بقلم أمل قموع جريس

كثيراً ما نعتقد بأن الأمور التي تجعل الناس سعداء هي المال والممتلكات المادية، والذكاء، والتعليم، والعمر، والجاذبية. ولكن في إحصائية قام بها موقع “Joyful days” تبيّن أن أكثر عشر أسباب تجلب السعادة للإنسان هي: العلاقات الزوجية والأسرية، والعمل الهادف، والتفكير الإيجابي، والشكر والامتنان، والقدرة على الصفح، والعطاء، والمعتقدات والإيمان، والحرية الفردية، والصحة الجيدة، وأخيراً مشاهدة التلفاز بالمعقول.

ليس هناك أدنى شك بأن كل هذه الأمور رائعة حين تملأ قلب الإنسان وفكره وتغمره بتوازن تام، ولكن سؤالي هنا هو: “ماذا يحصل لكل هذه العوامل المفرحة في حال اصطدامها مع واقع الحياة اليومي الغير بسيط الذي قد يملأه التعب، والشقاء، والعناء؟”

كتب سليمان الملك قبل أكثر من ثلاث آلاف سنة سفر “الجامعة” وفيه يعرض مشكلة حتمية، وفلسفية، وجودية وشاملة، يواجها البشر باختلافاتهم على مر العصور وهي تجيب على السؤال السابق وتتلخص بسؤال جديد يحمل الإجابة أيضاً وهو: “ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذي يتعبه تحت الشمس؟ هل من شبع بعيدا عن الله؟”

بعد أن قدم الحكيم السؤال السابق بإضافة عبارة “بعيدا عن الله” تركزت الإجابة وتوضحت الصورة وهكذا بدأ يجيب من خلال خبرته وتطرق إلى:

  1. رجل العلم والمعرفة: مدح سليمان الحكمة، “الحكيم عيناه في رأسه أما الجاهل فيسلك فيالظلام” 2: 14 لكن من ينشغل بالعلم والمعرفة بعيدا عن الله يتعب باطلا، لأن “في كثرة الحكمة كثرة الغم والذي يزيد علما يزيد حزنًا” (1: 18). وكما يقول الرسول إن العلم ينفخ والمحبة تبني إذن لنقتن الحكمة والعلم والمعرفة بروح الخضوع والحب لنقتن السيد المسيح “الحكمة” ذاته، لأن العلم في ذاته لا يشبع ولا يأتي بجديد، من يقتنيه بغير حب يقتني حزنًا.
  2. رجل الملذات: يظن الإنسان أنه بالضحك والخمر والمقتنيات يجد سلاما لكن “الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس” (2: 11) إنما بقدر ما يجري الإنسان نحو الملذات يدخل بالأكثر في اليأس “تحولت لكي اجعل قلبي ييأس من كل التعب” (2: 20).
  3. البخيل والمحب للتخزين: يعيش كمن سقط ميتا “إن ولد إنسان مئة وعاش سنين حتى تصير أيام سنيه كثيرة ولم تشبع نفسه من الخير وليس له أيضًا دفن فأقول أن السقط خير منه” 6: 3.
  4. قصير النظر: الذي يهتم بالأفراح المؤقتة يعيش جاهلاً “الذهاب إلى بيت النوح خير من الذهاب إلى بيت الوليمة.. نهاية أمر خير من بدايته” 7: 2، 8.
  5. الرجل المصيري: يرى البعض أن سليمان يتكلم في الإصحاح عن الرجل المصيري الذي يجد كل شيء ويسلك حسب المصير المحتوم فحتى هذا لا يجد راحة. لكن الحديث هنا واضح إنه تأكيد بأن الله صنع كل شيء لأجلنا، فحسناً إن استخدم في وضعه السليم وفي الوقت المناسب لكن ليس شيء من هذا العالم – رغم صلاحه – يشبعنا سوى الارتفاع إلى ما فوق الزمان “جعل الأبدية في قلبهم” (3: 11).
  6. الرجل المادي: الذي يهتم بملذاته دون الآخرين فيعيش في انعزالية، مثل هذا يفقد رجاءه ويشتهي الموت يعيش في كسل لراحة جسمه فيأكل لحمه.
  7. المتعبد بغير ايمان او سجود حقيقي يكثر النذور ولا يحصل على رضى، وعبادته تتحول الى تديّن. الله لا يطلب تديّن بل طالب ساجدين حقيقيين بالروح والحق له يسجدون.

من كل ما ذكر أعلاه نفهم ونتعلم بأن كل الأمور باطلة (ليست ذات معنى) ولا تأتي للشخص بفرح مشرق وواعد إلا إذا كان لله وجود فيها.

إذا ماذا يمكننا أن نفعل لنكون فرحين؟

أولا: هناك أهمية كبيرة لأن نعترف بمشاعرنا الحقيقة في الصعوبات، وأن نكون منتبهين لأفكارنا وسلوكنا في المواقف المشحونة بالمشاعر. كوننا مؤمنين لا يلغي ولا يبطل مشاعرنا السلبية وأيضا لا يضمن لنا بأن نعيش بدون فترات من الكآبة والحزن، ولكن يساعدنا في التقبل وفي التعامل المختلف مع هذه الصعوبات. هناك أمثلة عديدة في الكتاب المقدس لأشخاص عاشوا في حزن وألم، في شقاء وتعب، مثل أيوب فلقد تمنى لو أنه لم يولد (أيوب 11:3). وصلّى داوود أن ينتقل لمكان لا يضطر فيه لأن يواجه الحياة (مزمور 6:55-8). وبعد أن انتصر ايليا على 450 نبي من أنبياء البعل (ملوك الأولى 16:18-46)، هرب للصحراء وسأل الله وطلب من الله أن يأخذ روحه (ملوك الأولى 3:19-5(.

ثانياً: بالتأمل فيما فعله هؤلاء الرجال للتغلب على فترات الكآبة. قال أيوب، إن صلينا وتذكرنا كل البركات، سيرد الله لنا صلاحنا وبهجتنا (مزمور 8:19). وأدرك داوود أيضاً أنه لا بد أن يبارك الرب حتى في أسوء الأوقات (مزمور 5:42). وفي حالة إيليا، سمح الله له بأن يستريح قليلاً ثم أرسل له اليشع ليهتم به (ملوك الأولى 19:19-21). واليوم أيضاً نحتاج أصدقاء ليشاركونا آلامنا وأحزاننا (الجامعة 9:4-12). فحاول مشاركة ما تشعر به مع شخص مسيحي تقدره، وسيدهشك أن تعلم أن ذلك الشخص ربما يكون قد مر بتجارب مثيلة لما تمر به.
ثالثا: التركيز على أنفسنا ومشاكلنا وماضينا لن ينتج فرح روحي فالفرح لا يوجد في الأشياء المادية، أو في العلاج النفسي، ولا في التركيز على ذواتنا. فبمعرفة المسيح نتقابل معه روحياً، وبهذا يصعب علينا أن نمجد أنفسنا ونعتز بحكمتنا وقوتنا وثرائنا وصلاحنا ولكننا بدلاً من هذا نفتخر بقوة وحكمة وصلاح المسيح فقط. فأغمر نفسك بمعرفته الشخصية والهج في ناموسه نهاراً وليلاً. فإن كنا فيه هو يعدنا بأن “يصير فرحنا كاملاً” (يوحنا 1:15-11(

وأخيراً، تذكر أنه من خلال الله وحده وروحه القدوس يمكننا أن نجد السعادة الحقيقية (مزمور 11:51-12 و غلاطية 22:5 و تسالونيكي 6:1). ولا يمكننا أن نفعل أي شيء بدون قوة الله (كورنثوس الثانية 10:12 و4:13). والحقيقة أنه كلما حاولنا أن نجلب السعادة بمحاولاتنا الشخصية، كلما ازدادت تعاستنا. فأستريح في أحضان الرب (متى 28:11-30) واطلب وجهه بالصلاة وقراءة الكتاب المقدس “وليملاكم إله الرجاء كل سرور وسلام في الإيمان لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس” (رومية 13:15(