من الربط الى الحرية ومن الجرح الى الشفاء.

هديل داوود

مُعالجة بالفنون

انطلقي وحلقي ولا تدعي ماضٍ يعوقك، ولا حاضر يقلل من قدراتك وامكانياتك. فالباب متاح امامك لتدخلي وتستمتعي بمستقبل يثبت ان الماضي لن يربطك بعد. 

تدمع عيني فرحا عند وصول المتعالجة لنهاية المسار العلاجي ففي ذلك اعلان لنفسها انها منطلقة الى مرحلة جديدة. فهي تُغلق باباً وتُفتح امامها أبواباً جديدة واسعة لتدخلها برحب. لقد دخلت الصبية الى غرفة العلاج في حالة من الصدمة نتيجة امر ما تعرضت له، أثر على نفسيتها، وعلى تعاملها مع امورها اليومية وجعلها سجينة الموقف والحالة. واستمرت أسيرة لتلك المشكلة التي كانت تربطها أرضًا وتقلل من إمكانياتها وقدرتها على أن تعلن حرية من الماضي وبداية أمر جديد. 

من خلال عملي كمعالجة اشدد كثيرا خلال جلسات العلاج على أهمية تقدير السيرورة والتغييرات الصغيرة قبل الكبيرة الحاصلة في حياة كل متعالج ومتعالجة. حتى نصل الى نهاية مفرحة لا بد ان يكون هناك مسار وسيرورة في العلاج ليست سهلة. بناء ثقة بين المتعالج والمعالجة يتطلب قدرات ومواجهة مواقف من الماضي. تلك المتعالجة التي فقدت ثقتها بأعز من تملك تعود لتثق مجددا انها يمكنها ان تحاول من جديد. نعم قد تدخل تلك الصبية بمشاعر الخوف وعدم الأمان، تتردد بما تبوح به وبما تختار ان تتركه لنفسها، فالطريق ليست سهلة ولكن النهاية حتما مشرقة ان سمحت هي لها بذلك. من المهم جدا ان نعي أهمية تسليط الضوء على المرحلة التي ننوح بها وأيضا على تلك التي نحتفل بها. 

دعيني اشاركك ببعض ما يجول داخل تلك الغرفة، غرفة العلاج التي يكون داخل جدرانها العديد من المشاركات للحظات ومواقف مؤلمة تعيق من تلك الصبية ان تقوم لتتحرك من جديد. 

هناك حالات عديدة من الصعب ان نصدق وجودها لكن هي بعض من الحالات التي ارافقها، طفولة صعبة، وعنف متعمد على مر السنين، تشويه لصورة الابوة وعلاقات مكسورة مع الاهل والأصدقاء، جميعها تترك تأثيرات ورواسب على المُتعالجين مهما حاولوا التغاضي عن تأثيرها وانكار وجودها. إلا أنه لا بد في مرحلة معيّنة أن نعبُر سويّاً في بؤرة الألم، فترتابهم مشاعر الخوف بسبب الأصوات والخبرات التي ترافقهم والتي قد تؤكد فشلهم. لكن ما يُميّز العلاج وكل من يطلبه إعلان المتلقي بحاجته الى المساعدة، وإلى إدراك أن هناك حاجة مُلحّة للتواصل مع أنفسنا لأننا نستحق. 

عندما تشارك المتعالجة حزنها وربما سرا مدفونا في أعماقها، تكون قد اختارت أن ندخل سويا إلى أعماق نفسها. وأيقنت أن هناك اعشاب ضارة في طريقها لا بد ان تقلعها، أو علاقات اعتمادية أو طُفيلية أو تملّكية لا بد من كسرها. 

فأجد أمامي طفلة صغيرة تبحث عمن يربت على كتفها ويطمئن قلبها. جميع تلك المواقف والظروف شوهت من قدرة الصبية على أن ترى جمال وروعة شخصيتها. ولهذا من المهم ان نسلط الضوء على ان مسار الشفاء مهم جدا لتغيير مفاهيمنا ومعتقداتنا عن من نحن، وعن قدراتنا، وامكانياتنا وثقتنا بأنفسنا.

تذكري، فالتغيير الكبير يبدأ بتقدم صغير

أختي العزيزة دعيني اشجعك من مكان ارافق به يوميا متعالجين ومتعالجات من اعمار مختلفة، اراهم في عمق الألم وعدم رؤية النور وسط الظلمة. الا ان اصرارهم ان يمنحوا لنفسهم فرصة للحرية وللشفاء يفتح امامهم أبواب واسعة للتقدم. لا تقبلي اليوم ان تستمري في الصاق جمل عن نفسك وتعريفات تقلل من كيانك وشأنك. ان فشلتِ في علاقة ما هذا لا يعني أنك فاشلة، وإن واجهتِ طفولة صعبة فهذا ليس سبب لتكوني ضحية ماضي لم يكن تحت سيطرتك، وان تم رفضك بالعمل فانت لست بشخص مرفوض. 

أنا لا أعلم ما هي التحديات التي تواجهينها وما هي الأفكار التي لربما قد تبنيتها عن نفسك، والصراعات الذهنية التي قد تراودك الآن عند قراءتك للمقال. لقد كتبت من منطلق إيماني أنك تستحقين حياة أفضل. وان كنت تُعانين من أنماط مؤلمة متكررة في حياتك فأشجعك اليوم ان تراجعي نفسك، لتحاولي فهم جذور المشكلة ومسبباتها. فلا بد من معالجة الامر من جذوره كي لا يستمر في التأثير علينا. 

ربما ترددين بداخلك تساؤلات عن معنى المواجهة وكيف لي ان أتقدم بخطوات جديدة.

اليكِ بعض المفاتيح التي أثق انها يمكنها ان تكون بداية تغيير في حياتك نحو الأفضل:

  1. واجهي ماضييك واعترفي لنفسك ان هناك أمور ينبغي ان تتصالحي معها. 

اعطِ أسماء لتلك الأمور التي بحاجة الى حرية وشفاء. بإعطاء اسم للموقف، يكون هناك ادراك للمشكلة وهدف لحلها. مثال: فقدان الأب في جيل مبكر، يجعلكِ تفقدين مشاعر الأمان وتُعانين باستمرار من مشاعر حزن وألم وقد يؤثّر على تقدمك بشكل يومي. وطلاق الوالدين قد يؤدي إلى مخاوف وتجنّب الزواج. والاعتداء الجنسي في الطفولة يؤدي إلى رفضك لجسدك وصعوبة في تقبلك لنفسك.

  1. حددي لنفسك ما هي المناطق التي تمنعك من ان تتقدمي.

مثال: إذا خُذلتِ من صديق، ستجدين نفسكِ تواجهين تحديات في بناء صداقات جديدة الأمر الذي يؤدي إلى إعاقة تقدّمك.

  1. طلب مساعدة من صديقة، مشيرة او حتى معالجة. هناك بعض الدوائر بحياتنا لا يمكننا تخطيها لوحدنا، فكل منا تحتاج الى شخص يدعمها ويشجعها ويرافقها في رحلتها. فلا تخجلي من طلب المساعدة.
  2. اسمحي لنفسك ان تبكي وتنوحي عند الألم، فتواصلكِ العميق مع مشاعركِ هو طريقكِ للشفاء.
  3. حاولي ان تستبدلي الأفكار المشوهة عن نفسك بأفكار إيجابية. ربما تحتاجين في بعض من المواقف إلى تشجيع من صديقة، شريك أو معالج.
  4. اطلبي من الرب ان يشفي نفسيتك فهو شافي منكسري القلوب ويجبر كسرهم.

دوّني اليوم لنفسك بداية جديدة، ان كان علاج ففي العلاج شفاء وحرية

وان كان في خوض تجارب جديدة فهناك قوة وشجاعة

وان كان في الاستعانة بصديقة فهناك مساندة وتشجيع

أيا كان المسار الذي تختاريه، قومي وحلقي. لأنك تستحقين حياة جديدة.