يتمحور محتوى المجلة لهذا العدد حول الفرح وأهميته في حياتنا، فالفرح حالة فريدة تختزن بداخلها الأمل والحيوية والنشاط والتفاؤل وكل المشاعر التي ترتقي بسلوكنا وعلاقاتنا وتعكس حالة من الوئام مع المحيط . لكن، وبسبب الضغوط الحياتية نهمل حاجتنا للفرح ولا نستطيع التمتع به في ظروف حياتنا اليومية يقول الكتاب المقدس “فرح الرب هو قوتكم ” نحميا 10:8

إذاً، لماذا ننتظر المناسبات الاحتفالية حتى نسرق لحظات الفرح؟ لماذا لا نشعر بقيمة النعم التي وهبنا إياها الرب؟ لماذا نغرق في دوامة القلق؟ لماذا نحوّل حاضرنا ومستقبلنا إلى هواجس تعكر صفو حياتنا؟

بإمكان الفرح قهر اليأس، فهو علاج لكل داء ولكل حزن، الفرح ينبع من داخلنا، الفرح للجميع، للفقراء والبسطاء بغض النظر عن الأزمات البشرية فنحن نستطيع أن نفرح ونهتف أمام كل مرض وكل ضائقة بشرية.

انطلاقا من حاجتنا إلى الفرح ارتأينا أن نخصص هذا العدد للبحث عن مقومات الفرح التي نمتلكها، لكننا نغفل عنها لأننا تركنا ما بحوزتنا ونتطلع إلى ما بحوزة الآخرين ، لأننا لم نكتف بالحضور الإلهي في حياتنا، هذا الحضور الذي لا يعوض بكنوز العالم مهما نجحنا في حياتنا العملية والمهنية لأن الفراغ الذي بداخلنا يحتاج إلى ما هو فوق المادي وفوق الملموس بشريا، انه غذاء الروح ومضمد الجراح وصانع الأمل، لكل هذه القيم المعنوية والروحية يجب أن تكون صلواتنا حقيقية ونابعة من قلب مؤمن بعيدا عن الجرعات التخديرية من صلوات سطحية وحضور اجتماعات الكنيسة.

لا أنكر أنني شخصياً وقعت فريسة لمتطلبات الحياة ولهثت وراء رؤيتي وخدمتي وعملي واحتياجات عائلتي ما أوقعني في نفس الفخ وأفقدني القدرة على التمتع بتفاصيل جميلة في حياتي وسرق مني الإحساس بالفرح وحاصرني بالمسؤوليات التي أثقلت كاهلي وألقت بي في دوامة يتنازعها القلق من جهة والإجهاد من جهة أخرى. فسألت نفسي، كيف يمكنني إحداث التغيير في حياتي؟ لماذا فقدت الشعور بالفرح والابتهاج؟

وصوت الهي يرافق دربي ويوجهني نحو الملاذ الوحيد للتحرر من القلق، إذ أن استرجاع سلامي كان يكمن في الفرح الحقيقي الذي كان دائماً يملاني، ذاك الفرح القائم على أسس راسخة من الإيمان وليس على الانجاز أو تغيير الأحداث، ذاك الفرح الذي يستند ويتكل على حب وعمل الهي القادر على تسييرها وحمايتها، ففي اللحظة التي قررت فيها أخذ وقت للاختلاء والصلاة واللجوء إلى التأمل والحديث مع الله لبضعة أيام، حصلت على ما كنت افتقد إليه من الامتنان والشكر والفرح وتقدير قيمة نعم الرب في حياتي وانتابتني رغبة جامحة في الاحتفال بكل ما لدي من أبسط الأمور إلى أكبرها. من هنا، علينا أنا وأنت أن ندرك بأن توجيه أذهاننا نحو بركات الله هو فعل إرادة ومنهجية تفكير ايجابية تغمرنا بقوة خارقة في كافة جوانب حياتنا.

هذا التغيير في منهجية التفكير كان ثمر وقت التأمل والاسترخاء في محضر الله الذي أكسبني قدرة على رؤية الأمور من زاوية ايجابية ومن منظار عيون الهي المحبة، فظروفي الحياتية والمهنية لم تتغير لكن التغيير نبع من داخلي وانعكس على شخصيتي وعلى أدائي الاجتماعي وأصبحت استمتع بأبسط الأمور مع عائلتي وأصدقائي ولمست التغيير في نوعية الأوقات المرحة التي أقضيها معهم وابتعدت عن التشنج واكتشفت أن الضحكة الأولى تجلب معها أوقاتا سعيدة ومزيدا من الفرح الذي يعم على المجموعة السعيدة التي تقدر نعم الرب المنسجمة مع الإيمان القوي بربنا يسوع بحيث يجب كسر الصورة النمطية عن المؤمن الناضج الذي يعتقد أن الرصانة تكمن في كبت مشاعر الحزن والفرح.

تذكروا كلمات بولس عن الفرح في السجن (فيلبي 4: 4) ، تأملوا داود الذي طفر يرقص أمام تابوت الرب (2 صموئيل 6: 14،16) من هذا المنطلق، سنطرح في هذا العدد حالة الاحتفال على أنها جزء من الروحانية والوجدانية الصحية الناضجة . فقدرة الإنسان على التسليم وقدرته على التحكم بوعيه بما يملك وبما يفتقد، هي نعمة إلهية تبعث الاتزان في مسيرة حياتنا.