كلمة العدد الثالث من مجلة آنية بيده

يفترسنا القهر ويقض مضاجعنا القلق في عالم مشحون بالتوتر والتناحر، فقد ارتفعت نسبة حالات الطلاق والتخلي عن الأطفال وانتشرت ظاهرة الانتحار بين فئة الشباب بالإضافة إلى الكوارث البيئية والحروب التي أفرزت آلاما ومعاناة فوق طاقة واحتمال البشر خاصة للذين يعيشون في مناطق النزاع الساخنة.

ويتفاوت حجم هذه التحديات بحكم الموقع الاجتماعي والسياسي والمادي وحتى الجغرافي ، ويشترك معظم الناس في مواجهة الضغوط الحياتية اليومية,  بدءا من شح الموارد المادية والفواتير المتراكمة وتسديد أقساط المدارس والجامعات ودفع ثمن العلاج ومتابعة الالتزامات والمهام اليومية والعناية بالأطفال والمسنين  وتلبية متطلبات العمل خاصة للام العاملة,  وما يتبع ذلك من ضغط نفسي واستنزاف فكري وجسدي والذي يأخذ أبعادا أكثر حدة للذين يعانون من أزمات على الصعيد الشخصي في أجواء عائلية غير مستقرة أو نتيجة أزمات عاطفية, فيتعثر معظم الناس في حين يستطيع البعض الآخر أن يحقق التوازن  بين الالتزامات والاحتياجات الشخصية الأساسية  ويسمو فوق آلامه ويصل إلى أهدافه.

لا شك أنك شعرت أحياناً بالضيق والحزن والوحدة والإحباط، وخدعك بصرك وبصيرتك في الحكم على الآخرين وتصورت أن السعادة تسكن كل البيوت إلا بيتك وأن البحبوحة المادية في متناول الكثيرين وأنت تكدحين ليل نهار بلا جدوى، فسيطر الحزن والإحباط على كيانك ونسيت أنك تقيمي الأمور من منطلقات ذاتية وفق معايير أنت جعلتها وحدة قياس ونسيت أن ليس كل  ما تراه عيوننا وتقيسه معاييرنا صحيحة.

لذلك لا بد من تغيير طريقة تفكيرنا وأساليب تحليلنا وفحص مدى دقة القياسات التي نصدرها!  يقول المزمور ” 5سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي، 6وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ، وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ. 7انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ، …، ” (مزمور 37)،

ليس هناك من لا يمر بأوقات صعبة حتى المسيح يسوع نفسه عايش الضيق إذ مكتوب “7الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ، 8مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ. (عبرانيين5). إن كان رب المجد الرب القدير بجلاله مر بالألم والحزن والضيقات فكم بالحري نحن.

نعلم أن المسيح حينما فقد صديقه العزيز العازر حزن وبكى، ونعلم أنه حينما اقترب ميعاد تسليمه وصلبه أصبحت نفسه حزينة حتى الموت، ونعلم أنه في الليلة التي اسلم فيها عندما كان في جهاد يصلي صار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض. وفي الحقيقة ليس هي صيغة مبالغة ولكنها حقيقة علمية، ظاهرة فريدة من نوعها تحدث عند تعرض الإنسان إلى آلام نفسية شديدة، حيث قد يُسبب الضغط الإغماء أو يزداد الضغط على الغدد العرقية والشعيرات الدموية، وبالتالي تتفجر لتختلط بالعرق. هذا فقط دلالة واضحة لحدة الألم والضغط النفسي الذي مر به رب المجد.

هذا كله يدفعنا لتكريس العدد الثالث  لتمكينكم من مواجهة حالات الضيق وتحدي الأزمات والصدمات على كافة الأصعدة  النفسية والجسدية والروحية والاجتماعية حيث تنبهنا للحاجة إلى سماع أصوات عديدة من أجل  نقل تجارب متنوعة تساعدكم على حل النزاع وتفتح أمامكم أفاقا أوسع تشد أزركم من خلال الغوص في الحديث عن المشاعر العميقة والتعرف على الاحتياجات لعلك تجدين قصتك بين السطور وتتنبهين إلى كيفية معالجة ما فاتك!