كلمة المؤسِّسة

 د. مدلين سهواني سارة

أخصائية تربية ومستشارة نفسية مسيحية

مرت بلادنا خلال السنة الماضية بظروف قاسية جعلت من الأمل شعلة خافتة في ظلام دامس. أزمة حربية اجتاحت بلادنا ولا تزال تعصف بالقلوب وتدمّر الأرواح، حيث شهدنا مآسي لا تُحصى تأثّرنا بها في لحظات من الألم الشديد والفقدان. ومع ذلك، كان لنا أن نرسّخ رسالة رجاء وسط هذا الخراب، رجاء مستمد من إيماننا برب المجد.

لا يزال شعبنا في غزة يعاني تحت وطأة القهر والظلم، في صمتٍ يُخفي معاناته عن أعين العالم. وبينما نعيش نحن هنا، بعيدين عنهم، نشعر بالعجز، ونجد أنفسنا نحاول المواساة بكلمات لا نستطيع أن نصيغها كما يجب أمام ألم لا يمكننا استيعابه. الحرب التي نشهدها لا تدمّر الأبنية والمباني فقط، بل تُطال الأرواح وتترك آثارًا نفسية عميقة لا يمكن محوها، ما يؤدي إلى شعور دائم بالقلق والخوف وعدم الأمان، مما يجعل المأساة تترك بصمة لا تمحى. من هنا، نجد أن التأثيرات النفسية لهذه الحرب ستكون سلبية، وتشمل العديد من الجوانب التي ستستمر طويلاً.

ففي ظل هذه الأوضاع القاسية، يعاني المجتمع بشكل عام من صدمات نفسية وتفكك اجتماعي عميق. فقد تأثر الأفراد بشكل كبير بحالة من العزلة الاجتماعية، نتيجة النزوح وفقدان الأفراد، مما أدى إلى تفكك الأسر وزيادة مشاعر الغربة. يعاني الكثيرون من صعوبة في بناء أو الحفاظ على علاقات صحية في ظل هذه الظروف القاسية. كما أن الأطفال الذين يعيشون في مناطق الحرب يعانون بشكل خاص من اضطرابات سلوكية، وصعوبة في التركيز، بالإضافة إلى تدهور صحتهم النفسية، مما يزيد من معاناتهم. وفي هذه البيئة المحطمة، يشعر الجميع بحالة من القلق المستمر، والخوف من الموت أو فقدان الأحبة، ما يجعل المجتمع يعيش في حالة من عدم الاستقرار الدائم.

ولم يقتصر تأثير الحرب على الأفراد فقط، بل كان لها آثار كبيرة على البنية المجتمعية ككل. فقد تدهورت الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، مما أدى إلى تفاقم الأزمات النفسية. يشعر الكثيرون بالعزلة نتيجة فقدان هذه الخدمات، مما يفاقم من الصعوبات اليومية التي يواجهها الناس. كما أن هذه الأوضاع تؤدي إلى تدهور الصحة الجسدية والنفسية بشكل متزايد، حيث يتسبب الضغط النفسي المستمر في مشكلات صحية مثل ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، واضطرابات النوم.

ومع استمرار هذا العنف والدمار، يتطلب الوضع استجابة عاجلة ومستدامة لضمان التعافي النفسي والجسدي للمجتمع. وبينما نواجه هذا التحدي، نجد أن الرجاء بالله هو ما يساعدنا على الاستمرار. إذ تذكرنا كلمات الله في سفر إشعياء 41: 10 بقوة التعزية التي يقدمها الله لنا في أوقات الشدة: “لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكْ. لاَ تَتَلَفَّتْ لأَنِّي إِلهُكْ. قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي”. هذه الكلمات تذكّرنا بأن الله لا يتركنا في أوقات الشدة، بل هو معنا في كل لحظة من الألم والمعاناة، يقوّينا ويعزّينا. وهذه التعزيات السماوية هي ما تمدنا بالقوة، وذلك من خلال المجالات والعلوم المتاحة لنا اليوم، مثل الطب والصحة النفسية التي تساعدنا على اجتياز أصعب اللحظات.

أما نحن، ففي هذا العدد، نقدم لكم مواضيع متنوعة تخاطب النفس البشرية والروح والجسد، إيمانًا منا بأن الكينونة البشرية تحتاج إلى عمل مشترك يعيننا على تجاوز هذه المحنة، وصناعة مستقبل مشرق قائم على التغيير والنمو الروحي والنفسي. لأننا على يقين أن الله معنا دائمًا، وسوف يُنير طريقنا نحو الشفاء والتعافي.