بقلم د. مدلين سهواني سارة
أخصائية تربية ومستشارة نفسية مسيحية
تتعدد الفرص وتتنوع ردود أفعالنا وسط المحن والمخاوف والصعوبات. أمامنا دائماً احتمالية الانكسار والسقوط، وامامنا أيضاً فرصة النهوض والنضال والتقدم. بالتأكيد الخيارات والقرارات صعبة وتشتد قوتها بحجم الازمات، خاصة ان كنا قد واجهنا مرض بالعائلة، أو فقدنا أحدهم، أم عانى أحد أقربائنا أو احبائنا من ثكل وفجع. إن الحياة بأكملها تحمل في هذه الأزمنة سمة الفوضى، وسمة الصعوبة، وعدم اليقين. يسود حياتنا الغموض والتناقضات ولا سيما المتغيرات المستمرة وتعرُّضنا لمواقف صادمة أصبحت أكثر ترادفاً. ففي الماضي كانت الحياة أكثر استقراراً في كافة المجالات; كنا نمكث في اعمالنا لعشرات السنين بدون تغيير، نحيا بالحي ذاته مع الجيران لسنوات طويلة، وحتى العلاقات الاجتماعية مع الأقارب والاحباء كانت أكثر ترابطاً وطويلة الامد.
أما اليوم نتخبط داخلياً في اعماقنا ونتخبط خارجياً في علاقاتنا، نُغيّر تخصصاتنا وأماكن عملنا وحتى فكرة استبدال علاقاتنا أصبحت منهجيتنا. فأنا شخصياً أعيش بقاعدة امتلاك القليل، ولا يستهويني المنزل الكبير والاثاث الفخم والملابس الغالية والفاخرة. هذه القاعدة توفر علي أعباء التنظيف والترتيب، فلكل ما أملك مكان لحفظه والا استغنيت عنه. رغم أن العالم حولي عكس هذا المبدأ، ولكنني أؤمن ان بإمكاننا اتباعه بقصدية. للأسف نحن في عصر الغزو التكنولوجي الذي نملك فيه الكثير من الفرص والإمكانيات ولكن القليل من الراحة والصحة والعلاقات السليمة.
نحن نقف على أرجل فخارية في ظل الأجواء السائدة، انها حالة هشة ضعيفة قابلة للانكسار عند اول منعطف، مثلا لو تعرضنا لتجربة قاسية كفقدان عزيز او خسارة مادية كبيرة او صدمة نفسية حادة، كيف نستطيع المواجهة والاستمرار؟ وخاصة أنه ما تميًز المرحلة التي تلي الأزمة هي سيادة عدم اليقين والحزن والألم، وهي مرحلة مربكة جداً.
لذا في عددنا هذا، اخترنا مواضيع وقصص لشخصيات قامت واكملت سعيها رغم الشدائد، وقمن بتطوير الية جديدة في التعامل مع المطبات الحياتية من خلال تغيير منهجية التفكير التي مكّنت هؤلاء النساء من رسم الخارطة لنهوضهن وتخطي الصعاب.
أشار الكتاب المقدس في العهد القديم إلى أم لم تملك سوى ولد واحد وتوفي بضربة شمس بعد أن كان يعمل مع والده بالحقل. حين مات الفتى لم تبدأ بالنواح ولا حتى الشكوى لزوجها، ولم تدفن الولد وتقول انتهت حياته وحياتي، لكنها عزمت على أن تطلب الحل وتسعى وراءه. لذا كتمت خبر الوفاة عن زوجها، وطلبت من سائقها ان يوصلها الى نبي الله اليشع الذي عرفت بقدرته على تحقيق المعجزات. استغرب زوجها من زيارتها الغريبة لنبي الله وحينما سألها زوجها عن سبب الزيارة غير المعتادة قالت له: “سلام”. وعندما وصلت الى نبي الله اليشع سألها عن سبب زيارتها، فقالت له أيضاً “سلام”. هذه الأم لم تيأس ولم تستسلم بالرغم من حجم الألم، انما سعت وراء الحل وساهمت طريقة تفكيرها في انقاذ ابنها الوحيد الذي عاد الى الحياة بفضل معجزة. هذه المرأة نالت مرادها وعاش ابنها من جديد بسبب طريقة تفكيرها وسعيها وراء الحل الذي عرفته حينذاك. والسؤال هنا كيف نحن نتصرف في مواجهة المحن؟ ماذا نفعل؟ هل نكتفي بالحزن ومضغ الألم؟ هل نندب حظنا؟ هل نستسلم للهزيمة؟ هل نعزز مشاعر البؤس والانكسار بداخلنا؟
بحسب رأيي فقد آن الأوان لاستنهاض كافة طاقاتنا واكتشاف قدراتنا الكامنة، انه وقت النهوض لان المحن توقظ العقل ليتعامل ويتفاعل ويحافظ على سيرورة الحياة. فلنبحر معاً في محتوى هذا العدد من مواضيع نفسية واجتماعية وأسرية، على امل ان نكون مرشدات وداعمات لكِ في رحلتكِ الصعبة. ادفعي نفسكِ خارج إطار طاقاتكِ المألوفة واكتشفي معنا كم أنكِ قوية وقادرة.
فَلَمَّا رَآهَا رَجُلُ اللهِ مِنْ بَعِيدٍ قَالَ لِجِيحْزِي غُلاَمِهِ: “هُوَذَا تِلْكَ الشُّونَمِيَّةُ. اُرْكُضِ الآنَ لِلِقَائِهَا وَقُلْ لَهَا: أَسَلاَمٌ لَكِ؟ أَسَلاَمٌ لِزَوْجِكِ؟ أَسَلاَمٌ لِلْوَلَدِ؟” فَقَالَتْ: “سَلاَمٌ”. ملوك الثاني 4: 25
اقرأي القصة كاملة من ملوك الثاني اصحاح 4