من كتاب الأمومة مسئولية وليست فقط دور.

بقلم د. مدلين سارة أخصائية تربية ومستشارة نفسية مسيحية.

في عددنا السابق، قُمنا بفحص دلالة المحبة أي مشيرات المحبة. وذلك من خلال الأسئلة حيث استكشفت الأساليب التي ترغبين في أن يُعبر بها الآخرون عن محبتهم لك. كما قد تفحصت الطرق التي تعبرين بها عن محبتك لطفلك.

فإن أحد أهدافي من الأسئلة الموجودة في نهاية العدد السابق أن أظهر حقيقة واقعية، أن أبين لك واقعا لم تدركيه من قبل. أن طفلك لا يشعر بأنك تحبينه، فهو غير متأكد من محبتك له. شخصياً لا أشك في محبتك، غير أن طفلك غير واثق بها لأنك لم تعبرين له بالأفعال أي بالطريقة التي هو يحتاجها. إذا ما الذي يحتاجه طفلك؟ تماماً كما جاء في رسالة يوحنا الأولى 3: 18 ” يا أولادي لا تحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق” فالمحبة إذن بالعمل والحق، عندما تتحدث عن محبتك لطفلك.

في البداية علينا أن ندرك أننا نعيش في مجتمع عربي تقليدي. الذي يمارس فيه مبدأ السلطة (15) أي أن الوالدين هم في مركز السلطة وعلى الطفل أن يرضخ. ولهذا النمط السلطوي أثراً في نفي إمكانية مصادقة الوالدين للطفل وإرضائه بأسلوب الحوار والمناقشة. والذي بدورة يبعد فكرة أساسية وهي بناء جسور من العلاقة بيني وبين طفلي. تذكري اختبارك الشخصي مع الله، فاذ لم تدركي مدى حبه لك قبل أن تبني علاقة شخصية معه. فقد كان يحبك ولكنك لم تدركي ذلك بعدم إقامة جسر من العلاقة بواسطة مخلصك يسوع. والصورة تنطبق تماماً على ما يحدث بينك وبين طفلك. إلا أن هناك من استخدم هذه العلاقة بطريقة خاطئة. فحدث فعلاً تغيير لا يمكن تجاهله، حدث في هذا النظام المتبع، تغيير ليس شرطاً أن يكون إيجابياً بل تغيير سلبياً، ألا وهو فقدان السلطة وانعكاس المعايير والموازين. فنرى بدلاً من أن يكون البيت محكوماً من الوالدين، أصبح البيت محكوماً من الأبناء نتيجة التساهل واللامبالاة التي لا علاقة لها بالمحبة على الإطلاق كما رأينا في العدد الماضي عن النمط غير المبالي والنمط المتساهل.

إذا أننا في حاجة إلى الطريقة الصحيحة لبناء هذه العلاقة للتعبير عن محبتنا مع الحفاظ على دورنا كأصحاب السلطة. لذا في هذا العدد سأستعرض بعض الوسائط التي تظهرين محبتك لطفلك، كما وسنرى أهمية هذا الموضوع في حياة طفلك وفي عملية التأديب.

تذكري أن علاقتك بطفلك ومحبتك لطفلك تسير يداً بيد بتأديبك له، عبرانيين 12: 5 – 6، أمثال 22: 15 ، أمثال 23 : 13 – 54، أفسس 6 : 4 إن كنت تحبين طفلك فواجب وإلزام عليك أن تنقذي حياته من عالم الأموات وواجب وأمر أن تربيه حسب وصايا الله وتأديبه لكن في البداية، عليه أن يكون واثقاً بأنك تحبينه.

كيف تحبين طفلك حباً حقيقياً؟

إن معظم الأهل يصرفون المجهود والمال الكثير لتوفير لأولادهم الألعاب الباهظة الثمن، والمأكولات الشهية ووسائل الترفيه المتنوعة، اعتقاداً بأن ذلك سيظهر محبتهم لطفلهم. بينما تشير الدراسات وتؤكد أن محبتنا تظهر لأولادنا من خلال اتصالنا بهم بصرياً وجسدياً ومن خلال الانتباه الذي نقدمه لهم بصرياً وجسدياً ومن خلال الانتباه الذي نقدمه لهم، وهذا بدوره سيوطد العلاقة التي نحن معنيين ببنائها.

في حياتك اليومية تستطيعين إظهار محبتك لطفلك خلال:

أولاً: بواسطة الاتصال البصري

وأعني به أن تنظري إلى عيون طفلك نظرة محبة ودفء وقبول. إن الاتصال البصري هو أحد المصادر التي تعتمد في رعاية الطفل عاطفياً. ولسوء الحظ قد غلب على المعظم استخدام هذه الوسيلة لتوصيل الأوامر والتعليمات وكأداة نقد وتأديب نحو أولادنا، وهنا خطأ هادم إن كان فقط هذا هو الاستخدام.

إنك إن راقبت نفسك واستخدمت اتصالك البصري بطفلك الاستخدام الصحيح فإنك ستجنين أثراً حاسماً وطويل الأمد في حياة طفلك. فحاولي استخدام عيونك للتعبير عن حبك وقبولك له، وذلك من خلال الفعاليات اليومية التي تقومين بها. فعلى سبيل المثال وأنت تلاعبينه وأنت تضحكين معه، وتحدثينه، وتحاورينه وأنت تقرئين له قصة. حاولي انتهاز هذه الأوقات الجميلة لتبعثي له نظرة محبة وقبول. وإليك الطريقة الصحيحة للقيام بذلك، إذ يجدر بك أن تنحني إلى مستوى قامة طفلك، لذا اجلسي أو أركعي، ومن ثم تنظرين إلى عينيه فإن هذا الأمر على جانب كبير من الأهمية، فإنه يشعره أنك في مستواه وتتفهمينه. وعندما تعانقيه أو تقبليه حاولي أن تبادليه النظر. أحياناً قد لا ينظر هو إلى عينك، عندها اطلبي أنت منه ذلك ودربيه.

ثانياً: بواسطة الاتصال الجسدي – البدني

ولماذا الاتصال الجسدي؟ يظهر من خلال الدراسات أن أقوى وسيلة ناجحة لتوصيل حبنا للطفل هو الاتصال الجسدي. غير أن الباحثين يبيّنون أن الآباء والأمهات يلمسون أطفالهم عندما تقتضي الحاجة ذلك، وهذا مؤلم ومحزن جداً لأن الطفل يحتاج إلى الاتصال الجسدي والبدني على نحو مستمر. وعندما أذكر الاتصال الجسدي البدني لا أعني العناق والتقبيل بل كل أنواع الاتصال واللمس. فمثلاً اللعب في الشعر أو تدليك الجسم، أو إن كان الطفل أكبر جيلاً فمسك اليد أو وضع ذراعك على كتفه. وهنا أيضاً نجد الأمهات والآباء يسيئون هذا اللون من اللمس فيستخدمونه فقط كأداة للعقاب البدني. بل والأشد ألماً أنه أصبح أيضاً من الشائع استخدام أشكال العقاب البدني كوسيلة مداعبه وملاعبة. وما أعنيه هنا أنه قد تقوم الأم، أو الأب أو حتى الأجداد بضرب الطفل على يديه أو حتى لكمه على وجهه بهدف الملاعبة والمداعبة. والنتيجة طفل مبلبل ومشوش لا يفقه هل الضربة أو اللكمة كانت عقاباً أو “مناغشة” كما يسميها بعضهم. وهذان الموقفان متناقضان. لكنهما حقيقة شائعة جداً. وما أشده أذى حين نسيء استخدام العطية التي وهبها الله لنا، إذ لم يخلق الرب شيئاً إلا وله وظيفة وعمل، فلماذا تغير أسس الحياة ومقاييسها.

لهذا فمن الخير لنا أن نعود إلى الكتاب المقدس ونبدأ دراسته من جديد إذ ينبغي لنا أن نتبع معلمنا العظيم يسوع المسيح وأن نطيعه.

وما أريد توصيله من هذه النقطة بالتحديد، هو أنه يجدر بك أن توفيري المحبة لطفلك من خلال الاتصال الجسدي – البدني يتمثل بالمشاهد التالية في الحياة اليومية: في حال كنت تشاهدين التلفاز مع الأسرة – أجلسي بجانب طفلك وضعي يديك عل كتفيه برفق ومحبة، وإذا كان طفلك صغيراً فأجلسيه في حضنك وأمسكي به جيداً، وإذا كنت تشاهدين عرضاً معيناً أو كنت تجلسين بجواره في الكنيسة ضعي يدك على ركبته وابتسمي له، وأن كان طفلك ما زال يُحمَل فانتهزي الوقت لأن تلاعبي شعره.

ولكن ماذا لو بدا طفلك رافضاً لهذا الاتصال؟ إن من المحتمل أن نجد هذا السلوك لدى بعض الأطفال، وإن كان طفلك واحداً منهم، فعليك تفحص ذلك جيداَ كي تتعرفي لماذا يتصرف على هذا النحو فالأسباب مختلفة. فربما كان غير معتاد أن يتلقى هذا الأسلوب، وأعني الاقتراب الجسدي والاتصال البصري. وهذا لا يعني أنه لا يحتاج إليه، بل لربما كان يجهل كيف يتجاوب. أو ربما كان رفضه لهذا الأسلوب بمثابة آلية دفاعية، كما وصفها فرويد بآلية الرد الفعل العكسي. وكما يصفها علم النفس أنها محاولة لا شعورية أي غير مقصودة من الفرد للتمويه بأن يظهر في سلوكه على عكس ما يضمر في أعماق نفسه. ولكنك كأم عليك وعي أهمية هذا الاتصال ولذا عليك أن تحاولي مرة تلو الأخرى، وقد تحتاجين إلى وقت أطول خاصة مع طفل كهذا. لكن ليس شيء مستحيل لأن غير المستطاع لدى الناس مستطاع لدى الرب.

ثالثاً: إعطاء الانتباه والوقت المميز

ماذا يعني إعطاء الانتباه والوقت المميز؟ يتطلب إعطاء الانتباه من الأبوين أكثر ما يتطلبه الأمران السابقان إذ يستدعي أحياناً وقتاً أطول يتخلى فيه الوالدان عن شيء جميل يميلان إليه ويستمتعان بالقيام به. كأن تتركي الكتاب المقدس الذي تستمتعين بقراءته أو أن تتركي الطبخة لوقت آخر أو أن تطفئي التلفاز وتعيري طفلك الانتباه الذي يحتاجه. وليس هذا عملاً سهلاً أحياناً. إذ يكون فيه أحياناً الحاجة إلى التضحية.

ويعني إعطاء الانتباه أن يعطي طفلك انتباهاً تاماً غير مجزأ وبطريقة تشعره دون شك أنه محبوب حباً جماً، وهذا يتطلب منك – ومن الأب طبعاً – أن تكوني منتبهة متيقظة تقدّرينه وتعاملينه جدياً بدون تساهل. مما يجعل طفلك يشعر أنه أكثر الأشخاص أهمية في العالم في عينا أمه وعينا الأب طبعاَ.

وهذا الأمر قد يكون صعباً بالنسبة إلى الأمهات وربات البيوت والزوجات العاملات. بينما قد يظهر لأخريات أنه سهلاً جداً لتواجدهن مع أطفالهن في البيت طيلة النهار. وأخريات قد يدعين أنهن يوفرن كل الألعاب والأساليب الترفيهية المعروفة، ألا يكفي؟ والحقيقة كلا. كل ما ذكر لا يكفي. إن هذه المواقف خاطئة جداً فطفلك لا يحتاج المال ولا إلى الألعاب والحلوى والمثلجات ولا حتى إلى تواجدك المستمر في محيط المنزل. إن كونك مع طفلك طيلة النهار ليس بالضرورة يعني أنك قد وفرت له الانتباه المركز والوقت المميز. إذ أنه من الممكن أنك مشغولة في التنظيف والترتيب والطبخ والتعزيل في حين أن طفلك يحتاج لأن تمضي بعض الوقت في ملاعبته أو حتى محادثته. كما وإن الطعام، واللباس والأشياء المادية هي مهمة ولكنها ليست كل شيء هو يحتاج له، إنها توفر له حاجة فيزيولوجية فقط. لكن حياة طفلك مرتكزة على الحاجة العاطفية التي هي من أهم القضايا التي عليك توفيرها وتأمينها له. وإن التفاعل مع هذه الحاجة له أثر كبير على نجاح طفلك في حياته الاجتماعية، والعلمية والعملية.

وحتى تفهمي عمق هذه الحاجة افحصي نفسك أولاً فإن كنت أنت كزوجة تعيشين في أفخم بيت، تنعمين بالرفاهية وتملأه الوفرة المادية ولكن زوجك دائم الانشغال قاضياً أوقات طويلة وساعات طويلة في العمل، فهل ستشعرين بالسعادة والاكتفاء؟ فإنه من الطبيعي إن وعاء – تنك – وقودك العاطفي غير مملوء فلن تكوني سعيدة أبداً. هذا أيضاً صحيح جداَ بالنسبة إلى طفلك وإلى كل البشر. وهذا هو السبب الرئيسي لكل المشكلات العاطفية التي قد تجدينها في العالم.

لذا راجعي نفسك واتخذي خطوات عملية لتعويض طفلك عما مضى. وهناك عدداً كبيراً من الطرق التي تستطيعين بها أن تجدي الوقت الكافي لتقتربي من طفلك وتشاركيه في هذا الوقت. حاولي أن تكوني أم مبتكرة وخلاقة في أفكارك.