بقلم د. مدلين سارة أخصائية تربية ومستشارة نفسية مسيحية.

 

عندما نذكر المحبة ونتساءل عن كيفية إظهارك محبتك لطفلك، فماذا أقصد؟ ليس أن لدي شكوك في محبتك لطفلك. لكن فكري قليلا قبل أن تستمري في القراءة، كيف تعبرين لطفلك عن محبتك له؟ هل محبتك لطفلك تعني تزويده بما يحتاج إليه من طعام وشراب وملابس ولربما أيضا بالألعاب والدمى. هل محبتك لطفلك تعني لك سد حاجته العاطفية؟ أم محبتك لطفلك تعني كل التضحية التي تقومين بها في سبيل سعادته؟ إن كل هذه الإجابات صحيحة ومن الطبيعي أنك تقومين بهذه الأمور، أليس كذلك؟ إذن ما المشكلة؟ ولماذا يبدو طفلك غير سعيد؟ ولماذا أنت كأم تبدين غير راضية ومقتنعة بما أنجزته نحو طفلك أو أطفالك بشكل عام؟

إن السبب الذي يجدونا إلى أن ندرس هذا الموضوع هو الحاجة في أن نكون أمهات أفضل مما نحن عليه. لذا حاولي في البداية الإجابة عن هذه الأسئلة، على ماذا يدور موضوع الأمومة؟ هل هو توفير الطعام والشراب، كما تدعي بعضنا في تبرير انشغالها عن أطفالها بأنها تريد توفير حاجتهم الجسدية؟ أم هل هو إمداد الطفل بالمحبة كما تدعي بعضنا في نعت التدليل والتساهل والإسراف المادي؟ أم أن ثمة أمورا تتجاوز الحاجات الأساسية من المأكل والمشرب والملبس وحتى الألعاب؟ فالكثير من الأهل يصرفون المال والمجهود في شراء وتوفير الألعاب الباهظة الثمن اعتقادا منهم أن هذا هو الحب الذي يحتاجه أطفالهم. فما رأيك أنت؟

‏ دعيني في البداية أوجه لك سؤالا، لماذا تعتقدين أنك أصبحت أما؟ هل السبب هو كما يعتقد البعض أن هذه هي سنة الحياة؟ ولماذا كونك أما قد تجدين نفسك أحيانا محبطة، ولا سيما بالنسبة لكل ما يتعلق بالأمومة وتربية أطفالك؟  إنني على يقين أنك تحبين طفلك وتريدينه أن يكون الأفضل دائما. إنه شعور سامي فلا تتنازلي عنه ولا ترضي حتى بالأقل.

إن لجميعنا أحلاماً نحو أطفالنا، فإذا سألتك ماذا تحلمين لمستقبل طفلك؟ نريد أن يكون ذا أخلاق عالية وأن يكون مطيعا، وأن يحقق نجاحا مرموقا في المدرسة، وأن يكون بوضع ثناء الناس عليه والإشادة به، وأن يحب الرب وأن يطيعه ويخدمه و. و. واللائحة قد تطول وتطول وباختصار نريد أن يكون أطفالنا مثاليين. ‏حسن جدا أن تحلمي بكل هذه الأمور لطفلك، وحسن أيضا أن تتطلعي نحو المستقبل، وهو مستقبل أكثر إشراقا من حاضرنا، حسب رأي. وان هذا التوقع سيتحقق، إذ هناك الرجاء والإرادة والمقدرة وهي موجودة في شخص واحد ربنا يسوع المسيح ابن الله الذي أحبه وأقامه من الموت ورفعه، وهو نفس الابن الذي أصبح لنا مثالا نحتذي به. كما وأصبح أعظم رجل على وجه الأرض وأشهر شخصية في التاريخ كله، وبه يمكن لطفلنا أيضا أن يكون مميز. ولكن كيف لهذه الحقيقة أن تساعد في أن يكون طفلك مميزا؟

‏هذا هو السؤال الرئيسي الذي نريد أن نجيب عنه. ما الذي يمكن أن يدفع طفل أن يكون مميز؟ والإجابة بسيطة جدا، والدان مميزان. وما أعنيه أن طفلك يحتاج أن يرى وأن يلمس أن حياة والداه مختلفة، يعيشون وفق معايير وقيم تختلف عن سائر الناس. في الحياة المسيحية تغيير مستمر في حياة نضج الفرد وإيمانه. غير أنك ما زلت تحتاجين إلى بذل جهدا فريدا في هذا السبيل. والآن أيضا لديك دافع أقوى وأكثر من حافز واحد وهو طفلك. فهو بحاجة لأن يرى في حياتك اليومية من حيث عاداتك واتجاهاتك وأحاديثك وسلوكك وردود فعلك شيء مختلف ومميز، شيء جميل يختار أن يقتدي فيه، لأن الأطفال مقلدون للكبار وهم حكماء جدا ولهم إرادتهم. فتأكدي أنك تسلكين بحسب أقوالك، فلا تتوقعي منه ألا يصرخ عندما تقومين أنت بالصراخ. فالتزامك أنت أولا بالقوانين التي تتوقعينها منه تزيد ثقة طفلك بك ويجعلك مرجعية صلبة يثق بها ويحترمها. لذا على القوانين أن تكون منتقدة ومختارة بحذر وبحسب أيضا كلمة الله.

إن الأطفال مقلدون صغار وحين يكبرون سيتمثلون بمن تعايشوا معهم لأنهم يلاحظونك يوميا. ويمكنك أن تلحظي ذلك منذ ولادتهم ويقول أخصائي نفسي يدعى جيمس واطسون إن الأطفال حين يولدون يكونون مثل صفحة بيضاء، وبإمكانك أن تكتبين فيها ما تشائين. وأنا أؤيد أنها طبعا جزءا من الحقيقة، فقد ذكرنا سابقا أن الأولاد يولدون بسمات وأمزجة خاصة، إلا أن لديهم القدرة على أن يتعلموا أنماط سلوكنا وأحاديثنا. فالطفل المولود جديد لديه قدرات على الإدراك والاستيعاب. فهم يسمعون ما نقول ويرون ما نفعل، إذ أن الأبحاث الحديثة تنفي الفكرة السائدة في مجتمعنا منذ الستينات التي تدعي أن المولود الجديد لا يفهم ولا يدرك ما يحصل حوله وأن حواسه محدودة. لذا لا نستطيع أن نخفي عنهم اتجاهاتنا وتناقضاتنا الذاتية ظنا منا أنهم لا يرونها داخلنا.
فاسألي نفسك هذه الأسئلة المهمة: هل يرى أطفالنا إيماننا بوضوح من خلال أعمالنا وسلوكنا؟ وهل إيماننا عميق بحيث يؤثر في أطفالنا؟ هل نستطيع أن نطلب منهم اعتمادا على هذا الإيمان أن يتبعوا مثالنا كما نتبع يسوع المسيح. فيقول القدير بولس في الرسالة الأولى إلى كورنثوس 11‏: 1 ‏ ” كونوا متمثلين بي كما أنا أيضا بالمسيح “. اسألي نفسك حول هذه القضية وكوني مستعدة للتغيير وإلا فلا تتوقعي من أطفالك أن يتغيروا. وقد تدعي أنك تقرئين كل يوم الكتاب المقدس وأنك تصلين وتعلميهم الصلاة. اسمحي لي أن أرشدك، أن هذه الحقيقة غير كافية، فهم يراقبون اتجاهاتك اليومية وكيفية تعاملك مع الناس وأساليبك في حل المشاكل. وهم يراقبون كل تحركاتك وطباعك، ويشاهدونك كيف تحبين الآخرين أو لا تحبين الآخرين، كيف تتحلين بالصبر والروح الطيبة أو كيف أنت عصبية وقصيرة الروح وسريعة الغضب. يستمعون إلى كلامك اللطيف عن الناس أو انتقاداتك وغيمتك على الناس. وأنت تعتقدين أن أطفالك لا يهتمون ولا ينتبهون لكل هذه الأمور. وأنت خاطئة جدا جدا.

 

من كتاب الأمومة مسؤولية وليس فقط دور