بقلم غريس الزغبي

تأخذنا أحيانا بعض القصص بغرابتها في الكتاب المقدس، ولكن هدف الله من كل كلمة في كتابه المقدس هي تشجيعنا وبنياننا وتقريبنا من شخصه. يسجل لنا الإصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين قصة من هذا القبيل قد تفاجئ القارئ للوهلة الأولى، وهي قصة امرأة وجدت نفسها في وضع لا تحسد عليه من قبل أسرتها وأسرة حميها والمجتمع.

حدثت هذه القصة في وقت كان الإسرائيليين يتزوجون به من شعوب أخرى، إذ كانوا يقطنون بجوارهم قبل سكناهم في أرض الميعاد. تزوج يهوذا، أحد أبناء يعقوب الاثني عشر، بامرأة كنعانية أنجبت له ثلاثة بنين. توفي زوج ثامار وهو الابن الأكبر ليهوذا لأنه كان شريرا في عيني الرب، وعندما تزوّج بها أخ زوجها لم يرد أن يقم نسلاً منها لأخيه لربما لأنه كان سيكون مسئولا عن ابن ليس له، فأماته الرب أيضاً، وحدث أن الأخ الثالث لم يكن قد بلغ سن الزواج بعد، فما كان من حميها يهوذا إلا أن يرسلها إلى بيت أبيها أرملة حتى يكبر ابنه، ولكن الحقيقة أنه خشي أن يموت ابنه الأصغر كأخويه.

لا يتكلّم الكتاب المقدس عن هذه الفترة من حياة ثامار، ولا عن مشاعرها وهي في بيت أبيها، ولكن لا بدّ أنها شعرت بالنبذ من المجتمع، وبالوحدة من غير زوج، وبالشقاء من غير ابن أو ابنة. وهكذا كانت وكأنها “مرتبطة” في بيت أبيها وبالتالي غير حرّة بأن ترتبط برجل آخر. لم تُعطَ حرية في اتخاذ قراراتها بل أصبحت ضحية القرار الذي اتخذه حماها بدلا منها، فلا نتفاجأ أنها تحرّكت لتخرج من المأزق الذي كانت فيه مع أوّل فرصة لها.

مرّت الأيام وطال الزمان، وتوفيت امرأة يهوذا فصعد مع صاحبه إلى منطقة تدعى تمنة، وعندما علمت كنّته ثامار أن حماها في تلك المنطقة احتالت عليه بأن خلعت ثياب ترمّلها وتغطت ببرقع، إذ رأت أن الابن الثالث  شيلة قد كبر وهي لم تعطَ له زوجة. وحدث عندما رآها حماها ولم يعلم أنها كنته، اعتقد أنها زانية على الطريق، فأشار عليها أن يقيم علاقة معها، فوافقت شرط أن يعطيها رهنا، فطلبت خاتمه وعصابته وعصاه. فحبلت منه. حبلت ثامار من حماها، ولعلّها لم تكسب منه خاتمه وعصابته وعصاه فقط بل توأماً أيضا في أحشائها.

فلّما أرسل يهوذا ليأخذ الرهن منها، لم يجد الزانية (وفق ما اعتقد هو) في مكانها. وكان بعد ثلاثة أشهر أن يهوذا سمع أن كنته قد زنت وأنها حبلى من الزنا، فأشار بحرقها. ولكن ثامار أعلمت حميها أنها حبلى من الرجل الذي له الخاتم والعصابة والعصا. فقال يهوذا: “هي أبر مني”، إذ علم أنه تعمّد ألا يعطها لابنه شيلة. فولدت ثامار فارص وزارح.

تفاجئنا هذه القصة بالطريقة التي تحدث فيها هذه التفاصيل. ما الذي قد يدفع امرأة أن تتصرف بهذه الطريقة؟ ما الذي يقودها أن تزني مع حميها؟ لا بد أن ثامار شعرت بوصمة العار التي قد تلحق بالمرأة التي لم تتمكّن من الإنجاب- وهنا لم يكن الأمر خيارها- ولكن رغبتها في الأمومة قادتها أن تحتال بتلك الطريقة عينها، ولكن بالأكثر بالظلم الذي لحق بها من يهوذا، فهو لم يعاملها باستقامة ولم يعطها حقّها كما وجب بأن يزوّجها من ابنه الثالث.

أما بالنسبة ليهوذا نفسه، يبدأ النص في الإصحاح الثامن والثلاثين بإخبارنا أن زوج ثامار-ابن يهوذا- كان شريراً في عيني الرب، ولعلنا نرى في ذلك صورة لأبيه الذي أبى أن يعطى الابن الثالث لثامار. لم يكن تصرُفاً مستقيماً، بل ونرى أنه بعد وفاة زوجته اختار أن يزني مع أوّل امرأة تغطّت ببرقع في ناحية الطريق.

وإن كانت هذه القصة تفاجئنا في مستواها الأخلاقي، -مع العلم أن الناموس لم يكن قد شرع بعد- إلا أنها ليست بمفاجأة لنا أن اسم ثامار يذكر فيما بعد في العهد الجديد كواحدة من النساء التي جاء منها نسل المخلّص (متى 1: 3). هذه نعمة الله الغنية، هذه نعمة الله المخلّصة، حتى في خضم ما قد يبدو خارجا عن قوانين الطبيعة، لا يتردد الله في أن يأخذ حطام وركام أي أمر ويصنع منه أمرا جميلاُ وأمرا مخلّصا. وإن كانت ما فعلته ثامار وما فعله يهوذا أموراً لا ينبغي الاحتذاء بها إلا أن الكثير من هذه القصص تتكرر بشكل أو بآخر في مجتمعنا، فقد يعيرك المجتمع لعدم قدرتك أن تكوني أمّاً، أو قد تصادفين في حياتك شخصية مثل يهوذا يأبى أن يعطيك حقّك بأكمله، ولكن يجب أن نبقي نصب أعيننا أن مقياسنا وكمالنا في شخص الرب يسوع المسيح، وأنه علينا كنساء ورجال على حد سواء أن نحتذي به وهكذا نستطيع أن نختار الأفضل في  قراراتنا وأن نكرمه في كل طرقنا.