صوت رجل

المرأة والكنيسة رفيقتان لا تنفصلان

 

قصّة حبّ لا تنتهي تجمع بين المرأة والكنيسة، فالمرأة والكنيسة رفيقتان لا تنفصلان. والكنيسة منذ نشأتها أعطت ولا تزال تعطي المرأة دورًا رئيسًا في بنائها ونموها حتّى يومنا هذا. وتعتبرها من الأعمدة المركزيّة الهامّة والّتي استخدمها الربّ يسوع في بناء كنيسته.

الكتاب المقدّس أشاد بدور المرأة في خدمة الربّ وبناء كنيسته في أكثر من موضع؛ “كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ” (إنجيل لوقا 8: 3). و”هؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ، مَعَ النِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ، وَمَعَ إِخْوَتِهِ” (أعمال الرسل 1: 14). وبولس الرسول استعان بامرأة في نسخ وإرسال أهمّ الرسائل الّتي كتبها إلى أهل مدينة رومية في آخر رسالته التبشيريّة الثالثة، من كورنثوس في بيت غايس وأُرْسِلَت ونُسخت على يد فيبى الخادمة أو شماسة الكنيسة الّتي في كنخريا التابعة لكورنثوس (رو1:16).

وأستعين فيما جاء على لسان صاحب السفر في عبرانيين (32:11)، “لأنّه يُعوزُني الوقتُ إن أخبرتُ عن… مريم أمّ الربّ، وعن إيمان المرأة نازفة الدم، والمرأة الفينيقيّة ذات الإيمان العميق، لوئيس وافنيكي صاحبتا الإيمان عديم الرياء (2اي 1: 5)، وطبيثا ذات الشهادة الحسنة، وليدية بائعة الأرجوان، وبريسكيلا، ومريم أمّ يوحنّا الملقّب مرقس الّتي فتحت بيتها لاجتماع الصلاة، وجُوليا (رو15:16) وأفودية وسنتيخي اللّتين جاهدتا مع بولس في الإنجيل (في 4: 3) … أليس جميعهنّ أعمدة في كنيسة الربّ، نقتدي بإيمانهنّ وبأعمالهنّ؟

بالرغم من تهميش الكنيسة لدورالمرأة على مدى العصور، فإنّ المرأة استمرّت في علاقة الحبّ غير المنفصل بينها وبين الكنيسة. ولم تتوانَ في خدمتها وخدمة سيّد الكنيسة الربّ يسوع المسيح. وكان لها دوركبير في تاريخ الكنيسة، ففي القرون المسيحيّة الأولى العديد من النساء رُسمن قدّيسات، نساء استشهدن وذهبن ضحيّة الاضطهاد الّذي لحق بالمسيحيين في ظلّ الإمبراطوريّة الرومانيّة، مثل أغنيس من روما، وسانت سيسيليا، وأجاثا من صقليّة وبلنديا. وفيليستي، ولغاية اليوم لا تزال المرأة الرفيقة المقرّبة للكنيسة، وذلك ليس فقط لأنّ الإحصائيّات تؤكّد أنّ المرأة هي الجنس الغالب في الكنيسة من ناحية العدد، بل أيضًا من خلال عطائها منذ بداية خدمة الربّ يسوع المسيح هنا في الجليل، كما ذكرت سابقًا في إنجيل لوقا (8: 3) حتّى يومنا هذا.

المرأة في الكنيسة “نقطة انطلاق وتحوّل”

من خلال خدمتنا في منطقة الجليل التي استخدمَنا الربُّ فيها لمجده في إنشاء ثلاث كنائس هناك، وليس صدفة ًأنّ نقطة الانطلاق والبداية في الخدمات الثلاث كانت من خلال أخوات مباركات، الأولى كانت في مدينة عكا، وكانت أوّل خدمة لنا في البلاد. التقينا في مجموعة نساء تقيّات، أستطيع أن أقول “بقيّة متبقيّة”، أمينات على ما وضعه الربّ على قلوبهنّ، ومن خلالهنّ انطلقت الكنيسة هناك في بداية جديدة.

الثانية كانت في قرية الرامة، فَشُعلة انطلاقة الكنيسة كانت من خلال نواة صلاة لزوجتي العزيزة وأخت مباركة، اجتمعتا معًا للصلاة من أجل القرية وبعض المؤمنين المشتتين الّذين أنهكهم إبليس من خلال صراعات في اجتماع آخر. ومع مرورالوقت اتسع نطاق اجتماع الصلاة ليشمل المزيد من النساء. وأمرالربّ بالبركة، وانطلقت نواة الكنيسة الانجيلية في القرية لمجد المسيح.

قبل أن انتقل إلى الخدمة الثالثة، أريد أن أذكر حدثا أدّى إلى نقطة تحوّل لديّ تجاه دور المرأة في الكنيسة. فخلال خدمتنا في قرية الرامة زارتنا أخت من سويسرا، وكانت “خادمة” أو”قسيسة”، وكنت أرفض كليًّا أن أدعوها “قسيسة” من منطلق مبدأ لاهوتيّ، وقد طلبَتْ مني أن أسمح لها بأن تعظ في الكنيسة، وطبعا كقس شرقيّ، وكمجتمع محافظ، وخوفا من “تعثّر” الكنيسة، رفضت طلبها، ولكنّي سمحتُ لها أن تشاركنا بشهادة ومشاركة قصيرة. وبكلّ طاعة ومحبّة وجدتها تحترم موقفي، وتقول لي بصوت خافت “إن كان الله قد تكلّم من خلال حمار!  ألا يستطيع أن يتكلّم من خلال المرأة؟” وقصدَت بقولها قصّة توبيخ الربّ لبلعام في سفر العدد (22)، وما قاله لنا الرسول بطرس في الرسالة الثانية (2: 16) “ولكنّهُ حصلَ على توبيخِ تعدّيه، إذ مَنعَ حماقةَ النبيّ حمارٌ أعجمُ ناطقًا بصوتِ إنسان” نعم، إنّها كلمات مؤثّرة وموبّخة، منحتني نظرة جديدة لخدمة المرأة واستخدامها من قبل الله.

 “ليديّة ترشيحا” تجربة جديدة وقويّة:

زار بولس الرسول فيلبّي في رحلته الكرازيّة الثانية (أع 16: 11-40)، حيث أسّس القديس بولس في فيلبّي أوّل كنيسة في أوربا. عند وصوله إلى فيلبّي ذهب ومعه سيلا ولوقا وتيموثاوس إلى ضواحي المدينة عند شاطئ نهر “الجنجتس” حيث اعتاد اليهود أن يصلّوا هناك يوم السبت. وفي هذا الاجتماع تحدث الرسل إلى النساء عن الخلاص. سمعت إحدى النساء تدعى ليديّة، يهوديّة غنيّة بائعة أرجوان، شهادة الرسل. آمنت واعتمدت هي وأهل بيتها. وألزمت بولس ورفاقه أن يمكثوا في بيتها. وأصبحت ليديّة  المسيحيّة الأولى في أوروبا، وفيلبّي هي أوّل مدينة في قارة أوروبا تؤمن في المسيحية (أع 16: 12، 15، 40).
خلال خدمتي في عكا والرامة، كان واضح دور الأخوات في إنشاء كنيسة الربّ هناك، وإذ بالربّ يفتح أمامي أبواب خدمة جديدة في شمال الأراضي المقدسة، اذ تعرفت على أخت تسكن قرية ترشيحا في الجليل، والتي اختبرَت الخلاص خلال زيارتها لأميركا، وحال عودتها للبلاد أخذت تبحث عن خدمة قريبة من مكان سكناها، رتبّ لها الربّ أن تتعرّف على خدماتُنا، وبعد فترة وجيزة قامت بدعوتنا إلى بيتها  للقيام بأوّل أمسيّة إنجيليّة  في قرية ترشيحا. لبيّتُ أنا وزوجتي هذه الدعوة بفرح وحماس، خاصة أنّ الربّ كان قد وضع على قلبنا منطقة الجليل الأعلى التي لم يكن فيها خدمات انجيلية، فمنذ عودتنا إلى البلاد سنة 1994، بدئنا في رؤية ما تّسمى “نور في الجليل” “Light in Galilee”. وكانت المفاجأة، أربع أخوات ينتظرنا بشوق لسماع كلمة الإنجيل، وهكذا انطلقت الخدمة الانجيلية الجديدة مع أربع أخوات، أنا وزوجتي في جولة بإنجيل يوحنا، ومعًا شكلّنا نواة لانطلاق كنيسة جديدة حيت تمجّد الربّ في ترشيحا.

نعم، لقد عظّم الربّ العمل من خلال النساء. وكما حرّك الروح القدس قلب النساء في إنجيل لوقا (8: 3) “كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ”، ما زال الربّ يعمل لغاية هذا اليوم من خلال المرأة.

في النهاية يذكر لنا بولس الرسول عن أهمية كل شخص في كنيسة الرب، فكل عضو في جسد الرب مهم، وله دور ورسالة وهدف وخدمة، اذ لا فرق بين شخص وشخص وكما جاء في رسالة غلاطية (3: 26-29) “لأنّكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأنّ كلّكم الّذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح: ليس يهوديّ ولا يونانيّ. ليس عبد ولا حرّ. ليس ذكر وأنثى، لأنّكم جميعًا واحد في المسيح يسوع.  فإن كنتم للمسيح، فأنتم إذا نسل إبراهيم، وحسب الموعد ورثة.”