بقلم هديل داوود

مُعالجة نفسية بالفنون

اعتداء، عنف، استغلال، دمار، استنزاف، اغتصاب، ظلام وموت. تلك هي فقط بعض من الكلمات التي ترافقني خلال جلسات العلاج لأطفال، شباب وشابات مروا باعتداء جنسي.

أختي العزيزة تعالي معي نبحر في هذا المقال لنقترب من صيرورة هذا النوع من العلاج، والى أجواء الحوار حول صدمة الاعتداء والحياة والتعايش بعد الحدث! وحول تساؤلات الأهل والأطفال، فالاعتداء صدمة كبيرة تحمل في طياتها الكثير التداعيات السلبية .كما سأتطرق اليوم إلى الأسئلة التي تدور في أذهان الأمهات خلال الجلسات العلاجية .

فالأم تعيش حالة جدل داخلي عن الظلمة التي اخترقت حياتها ،فهي تبحث عن النور من جديد ، وتتساءل إن كان بمقدورها استعادة نعمة التمتع بالحياة بعد أن تغلغل الألم إلى أعماقها وسرق الفرح والطمأنينة من داخلها وتربع الحزن على عرش حياتها. تتساءل الأم، هل للشمس أن تشرق من جديد على حياتي بعد أن تعرض ابني أو ابنتي لاعتداء جنسي خيّم على بيتي؟ هل لطفلي أو لطفلتي أن يعيشوا طفولتهم مجددا؟ هل لهم أن يروا الخير وسط الألم؟ وماذا عني كأم مسؤولة عن أطفالي، هل أستطيع أن افرح من جديد؟ هل أستطيع أن انفض هذا الغبار، لا بل انتفض من كابوس يطاردني ويطارد عائلتي؟

إنها مواجهة حادة بين كل أم تعرض أحد أطفالها للاعتداء، لكن، من خلال طبيعة عملي كمعالجة للأطفال والشباب والشابات الذين مروا باعتداء جنسي، ومرافقتي لرحلة العلاج مع الأهل لمساعدتهم على تخطي الصدمة وتأهيلهم لاكتساب آليات التعامل مع تداعيات الاعتداء. وأنا كلي ثقة بقدرتهم على الشفاء والانعتاق من دائرة اليأس ، فرغم الألم هناك رجاء ووسط الظروف القاسية هناك فرح.

لا نقلل في العلاج من صدمة الحدث، وتأثيره، وبشاعته، وصعوبته وأي مشاعر تحملها الضحية. على العكس تماما، خلال العلاج نختار أن ننوح وان نبكي على ما سُلب منا، على أي أمر فُقد مني كطفلة، كأم، كشابة. مع ذلك فصيرورة العلاج هي قرار شخصي، اختار أن أقول انأ أريد أن أنتفض وأقوم، ولا أريد أن استمر في حياة النوح على ما أصابني، بل أريد حياة أفضل.

في العلاج يجب أولا أن تقر الضحية بحاجتها للعلاج والمساعدة، فعندما تعترف الضحية بأنها مرت بظروف قاسية ، تكون بذلك تواجه المناطق السوداء في نفسية وجسد الضحية وحينها فقط يستطيع العلاج أن يتقدم إلى الأمام باتجاه بناء جسور الثقة بين المعالج والضحية وهذا بدوره يقدم دفعة قوية للتمسك والاستمرار في العلاج لتخطي الجريمة بحيث يتم الانتقال من مرحلة صدمة الاعتداء إلى مرحلة التعايش. في هذه المرحلة تكسر الضحية جدار الصمت والمشاعر المكبوتة والنوح المدفون الذي اجبرها أن تعيش وسط الأحزان والقيود وحرمها من التطور وتركها أسيرة الصدمة.

لكن هنا لا بد من التركيز على أن العلاج لا يتمحور حول الألم إنما يتم بناء بذور الثقة في أعماق الضحية لتعزز ثقتها بذاتها بعد أن كانت أسيرة لمشاعرها السابقة (الخوف، الغضب، والشعور بالذنب) التي دفعتها للدخول إلى مرحلة الاكتئاب، والشعور بالنقص والعيش داخل مشاعر متناقضة .هنا،يصبح المعالج الإطار الداعم لمساعدتها على التغلب على المشاعر السلبية التي تمر بها الضحية في هذه المرحلة ويجعلها تتصالح مع ذاتها ليتحول غضبها على نفسها إلى غضب على المعتدي ما يؤهلها لإعادة بناء الأولويات في حياتها وهكذا تستطيع ضحية الاعتداء الجنسي التعايش مع الحدث ليكون بالنسبة لها حدث من الحوادث الصعبة التي مرت بها.

أن تتعايش الضحية مع الحدث وأن تتعامل مع الواقع الجديد لا يعني إطلاقاً نسيان الحدث.

أحيانا كثيرة أصف تلك الحالة للأهل بالشكل اللولبي الحلزوني، تكون العائلة متمركزة في مركز الشكل، لا ترى الضوء ولا دفء الشمس، بل حدث الاعتداء يرافقها بحياتها اليومية. ترفض بالفترة الأولى أن ترى بصيص من الأمل للخروج من ظلمة الحدث، لكن مع اختيارها وقبولها بإعطاء فرصة للعلاج، تبدأ بالخروج رويدًا رويدًا، لتبتعد عن الحدث نفسه، لترى أمورا جميلة أخرى تحدث معها. كلما انسحبت من العقد اللولبية ، ترى قصتها جزء من حياتها وليست الحياة بأكملها. التصالح مع الماضي، هو شيء حتمي للشفاء لاستقبال أشعة النور من جديد. إذان، فالشمس تشرق من جديد لتضيء وسط الظلمة، لتقهر خوف الليل بحرارة ودفء الشمس.وتساعد الضحية على تخطي الألم، وصدمة الاعتداء لتتصالح مع الماضي. فكيف لك أن لا تثقي بإلهك ملك الملوك ورب الأرباب، هو يهوه رفا.. الرب شافي؟

أختي العزيزة اسمحي لنفسك أن تختبري محبته ليشفي أعماقك ويخرجك من حزنك، وأشجعك في ظرفك الصعب، أن تلتصقي بمن وضعه الرب في حياتك ليرشدك ويساعدك لتستعيدي ثقتك بنفسك، لتنتفضي من الظلمة ولتتمتعي بالنور ليضيء حياتك من جديد. تذكري فالحدث الذي مررت به يبدو لك اليوم انه كل حياتك، لكن أشجعك أن ترددي لذاتك: “هو جزء من حياتي، وحياتي لن تتمحور فقط حول الحدث نفسه، لي حياة أفضل مع إلهي، لن اترك نفسي بعد اليوم أسيرة في زنزانة النفس المجروحة، بل اختار أن أقوم، وأن أثق من جديد، وأستعين بمن حولي، وأركز نظري على إلهي الذي يحول نوحي إلى رقص لي.”