بقلم المعلمة رولا رشماوي

لعلنا نعلم بأن ما يواري الضيق هو الفرج وان الدمعة مفتاح الابتسامة ولعلنا نعلم أيضا أن كل ما يقال وما يحدث، مرسوم كجدارية تمر على سلسلة الزمان تروي مشيئة الله لنا. وفي كثير من الأوقات نجد أن الأمور مترابطة لغاية أو لمراد معين، وسنتطرق الآن إلى الصلاة والانتظار.

إن الصلاة والانتظار أمران مترابطان، لا يمكننا أن نصلي للرب لأمر معيّن دون أن ننتظر استجابة. ولا يمكننا انتظار استجابة الرب لصلواتنا دون صلاة، فالرب يستجيب الصلاة حتى وان لم يتحقق الهدف من المرة الأولى.

لقد صلى دانيال للرب في (دانيال 2:10ـ3) ولكن لم يأخذ استجابة لصلاته إلا بعد ثلاثة أسابيع. هل لأن الله لم يسمع صلاته إلا بعد ثلاثة أسابيع؟ كلا، لقد سمع الله صلاته من اليوم الأول ولكنه لم يستجيب إلا بعد ثلاثة أسابيع. لماذا يا ترى؟ لماذا يتمهل الرب في استجابة صلواتنا وطلباتنا؟ الجواب: لكي نتعلم الانتظار! نعم، إنه الانتظار، لأن للانتظار فوائد كبيرة لحياتنا ونمونا مع الله ولعلاقتنا معه، فوقت الانتظار هو وقت التلذذ بالرب، إذ يقول في (المزمور 4:37 ـ7) : “تلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك”. أي أن وقت الانتظار يعلمنا بهجة وفرح الجلوس في محضر الرب. وقت الصلاة وتسليم أنفسنا وطلبتنا بين يديه يعنيان أن نستودع الله كل شيء، وان نكون مؤمنين بأن الله يختار الأفضل لنا دائما.

أما وقت الانتظار، فهو الوقت الذي يزيل فيه الله الشوائب من قلوبنا لكي يجهزنا للاستجابة. عندما شفى الرب يسوع الأعمى، كما ورد في الإصحاح الثامن من إنجيل مرقص، فإنه لم يشفه بوضع يديه عليه مرة واحدة بل مرتين؛ في المرة الأولى أبصر الأعمى ولكن شفاءه لم يكن كاملا فلم يستطع أن يميز بين الأشياء التي يراها، كان محتاجا لأن يضع الرب يديه عليه مرة أخرى حتى يتحرر ويبصر جيدا. انظر أيضا شفاء الرب لأبن قائد المئة، لقد قال الكتاب المقدس عنه في (يوحنا 51:4) : “اخذ يتعافى”. هذه العبارة تدل على انه لم يشفَ في الحال، بل استرد عافيته تدريجيا. فهذان المثالان لا يعنيان أن الرب يسوع غير قادر على الشفاء، ولكن الرب تصرف على هذا النحو ليعلن لنا أن وقت الانتظار الذي نعيشه عند صلاتنا هو وقت للتنقية والتحرّر، وأننا كلما انتظرنا كلما تمتعنا بحرية أكبر. ووقت الانتظار الذي يسبق الاستجابة ليس وقتا ضائعا فهو وقت تقوية وتدريب لأننا نتعلم فيه دروس الإيمان الثمينة.

وقت الانتظار هو أيضا وقت للنضوج، لقد مسح صموئيل النبي داود ملكا، فهل تمتع داود بالمُلك مباشرة؟ كلا، كان عليه أن ينتظر بضع سنوات، لماذا؟ لكي ينضج قبل أن يصبح ملكا، لكي يعده الله ليقود الشعب بالطريقة التي يريدها الله. وهكذا هو وقت الانتظار، لكي ننضج ولنصبح جاهزين لما أعده الله لنا، وقت الانتظار هو وقت الإيمان الحي الفعال الذي يرى الأمور غير المنظورة أنها منظورة.

طلب أليشع من نعمان ملك آرام أن يذهب إلى نهر الأردن ويغتسل سبع مرات لكي يشفى من برصه. لماذا هذا الطلب الغريب من رجل الله اليشع؟ ألا يكتفي من مرة واحدة؟ نعم، انه يكتفي من مرة واحدة، ولكن الله أراد أن يجعل من وقت نزوله لنهر في كل مرة وانتظاره الشفاء، أن يزداد إيمانه ويرتفع فوق المرض والألم لكي يتمجد الله من خلال المرض والألم والشفاء، وأيضا فإن وقت الانتظار هو وقت للمجازاة على الصبر، إذ يقول في (عبرانيين 35:10ـ36) “فلا تطرحوا ثقتكم التي لها مجازاة عظيمة لأنكم تحتاجون إلى الصبر حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد”. أي أننا بالصبر والانتظار ننال الوعود لان لهما مجازاة عظيمة من الرب.

سأتطرق إلى قصة تلخص ترابط المعاني التي ذكرتها؛ عندما كنت في الصف السابع، بدأت الانتفاضة الأولى وبدأت كأي شخص بمثل جيلي بالمشاركة فيها. ولكن حدث ما لم أتوقعه، فقد استشهد أحد الشبان في بيت ساحور أمام عيني، وكنت أنا من الأشخاص الذين حملوه لتخبئته من الجيش كي لا يأخذوا جثمانه. وهنا بدأت رحلة الشقاء، وأقول “رحلة الشقاء” لأن الحزن دخل قلبي وبدأت الظلمة والسواد يستوطنان قلبي، ولم اعرف إلى أين أذهب، لأنني كفتاة في هذا العمر، كان من الصعب على رؤية كيف تخرج الروح من الإنسان. فبدأت اشعر بالغضب من الله؛ كيف يترك شابا صغيرا ليموت هكذا وبكل بساطة؟ وفجأة بدأت أتساءل عن الله واطرح الكثير من الأسئلة عنه، ولكن لم أجد إجابة لا من الأهل ولا من معلّم التربية الدينية في المدرسة. وفي يوم من الأيام اقترحت على إحدى قريباتي أن اذهب معها لحضور اجتماع شبيبة مسيحية تعلم الكتاب المقدس، ووافقت. وهناك بدأت أجد بعض الأجوبة على أسئلتي. وفي أحد الأيام كنا في مقر الشبيبة نصلي لله وندعوه، وفجأة سمعت صوتا في أذني كشخص يدق بطبل وكان الصوت يقول: “ستصبحين معلمة وتجيبين الشبان والشابات عن أسئلتهم عني، الأسئلة التي لم تجدي أنت بنفسك الإجابة عليها”.

وبعدها تخرجت من الثانوية العامة وتزوجت، ثم قررت فجأة أن ادرس في كلية بيت لحم للكتاب المقدس. وفي عام 2000 طلب مني أن أكون معلمة بديلة في مدرسة “طاليتا قومي”، وخلال هذه الفترة رأيت كم كان هناك جوع وعطش لكلمة الرب لدى الشباب المسيحي. وهنا تذكرت الصوت الذي سمعته وأنا أصلي بأنني سأصبح معلمة اعلم الشباب والشابات عن الله وأساعدهم للإجابة عن كل أسئلتهم. ومنذ عام 2000 دخلت مرحلة صلاة للرب كي أصبح معلمة واتمم الرسالة التي ائتمنت عليها. وبدأت رحلة الانتظار والصلاة، واعدّني الرب إعدادا صحيحا، حيث دخلت مرحلة التنقية فنقاني من كل الم الماضي وجروحه، وصرت أرى النور في قلبي الحزين من جديد، وبدأت أتعلم التلذذ بالرب والجلوس بمحضره وقت الصلاة والدعاء والترانيم. وشعرت بالنضوج روحيا ونفسيا وفكريا لكي يعدّني الله لهذه المهمة. وحينها بدأ إيماني يكبر بسمو رسالتي وكنت كلما تقدمت بطلب توظيفي لمدرسة يتم رفضه. فبدا إيماني يزيد وإصراري على أن يتم ما قيل لي من قبل الله عن حياتي بأن أصبح معلمة للتربية المسيحية.

وفي يوم من الأيام أعلنت وزارة التربية والتعليم عن فتح باب التوظيف لمعلمي التربية المسيحية، وقد تقدمت للامتحان مع سبعة غيري، وكان إيماني يزداد مع كل تحدٍ بأن أكون معلمة. وبعد فترة من تقديم الامتحان نشرت الوزارة موعد إعلان أسماء المعلمين المقبولين. وفي الليلة التي سبقت الإعلان، جاء أحد أساتذتي في الكلية وقال لي: “سمعت من أحد الأشخاص في وزارة التربية والتعليم انه سيتم قبولك للوظيفة”. وجاء آخر وقال لي: “فلان تسلّم الوظيفة من قبل ياسر عرفات نفسه”. فكانت التحديات تتوالى وصوت الإحباط من كل جانب، ولكن إيماني كان يرتفع فوق كل هذا. كنت دائما ابدأ الصلاة لله بأن أقول له: “أنت قلت إنك تريدني معلمة، وأنا آمنت بهذا”. وأتى اليوم التالي، يوم إعلان أسماء المعلمين المقبولين للوظيفة. يومها كلل الرب إيماني وانتظاري وصلواتي بان كنت أنا الوحيدة المقبولة لهذه الوظيفة من بين زملائي السبعة الذين تقدموا معي لها.

تلك هي قوة الانتظار والصلاة، أن تعيشي منتظرة تحقيق وعود الرب لكِ وأن لا تُصدّقي الواقع والعيان.