكوري ويهودي الصبغة نظرًا لطبيعة المواضيع التي تدرّس به من أنواع الهندسة المختلفة المرتبطة في الجيش. لكن اليوم يشكل العرب ٢٠٪؜ من طلابه! و٣٥٪؜ من طالبات التخنيون هنّ عربيّات!

نرى بالمقابل ان هناك نهضة ايضاً في تقدم المرأة ودورها في الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وان كان اقل زخماً من التعليم الجامعي. فنسب عمل النساء واتخاذهم ادواراً هامة في ارتفاع لافت ومبارك في كل مجالات الحياة…او في اغلبها على الأقل.

لكن يبدو ان هذه النهضة النسائية الاجتماعية العلمية لا ترافقها نهضة نسائية في الكنائس، رغم وجود بعض المبادرات الكنسية المشجعة غير الكافية هنا وهناك. إذ نجد النساء سباقات ومبادرات وقائدات في اعمالهن ولكنهن مهمشات ومهملات في كنائسهن. إن هذا التخلف في اتخاذ المرأة دورها في الكنيسة العربية الفلسطينية يأتي في وقت تشكل النساء فيه غالبية أعضاء الكنائس (هذا من ملاحظتي الشخصية وليست مبنية على احصائيات).

ان سبب مراوحة الكنائس في مكانها في مجال دور المرأة هو التقليد الكنسي القديم وتفسيرات لمقاطع في الكتاب المقدس، وانسجام ذلك مع هيمنة التأثير الحضاري الشرقي الابوي. الكاهن (او القس) هو الاب المسيطر والمهيمن مثله مثل الأب في العائلة. قد يقول قائل انه يتوجب على الكنيسة ان تتخلص من تاريخها ونهجها البائد في التعامل مع المرأة لتواكب التقدم الاجتماعي والعلمي المذكور. لكن للكنيسة أسباب إضافية، فيما عدا الاعتيادية، لتسير في ركب المساواة للمرأة ولمنحها المكانة اللائقة اسوة بالرجل. ان زيادة الوعي لهذه الأسباب هو عامل رئيسي لكي نغيّر نهجنا. فهذه الأسباب من شأنها حث الكنيسة على وضع خطة متكاملة لتغيير الغبن اللاحق بالمرأة فيها والعمل بجدية على تطبيقها. رغم مركزية الموضوع لكني لن اخوض في تفسير المقاطع الكتابية التي تستند عليها الكنيسة في قمع المرأة وتحييدها. لكن ادعو الى دراسة لهذه المقاطع من جديد بروح ما سأقدمه هنا ووضعها في سياقها المناسب والصحيح دون توسيعها ودون اعتبارها شمولية في نهج تحييد النساء.

  • الكنيسة كصورة لله نفسه:

الكنيسة ليست العمارات الشاهقة ذات الشبابيك الملونة واللوحات الفنية، لكنها جماعة المؤمنين. أسس الرب كنيسته في العالم لتكون عروسه وبناءه وهيكله وجسده. كما ان الرب طالب الافراد (بالتالي الجماعات كالكنيسة) ان يكونوا نورًا في العالم وان يكونوا سفراء له.

بكلمات أخرى الكنيسة صورة عن فاديها. من هنا فان تهميش المرأة في الكنيسة يشوه صورة الله نفسه اذ تظهره للأسف، كما كنيسته، الهًا لا يعطي المرأة قيمتها ولا دورها. للأسف نرسم في اذهان الناس صورة لإله متحيز غير آبه بالمرأة.

  • ارسالية الكنيسة:

ان الكنيسة ليست صورة الله فحسب وانما هي صوته ويديه ورجليه في العالم. كيف يمكن للكنيسة ان تقوم بدورها وارساليتها في العالم وقد همشت خليقته من النساء. الارسالية هي الوصول للعالم اجمع برسالة الخلاص ولمس البشر جميعا بالقيم المثبتة لملكوته. لكن كيف تصل كنيسة يقودها ويديرها ويخطط فيها رجال، لنساء العالم؟ كيف ننجح بالوصول إليهم دون ان تشارك المرأة في التخطيط والتنفيذ؟

  • خلق الله الانسان على صورته

خلق الله الانسان على صورته كشبهه ويقول الكتاب “ذكرًا وانثى خلقهما” (تكوين 1: 27). فالمرأة والرجل- سواهما خلقا على صورة الله. فمن هنا قيمتهما تُشتق من صورة الله فيهما. فمن هنا نخطئ تجاه الله بسبب اهمال قصده في خليقته حين نتجاهل التعددية في الخلق فنترك الانثى دون قيمة.

  • شهادة للعالم:

في الوقت الذي يسير فيه العالم في خطى ثابتة باتجاه مساواة وحقوق للنساء، تتخلف الكنائس للأسباب المذكورة أعلاه مما يخلق فجوة. من سمات الدول المتطورة (مثل كندا او السويد او المانيا) ان حقوق النساء متقدمة وتجد مساواة لحد كبير. المحزن/المضحك ان هذه الحقوق قد منحت في هذه الدول بتأثير تيارات مسيحية اعترفت بقيمة المرأة. لكن ما يراه المشاهد اليوم هو تقدم وتطور باتجاه المساواة حتى في بلادنا مقابل ركود مؤسف للكنائس في قوالب وأنظمة بائدة بما يختص بدور المرأة. هذه الفجوة تخلق تحفظاً عند أصحاب الفكر المتنور من المسيحيين من موقف الكنيسة ويخلق بعداً اضافياً رغم ان الكنيسة بأمسّ الحاجة لأفضل الطاقات والموارد لكي تقوم بدورها وواجبها لكي تلحق بركب الحياة المتسارع.

  • عمل منقوص للجسد:

شبّه الرب الكنيسة بأنها جسده وشبّه كل مؤمن بأنه عضو في الجسد. فهذا عين وهذه يد… (انظر 1 كور 12). وصف الرسول بولس ضرورة عمل كل الأعضاء بتناغم وانسجام لكي يؤدي الجسد وظيفته ويقوم بدوره. نتساءل هل بالإمكان ان يقوم الجسد بمهامه وقد أهمل أكثر من نصف أعضائه؟ هل نعتبر النساء فقط مستقبلات ومتفرجات في كنائسنا؟

بينما نقترب من العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، حري ٌّبنا، كنيسة المسيح في الأراضي المقدسة، ان ننفض غبار الماضي ونتابع بنشاط الموضوع في سبيل إعطاء المرأة حقها … أو بالأحرى الرب حقه. بنعمة الرب- سيكون لذلك أثر منعش ومنشط لكنيسة الرب لتقوم في ارساليتها الحيوية.