نعيش اليوم تحت وطأة جائحة كورونا التي اخترقت حياتنا وفرضت شروطها وقيدت حركتنا في العمل والمنزل والشارع وأثارت موجة من الرعب جعلتنا نخشى التعامل مع الاخرين ونتوخى الحذر في التعامل مع كل شيء حولنا، وبرزت وظيفة جديدة تمثلت بالتعقيم على المستويات العامة والخاصة فقد أصبحنا نخشى ملامسة أي شيء حولنا وتحلقنا حول شاشات التلفزة لمتابعة مستجدات الفيروس وانهمكنا في البحث على المواقع الالكترونية عن طبيعة الفيروس ووسائل انتشاره. باختصار تأثر الجميع سلبا بالجائحة وجزء قليل تأثر إيجابا بحكم طبيعة عمله.

نحن كأفراد ومجموعات وقعنا في الأسر، نحن أسرى الخوف والقلق، المعتدي هو عدو مشترك يتآمر علينا ولا نعرف ماذا يحمل في جعبته من تداعيات على مستقبلنا. اذن، الجميع في خندق واحد لكن ردود الأفعال والتعامل مع الازمات يتفاوت بين شخص واخر بسبب التنشئة والشخصية وأسلوب التفكير وهذا بدوره يحدد حجم الضرر والية التعامل مع الواقع الجديد. وهنا يأتي دور الاعلام في التوعية والتثقيف والإرشاد من أجل الخروج بأقل الخسائر وهذا ما نسعى الى تحقيقه في مجلتنا التي تستوعب احتياجاتكم وتحاول ترميم الاضرار من خلال الوصول الى قلوبكم ومكنوناتكم النفسية والروحية.

أود مشاركتكم تجربتي الذاتية، بالرغم من كوني مستشارة نفسية، الا انني لم أكن املك الحصانة الكافية، لكنني استطعت اجتياز الازمة والتعامل مع المستجدات استنادا على الوعي الفكري والنفسي الذي ساعدني على التأقلم وبأقل الأضرار النفسية.

كان الحجر المنزلي بالنسبة لي فرصة ذهبية للسكون والاسترخاء في البيت، كانت محطة لاستراحة جسدية وفكرية واجتماعية، ومحطات لأوقات عائلية هادفة ومُركّزة، بحثت عن إيجابيات الحجر استمتعت بفنجان القهوة وبقراءة الكتاب المقدس والصلاة والكتب التي عهدت تأجيل قراءتها. قمت بإعادة تنظيم وتعزيل أغراض لا ضرورة لها اختبأت في الخزائن وزوايا التخزين. أنجزت وحققت ما لم أكن قادرة على إنجازه في ظل أجندة يومية مثقلة بالمهام والمسؤوليات في مرحلة ما قبل كورونا. تذوقت طعما جديدا للحياة اعتدت على النهوض مع ساعات الفجر من أجل مُعاينة شروق الشمس والاستماع الى زقزقة العصافير وحفيف أوراق الشجر والاصغاء الى الطبيعة والهمسات الإلهية والامتنان للرب خالق كل شيء. لم تكن أوقاتي ثقيلة وإلزامية، بل فيها النهوض والتجوال والصمت والدعاء ما بين السرحان والتأمل.

تعمّدت بعدها أن أضبط أولادي المراهقين بساعات نظام تشملها المرونة ولكن أيضاً الانضباط بساعات نوم كافية وترتيب برنامج يومي يتخلله التعليم عن بعد، وأوقات هادفة للعائلة. وكوني معلمة ومرشدة وخادمة، قمت بتنظيم ساعات عملي وخدمتي بما يتناسب مع ساعات أفراد عائلتي. فكانت الفترة الصباحية مُخصّصة لإتمام العمل، كحد أقصى لغاية الساعة الثالثة، وذلك لنُمضي ساعات بعد الظهر بمشاهدة برنامج أو بلعب ألعاب الطاولة ويليها اجتماع للمذبح العائلي (الصلاة).

انتهت أشهر العسل الثلاث بالرغممن عدوانية الفيروس، وبدأت الحياة تعود إلى مجاريها، وما زال الوبأ منتشراً وزاد انتشاره، والأخبار أصبحت تضجّ بإحصائيات جديدة وإعلامنا بالإهمال الاجتماعي وعدم المبالاة. هنا هاجمتني مشاعر متضاربة وعشت صراع بين الخروج من المحمية المنزلية وبين اقتحام المحيط المفتوح مع توخي الحذر. كدت أفقد سلامي ودخلت في صراع داخلي تائهة في طبيعة الحياة الجديدة. احتجت الى أكثر من أسبوعين للتخطيط وبناء التصورات الملائمة للحياة وسط المخاطر، فقررت مُعدّل خروجي وكيف أستمر في أداء عملي دون التعرّض للخطر، أستمر في خدمتي دون كسر للقانون والتشريعات المنشورة، أستمر في الحفاظ على علاقاتي وحياتي الاجتماعية دون تعريض الآخرين للخطر. فكرت بإيجابية وفي إطار التعليمات والارشادات الصحية متّخذة مسارا متوازنا حقق لي السلام والفرح والحضور.

أدرك جيدا حجم الكارثة وطبيعة الصراع، لكنني مؤمنة بأن التثقيف والوعي وقبول السند والدعم اللازم سنستطيع أن نتخطى هذه المحنة بأقل الأضرار النفسية والاجتماعية والروحية رغم الأضرار الاقتصادية والمادية والخسائر التي عانينا منها ونتساءل كيف سنعوّضها.

عزيزتي لطالما رددت عبارة أن 10% من طبيعة حياتناتحكمها الظروف الخارجة عن ارادتنا و90% تحكمها ردود أفعالنا وتفاعلنا معها. نحن غالباً ما نحاول التحكم بما لا نستطيع تغييره فنبدو سلبيين وناقدين ومتذمرين.

اليوم شاركتك قصتي التي قد تختلف عن اختبارك فلا ترتبكي، صفحات هذا العدد تحتوي على جوانب متنوعة من واقعنا وربما تجدين انعكاس صراعك بين سطور المجلة، أنا أشجعك على المشاركة في رحلة التعلم والتنور من خلال قصصنا ومقالاتنا للتحكم بما نستطيع التحكم به… فتذكري أنك تملكين دفة القيادة بصلابة مواقفك ومرونتك وقدرتك على اتخاذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب. من خلال المجلة نحاول نشر الوعي للتحكم بما يمكننا التحكم به لتحسين نوعية حياتنا والامساك بزمام المبادرة نحو حياة أفضل.

لا تنسي أنك غير متروكة وأن إله هذا الكون خالقك يحرسك ويرعاك. هو قال: “أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَسْلُكُهَا. أَنْصَحُكَ. عَيْنِي عَلَيْكَ.” (مز 32: 8(