الشاشات في عصرنا، هل تبعدنا عن أولادنا؟
كتابة: ميري أبو حنا
اخصائية نفسية تربوية مختصة
طالبة دكتوراه
“ابني يبلغ من العمر عشرة سنوات، يقضي وقتًا طويلًا أمام الهاتف، وعندما أتحدث معه اشعر بأنه في عالم آخر! فهو لا يسمعني! أنا منزعجة من هذا الأمر.. ما هو الحل؟”
تتحدث الأم عن ابنها وتشعر بالحزن حيال ذلك، وكأنها فقدت السيطرة، هل تشعرين أنك كذلك أيضًا كأم؟ هل تواجهين صعوبة في تحديد أوقات أولادك أمام الشاشات؟ في عصرنا اليوم يقضي الأطفال والمراهقين وقتًا طويلًا أمام الشاشات، لكن لحظة…وماذا معنا نحن الكبار؟ كم ساعة نقضي على الشاشة خلال اليوم؟ وهل ذلك بالأمر الصحي؟
بحسب الأبحاث يقضي معظم الأشخاص وقتًا طويلًا نوعًا ما باستخدام الشاشات، حوالي سبع ساعات يومية تقريبًا. كثيرًا ما يتم استخدام كلمة الإدمان على الشاشات وهذه كلمة خاطئة بحسب المفهوم النفسي والتربوي. الإدمان بطبيعته هو أمر يجب الفطام عنه. لكن الشاشات اليوم أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، نستخدمها للعمل كذلك للتواصل مع الآخرين والتسلية. كي يُعرّف استخدام الشاشات كادمان يجب أن يكون تأثير الشاشات كبيرًا ويسبب ضررًا جسيمًا في العلاقات الاجتماعية للطفل أو المراهق وفي الأداء اليومي.
استخدام الأجهزة الذكيّة منذ سن صغير ممكن أن يؤثر على التطور العاطفي السليم للأطفال، والقدرة على بناء العلاقات والتواصل الصحيح مع الآخرين، وحل المشكلات وما شابه. لذلك من المهم أن نحافظ على وقت محدد وأن نعوّد الطفل أن يوقف هو استخدام الهاتف الذكي أو الآيباد بنفسه، بحسب الوقت المتفق عليه وإن لم يقم بالتوقف، يمكنكم أن تأخذوا منه الجهاز وتخبروه بأنه لم ينفذ ما اتفقتم عليه، أو اعطاءه وقتًا اضافيًا أو إيجاد البدائل للشاشات قدر الإمكان.
الأجهزة الذكية في أيامنا هي أيضًا طريقة للهروب مما يحدث حولنا في الكثير من الاحيان أو التوغل في الأحداث الصعبة التي تدور حول العالم، والهروب من أنفسنا، من التفكير فيما يجري لنا فعلًا وبماذا نمر.
في أحد الأبحاث في جامعة أمريكية، طلب من الأشخاص أن يبقوا بغرفة فارغة من دون هاتفهم لمدة محددة، وكان هنالك زر في الغرفة وقد طُلب منهم عدم الضغط عليه لأنه سيتسبب لهم بصعقة كهربائية خفيفة. 66% من الأشخاص ضغطوا على الزر! مع انهم يعرفون النتيجة! في الحقيقة كان من الصعب عليهم البقاء لوحدهم، والتفكير بأمور تخصهم من دون أي أمر يمكنه أن يشتتهم. من الصعب عليهم أن يجلسوا مع أنفسهم لفترة طويلة. الوقت الأقصى الذي استطاعوا أن يقضوه هو 20 دقيقة فقط. هذه التجربة تدل بأننا كأشخاص من الصعب علينا ان نبقى وقتًا طويلًا مع أنفسنا وأن نفكر في حالنا. هذه هي واحدة من أسباب عدة نتعلق بها بهذه الشاشات والأجهزة الذكية، وكذلك أطفالنا نوعًا ما.
استخدام الشاشات يفرز هرمون الدوبامين، المسؤول عن الشعور بالسعادة والدافعية، ولذلك نجد أنفسنا مستمتعين عندما نستخدم الهاتف الذكي. في كل مرة تصلنا رسالة واتساب، بريد الكتروني أو إشعارات، يفرز العقل هذا الهرمون، لذلك من الممكن أنكم تجدون أنفسكم بإنتظار مثل هذه الإشعارات. وهذا ما يحصل مع الأطفال والمراهقين، لذلك من المهم ان يتم أخذ الجهاز عند الحاجة بطريقة تدريجية.
مع كل ذلك من المهم أن نأخذ المسؤولية على سلوكيات أولادنا وبناتنا كأهل من دون أن نرمي بكل الأسباب على التكنولوجية. لذلك يجب أن نضع لهم الحدود المناسبة بحسب أعمارهم.
هنالك عدة سلوكيات تميز استخدامنا للشاشات الذكيّة. تتراوح هذه السلوكيات بين سلوكيات طبيعية وسلوكيات أقرب للإدمان، وهي كالتالي:
- السلوك الذي أتحكم به: سلوكيات نختار نحن أن نستخدم بها الشاشات، مثلًا نشغل أغاني عبر الهاتف في السيارة، نبعث رسالة لتحديد موعد عمل وما شابه. هذه سلوكيات طبيعية وعادية.
- سلوك تلقائي: “عادة متكررة” نفعلها من دون أن نفكر بها وتكون عن طريق مؤثر خارجي. على سبيل المثال عندما ندخل للسيارة نضع الحزام من دون أن نفكر. من ناحية الشاشات، عندما يصلنا إشعار معين نخرج الهاتف بشكل فوري لنرى ماذا وصلنا. هذا ممكن أن يكون بسبب الملل، أو الإحتياج للانشغال عن أمر ما والهروب منه. هذه السلوكيات قد تكون مضرة عندما يكون الجهاز معنا طوال الوقت. في فترة الدراسة مثلًا قد يؤدي ذلك إلى صعوبة في التركيز. هذه السلوكيات قد تكون أصعب في المواقف الاجتماعية التي بها نستخدم الهاتف خلال جلسات عائلية وهذا قد يكون سلوكًا مؤذيًا للأخرين، بحيث تبث لهم الرسالة بأن الهاتف هو الأهم.
- تثبيت سلوكي: أنماط سلوكية سيئة، التي تريد ان تغيرها لكن لا تستطيع ذلك. جزء من هذه السلوكيات ممكن أن يكون خطرًا، مثل أن نبعث الرسائل خلال القيادة. قد تكون هذه عادة قد تشكل خطرًا علينا.
- تطوير تعلق بالأجهزة الذكية: الذي يجعل من الصعب علينا نفسيًا وعمليًا فنحن نتعلق بالجهاز بسبب التطبيقات الموجودة التي تسهل أمورنا اليومية. التعلّق بالأجهزة هو ليس أمر سيء. هل يمكنكم أن تكونوا أسبوعًا كاملًا من دون سيارة مثلًا؟ التعلّق قد يكون سيئًا عندما نستعمل الأجهزة نحن أو أطفالنا لنهرب من الصعوبات العاطفية المختلفة.
- استخدام “قهري” للجهاز: يذكرنا ذلك باضطراب مثل الوسواس القهري الذي تسيطر به أفكار معينة تجعل الشخص يقوم بسلوكيات بشكل متكرر وبشكل قهري. تنفيذ أمور تتعلق بالجهاز بشكل “قهري” وكأنه لا يمكننا التحكم به وهذا السلوك الأقرب للإدمان. الجهاز الذكي والتطبيقات يمكن أن تجعل من الأسهل تطوير هذا النوع من السلوك، مثل استخدام الجهاز بشكل مبالغ به للمشتريات أو لمشاهدة مضامين اباحية بشكل مبالغ به.
الصعوبة هي أن هذه الأجهزة هي جزء من حياتنا. لذلك من المهم أن نراقب أنفسنا واطفالنا وكيف نستخدم الجهاز. هل هنالك أمور يمكن أن تساعدنا على استخدام الأجهزة والشاشات بطريقة ناجعة أكثر مع أقل أضرار؟
إليكم النصائح التالية:
- من المهم أن تركزوا على أنفسكم كأهل، أنتم المثال الأعلى لأولادكم وطريقة استخدامكم للشاشات تعطي أطفالكم المثال لكيفية استخدامهم للشاشات. مع الوقت أعتقد بأنكم طورتم أساليب وأنماط للتعامل مع الشاشات والتي ستكون بالتالي المثال الذي سيحتذي به أولادكم.
- التركيز على قدرات الأطفال الأخرى، ومواهبهم ومساعدتهم لتعبئة وقتهم بأمور غير الشاشات قدر الإمكان. عندما نركز على موضوع الشاشات ويصبح جزءًا من الصراع اليومي مع الأهل، يؤدي ذلك الى أكثر سلبية ومشاعر صعبة وجو متوتر داخل المنزل.
- وضع الجهاز في مكان محدد عندما تعودون إلى المنزل، وذلك سيسمح لكم بالتحكم باستخدام الجهاز وأن تختاروا متى تستخدمه.
- قضاء الوقت مع أولادنا هو أمر مهم جدًا ويجب أن يكون هنالك وقت “نظيف” من الشاشات تقضون به الوقت بفعاليات مشتركة.
- تحديد قوانين مناسبة لكم كعائلة، مثلًا عدم استخدام الهاتف خلال الأكل أو في السيارة، وعدم استخدام الهاتف قبل النوم وما شابه.
- استخدام التطبيقات التي تساعدنا على أن نحافظ على الرقابة لأولادنا.
- إبطال الإشعارات لتطبيقات نشعر أنها تستهلك منّا الكثير من الوقت.
للشاشات الكثير من الإيجابيات والسلبيات، من المهم أن نختار الأفضل لعائلاتنا وما يناسبنا كي نحافظ على علاقات صحيّة وجيدة مع أنفسنا وأولادنا وفي ذات الوقت أن نواكب العصر بالطريقة المناسبة.