نطل عليكن ونحن على أعتاب فصل الصيف في عدد جديد يحاكي دورة الحياة الطبيعية في مواسمها المختلفة والمتناقضة لكنها بالرغم من ذلك مترابطة ولا تستمر الحياة بإسقاط أحد فصولها، كذلك هي مسيرة حياتك عزيزتي المرأة فكل خطوة في مسيرتك تؤسس لمرحلة جديدة دون تجاهل المراحل السابقة التي يجب أن تشكل رافعة لفتح آفاق أوسع أمامك.

بالعودة إلى البدايات، أود أن أشارككن تجربتي الذاتية في صراعها وتحدياتها فكوني امرأة وأم ومعلمة ومرشدة وقائدة وبالرغم من سعادتي ونجاحي بما أقوم به، إلا أنني لا زلت أبحث عن التوازن لأستمر في أداء واجباتي المتعددة حيث أنني لم أولد وبجعبتي القدرات والمهارات التي تؤهلني للقيام بكل هذه الأدوار ولم أتوقع يوما أن يكون هذا هو دوري في المجتمع وأن صراعي مع الزمن سيلقي على كاهلي المزيد من الجهد والبحث والتخطيط.

نشأت وتربيت على أحلام تقليدية مرتبطة بالنوع الاجتماعي، فرسمت صورة رومانسية لفارس الأحلام والعائلة والبيت السعيد والأطفال تماما كقصص الفتيات والأميرات بعيدا عن التحديات الحقيقية وغاب عن ذهني الدور الحقيقي للمرأة الفعالة في المجتمع واعتقدت أن الحياة أسهل من ذلك بكثير.

لكن، كل محطة في حياتنا لها ملامحها وخصوصيتها التي تعيد تشكيل وعينا وتؤهلنا  للانتقال إلى مرحلة أكثر عمقا وجدية ، وهذا ما حدث معي بعد التحاقي بالدراسة الجامعية حيث التقيت بنماذج نسائية فريدة بتميزها وقوتها ونجاحها  واحترامها لنفسها ، وهذا بدوره دفعني إلى البدء بالتعرف على ذاتي وبناء شخصية ايجابية قادرة على التطور والنماء ورسم استراتيجيه حياتية تعتمد على الوعي الموضوعي وليس على الصورة النمطية التي تربينا عليها والتي تكبح جماح التطور وتعيق مسيرة المرأة وتتركها فريسة للأحلام البسيطة وللعفوية التي ترعرعنا في كنفها.

في مرحلة التغيير، مررت باختبارات عديدة لكن أصعبها هي قراري بفسخ خطوبتي وتحدي ثقافة المجتمع ونظرته المؤلمة حيث كدت أن أظلم بسبب هذه الخطوة الجريئة وقد تزامن ذلك مع اختباري لمحبة الرب، فاخترت الإيمان منهجا لحياتي واخترت المسيح ربا وسيدا ومخلصا شخصيا لي حيث اتضحت صورة العالم أمامي، فأصبح الإيمان بوصلة حياتي وتعرفت أكثر على نفسي كفتاة.

يجب أن اعترف لكم أن هذا التغيير لم يكن سهلا، فقد تخلله صراع داخلي عنيف بين ما نشأت وتربيت عليه ومع ما يمليه الكتاب عني ومع تشجيع زوجي الذي كان يلاحظ إمكانياتي وقدراتي وكان يحفزني دائما على المضي قدما في طريق الانجاز والنجاح، لكن في أعماقي كانت تدور حرب عنيفة تجعلني لا أتجاوب مع هذا التشجيع بسبب بقايا التربية السلبية التي ترسبت في أعماقي عن صورتي لذاتي، فقد كنت تقليدية بصورتي عن نفسي وغير تقليدية بما آمنت به، واستمر الصراع إلى أن كسرت الصورة النمطية وحررت نفسي من كل ما يمكن أن يحط من شأني كامرأة.

إن أهمية صورة المرأة عن ذاتها ودورها في المجتمع دفعنا لتكريس هذا العدد للقصص والمقالات التي تبرز صراع النساء مع الأدوار التقليدية حيث سنحاول البحث في طبيعة هذا الصراع الذي لا يعني منافسة الرجال، بل على العكس هي أدوار تشاركيه توافقية بعيدة عن النمطية والعجز.

سنبحث عن العائلة السعيدة الناجحة التي تحتويها امرأة وعن النساء اللواتي يصنعن التاريخ وسنحاول إيجاد السبل والأدوات التي تستطيع التوفيق بين الالتزامات الأسرية والأدوار الجديدة دون أن نخرج بآراء محددة وقاطعة بسبب اختلاف الظروف والتحديات من امرأة لأخرى، إنما هي محاولة لطرح الآراء والخبرات لنماذج متنوعة من النساء.

لكن ما نستطيع أن نؤكد عليه بكل ثقة وإيمان أن الكتاب المقدس يكرس قيمة المرأة ومكانتها ويشجعنا على العناية والاهتمام بنموها وتعليمها وتقدمها ورقيها في كافة مجالات الحياة.