حياتنا الزوجية على الهواء مباشرة!

بقلم أمل قموع جريس، مستشارة زوجية ومُرشدة والدية.

ليس قديماً جداً، ومنذ حوالي الثلاثين عاماً، كنتُ أسمع جدتي مع جاراتنا اللواتي كنّ يتمتعن بالحديث على “صباحية” فنجان قهوة “بسِيَر فلان وفلانة”، يُثرثرن وتبتسِمن وتتعاطفَن وثم تبحَثن عن حلول وتضحَكن أحياناً. وبعدها تختتِمن الصباحية بقول “هون حكينا وهون طمينا” بمعنى أنهينا السيرة هنا ولن نُشهر بها بعد، لأنه “عيب”، و “ما بصير”، “واللي جوا البيت جوا”. أذكر أيضاً رائحة فنجان قهوة الصباح التي يُحضّرُها جدي بينما تضع جدتي بعض حبات “المقروطة”، ويبدأُ نهارهم معاً معبوقاً ببعض اللحظات المُشتركة الثمينة.

ليس قديماً جداً، ومنذ حوالي الثلاثين عاماً، امتلأت حياتنا بالأخبار والمعلومات، والمضامين الكثيرة منها المُراقَبة والغير مُراقَبة، ومنها العلمية والشعبية، ومنها المحافِظة ومنها الإباحية، منها الواقعية ومنها الخيالية، والكثير قد دخل محتواها عقولنا ليبلوِر فكراً جديداً ومفاهيم لم تكن موجودة سابقاً.   

ليس قديماً جداً، ومنذ حوالي الثلاثين عاماً، اتسعت جداً حلقاتنا الإجتماعية لتخرج من نطاق العائلة، والجيران والحارة، لتتّصل بشبكات التواصل الإجتماعية، فتُتيح لنا منصة عالمية للتواصل مع الناس ومشاركتهم أفكارنا ومشاعرنا، فنلاحظ أن حياتنا أصبحت “على الهواء مباشرة”.

ما يهمني طرحه في هذا السياق يختص بشكل مُركّز بتأثير شبكات التواصل الاجتماعي على العلاقات الزوجية. كلّنا نعرف من خبراتنا الفردية كيف أحدثت الإنترنت والشبكات الاجتماعية ثورة في طريقة تواصلنا مع بعضنا البعض، إذ نرى تأثيرها المُتقاطِب على العلاقات الزوجية، فيمكن أن نرى الزوجين في حالة من التقارب والتباعد في نفس الوقت! فكما يمكن استخدام الشبكات الاجتماعية لتقوية الروابط بين الأزواج، كذا أيضاً يمكن أن تكون مصدرًا للصراع والتوتر في الزواج بسبب مقارنة حياتنا مع الآخرين والإفراط في تبادل المعلومات الشخصية. فهو عالم افتراضي يهدر فيه كل من الشريكين في عصر “السوشيال ميديا” فرصة التعبير وإبداء المشاعر الطبيعية، وشيئاً فشيئاً يبتعد الأزواج عن بعضهم بعضاً ويصبح كلٌّ منهما جاهلا بمشاعر الآخر وبما يفرحه أو يحزنه، وبالتالي يسود البرود العلاقة الزوجية مع قلّة الحوار مما يجعل هذه العلاقة هشة وقابلة للانتهاء مع أول مشكلة قد تواجهها. 

كنت قد ذكرت في مقال لي بعنوان “هل زواجي آمن ومحمي؟” في عدد سابق من مجلة آنية، أن عالم الانترنت والسوشيال ميديا يُعتبر أحد “الطفيليات” التي تدخل (عن طريق أحد الزوجين أو كلاهما) العلاقة الزوجية. فهي تَعِدُ بالمتعةِ، لكنها تنمو لتستهلك وتستنزف المزيدَ والمزيد من أفكار ووقتِ وأموالِ الزوجين، فتسرق ولاء وقلب الشريك، وفي النهاية تُضعِفُ رباط الزواج.

أرغب بمشاركتكم ببعض اللحظات “الاستبصارية” المُشجعة جداً التي يصل فيها الزوجين الى إدراك وفهم مصدر المشكلة وأسلوب التعامل معها بمساعدة آليتين عمليتين جداً يمكننا تطبيقها في حياتنا اليومية.  

نرى في الرسم التوضيحي “نوعيّة الحياة الزوجية بمرور الزمن” آليتين مهمتين لتقييم وفهم جودة الحياة الزوجية التي نعيشها.

الأولى: نوعية الحياة الزوجية

الثانية: مراحل الحياة الزوجية

لنبدأ معاً بتحديد المرحلة التي نعيشها اليوم من مراحل حياتنا الزوجية. هل زواجكم ما زال في بداياته، مرحلة “شهر العسل” وفيه ما زلتم ترون الشريك\ة كشخص كامل وتشعرون بالحب الذي يتغاضى عن كل سيء؟ أم مضت فترة وبدأتم بفهم معنى الزواج بطريقة مختلفة؟ هل أضفتم أفراداً جديدة للعائلة واكتسبتم أدواركم لتصبحوا آباء وأمهات؟ هل أنتم في دور الوالدية مدّة من الزمن والروتين يسود حياتكم، فنسيتم من أنتم وما هي احتياجاتكم؟ هل خرج أبنائكم لطريقهم التعليمي واكتشاف العالم، أو لربما تأهلوا اجتماعياً، لتجدوا أنفسكم فارغي العش وزوجين مرة أخرى؟ أو لعلكم تدلّلون أحفادكم وتقضون من الوقت ما لم يُتاح لكم أيام أبنائكم؟ أو آلت بكم الأيام لتُعيد أمامكم درباً طويلاً من العمل والذكريات؟

بعد أن قمتم بتحديد المرحلة المعينة في الحياة الزوجية، عليكم أن تتأكدوا من وجود علاقة نوعية تسود وتقود مراحل حياتكم الزوجية. ما هي العلاقة النوعية؟ ماذا تعني؟ وماذا تشمل؟

العلاقة النوعية بين الزوجين تشمل أربع دوائر أو مستويات:

المستوى الأول “علاقة فردية”– مساحة خاصة: يشمل هذا المستوى الدائرة الفردية الشخصية الخاصة للزوج أو الزوجة على انفراد دون وجود الآخر. أهمية هذه الدائرة تنبع من وجوب 

تخصيص وقت للفرد مع ذاته، في هذا الوقت يمكن أن يقوم الشريك بأعمال وهوايات وبالتعلم وتنمية مهارات تخُصه على المستوى الشخصي. 

عندما تُطرح مسألة عدم وجود مساحة خاصة للزوج أو الزوجة في الحيّز الزوجي نسمع عن مشاعر الاختناق، و”النكدية”، والتهميش. فنرى الأزواج تلتصق بالشاشات لتعبر عن جميع هذه المشاعر مع غرباء أو أصدقاء قدامى. فنحصل على طفيليات تُغذي الفجوة بين الأزواج. 

المستوى الثاني “علاقة صداقة”- زوجي صديقي\ زوجتي صديقتي: يشمل هذا المستوى وجود علاقة صداقة بين الزوجين. أهمية هذه الدائرة تنبع من وجوب تخصيص وقت لممارسة نشاطات يقوم بها الأصدقاء عادة، مثل تداول الحديث بعمق، والتفكير المُشترك، والتعبير عن المشاعر العديدة، ومشاركة المواقف المُفرحة أو المحرجة، والتصرف بعفوية وتلقائية دون قيود. 

عندما تُطرح مسألة عدم وجود صداقة بين الزوجين نسمع عن مشاعر عدم الرضا، والملل، والاكتئاب، والوحدة. فنرى الأزواج تلتصق بالشاشات لتُبدد الشعور بالوحدة ولتملأ قلبها بمضامين أخرى بعيدة عن الشريك\ة فنحصل مرة أخرى على طفيليات من نوع جديد لتُغذي الفجوة بين الأزواج.

المستوى الثالث “علاقة ودّية”- زوجي حبيبي\ زوجتي حبيبتي: يشمل هذا المستوى وجود مشاعر الاشتياق والهِيام وتخصيص الوقت للحبيب\ة. أهمية هذه الدائرة تنبع من وجوب التعبير عن المودة والحب المُستمر بإرسال رسائل الاشتياق، والتلميحات، والإيماءات العُذرية، والنظرات، واطراءات العُشاق، والخروج في موعد مع الزوج\ة.

عندما تُطرح مسألة عدم وجود علاقة ودّية بين الزوجين نسمع عن مشاعر مثل الوحدة، ومشاعر الرفض، “لا أحد يفهمني”، والشعور بالهَرَم “هياني ختيرت”. فنرى الأزواج والزوجات مرة أخرى يلتصقون بالشاشات ويملأون حساباتهم بالصور المُجمّلة والوضعيات المُعينة ليتلقّوا تعليقات ومجاملات منها الحقيقي ومنها الوهمي للشعور بال”شبوبية”، والتقدير، والقبول وهكذا طفيليات كثيرة أخرى تتسرب للعلاقات الزوجية لتنهشها وتُضعفها. 

المستوى الرابع “علاقة حميمية خاصة”- زوجي\تي شريكي\تي جسدياً: يشمل هذا المستوى وجود علاقة جسدية حميمية بين الزوجين. أهمية هذه الدائرة تنبع من وجوب تكريس كل واحد من الزوجين ليهب نفسه وجسده للآخر بتفهم وتقبُّل وكثير من الحب والمودة. تعتمد هذه الدائرة بالأساس على التلامس الجسدي، والعناق والقُبلات والعلاقة الخاصة التي تُمارس بالاتفاق. 

عندما تُطرح مسألة عدم وجود علاقة حميمة خاصة بين الزوجين نسمع عن مشاعر الفراغ، والرفض، “أنا ما بنفع”، “وما عندي رغبة للحياة”. فنرى الأزواج والزوجات يلتصقون بالشاشات مرة أخرى بحثاً عن إشباع الغرائز دون المشاعر، وتتأجج قلوبهم بالغيرة، والشعور بالذنب، وبالمقارنة ليُفشلوا زواجهم بأعمال الخيانة ويتعاملون مع أشد أنواع الطفيليات وأشرسها على الزواج.

من مسؤولية كل زوج وزوجة الحفاظ على وجود أربع مستويات من العلاقة النوعية مع الشريك\ الشريكة على مر الزمان في مراحل الحياة الزوجية المختلفة.