كلمة المؤسِسة من العدد الخامس من مجلة آنية بيده
نساء رائدات ومكافحات تخلين عن حياة الرفاهية والقشور التي لا ترفع من قدرهن ونذرن أنفسهن لخدمة المجتمع من خلال الكنائس والمؤسسات، هؤلاء النسوة تواصلت معهن من خلال احتكاكي بالثقافات الأخرى ولشدة تقديري وإعجابي بهذه النماذج تطلعت إلى البحث عن نماذج شبيهة بل قادني طموحي إلى تعميم ثقافة الخدمة والتطوع مع ما تحمله هذه الثقافة من مردود ايجابي من الناحيتين المادية والأخلاقية، مع العلم أن المرأة الفلسطينية تميزت بقدرتها على الصمود والتحدي والعطاء في ظل أقسى الظروف، إلا أنني ارتأيت تخصيص هذا العدد لتحفيز وتوجيه وتفعيل ثقافة التطوع لدى كافة الشرائح النسائية في المجتمع الفلسطيني.
للعمل التطوعي والخدمة أثر قوي في صقل وبناء الشخصية والمساهمة في اكتشاف المكنونات الداخلية والمكونات والقدرات الشخصية للفرد بحيث تقدم الخدمة المفتاح الحقيقي لجوهر حياتنا والتي تفجر إمكانياتكِ وتجعلكِ تخدمين بشوق وشغف خاصة إن كنتِ من الملتزمين في الحياة المسيحية فالخدمة عنصر أساسي للاستمرار بالنمو والنضج المسيحي وهنا أقتبس المقولة الشهيرة “إن الشخص الذي يأخذ ولا يعطي فهو كالبحر الميت الذي ليس فيه حياة ولا يمنح الحياة”.
لا بد لكِ في مرحلة معينة من الانخراط في هذه التجربة لتكتشفي أبعاد ذاتك العميقة ولتختبري قدرتك على العطاء واستثمار أوقات الفراغ في تنمية المجتمع ، فالمجتمع يزهو ويزدهر وينمو بنموك فالعمل التطوعي أو الخدمة الروحية توجه طاقاتك للمنفعة العامة وتذكري أن الله ميزك ومنحك قدرات ومواهب لتخدمي بها الآخرين، وأن لكِ هدف في الحياة، والخدمة ستساعدك فعلاً في اكتشافها. يقول الكتاب المقدس في أفسس الإصحاح الثاني : ” 10لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا.” وبالتالي إن كنت تنظرين للأمر روحياً أو عملياً سيكون لعملكِ التطوعي ثمر وتأثير لشعبكِ في بلدكِ فلسطين.
يحمل العمل التطوعي في طياته العديد من التأثيرات الايجابية على الإنسان، فالتطوع يسمو على المصالح الضيقة ويؤسس لقيم أكثر شمولا بعيدا عن النزعات الأنانية والصراعات القائمة على إلغاء الآخر بالإضافة لقدرة العمل التطوعي على تغيير نظرتكِ لنفسكِ وللآخرين، ويخلق الدافعية والثقة، فهو يعيد تشكيل شخصيتكِ وروحكِ ويُفعّل قدرتكِ على البذل والعطاء بفرح ودون تذمر. كما أنكِ تكتسبين خبرات وتتعلمين مهارات وتتفتح أمامكِ آفاقاً أوسع للمعرفة وتنمية مهارات التواصل والتعرف على شخصيات مميزة اجتماعيا و سياسيا وروحيا. عدا عن المشاركة في مشاريع بنّاءة على أرض الوطن، وتتيح الفرصة للانفتاح على العالم والتعامل مع ثقافات أخرى واختبار معاناة الشعوب الرازحة تحت نير الظلم والقهر وهذا بدوره يبعدكِ عن محورية التفكير بالذات ويدفعكِ لتلمس معاناة الآخرين.
إن انشغالكِ بالمفيد واستثمار طاقتك في العمل التطوعي والخدمة الروحية يكشف النقاب عن مواهبكِ ويصقلها ويزين حياتكِ بالحكمة والمحبة والرضا والنضوج، لأنكِ ستخوضين مشاريع تنموية وخيرية وإغاثة وروحية، ومن هنا برزت الحاجة الملحة لتشكيل وعي جديد يرفعكِ ويرفع إخوتكِ في الإنسانية.