بقلم أنطون دعيق

منذُ انتقالِنَا إلى مدينةِ كامبريدج في بريطانيا بدايةَ العامِ الجاريْ، لم تفارقنا النقاشاتُ والديباجاتُ مع الزملاءِ والزميلاتِ حول دورِ المرأةِ في الكنيسةِ والمجتمعِ. ولقدْ لاحظنا، زوجتي سارة وأنا، أنَّهُ مُنذ زواجِنَا منِ نحو ثمانيةِ أعوامٍ لم نفكرْ كثيرًا في موضوعِ دورِ المرأةِ ولمُ نناقشهُ بزخمٍ كما نفعلُ هنا في كامبريدج. وعندما تساءلنا عن السببِ وراءَ ذلكَ، استنتجنا أننا بكلّ بساطةٍ لم نكنْ نعيشُ في سياقٍ كنسيٍّ أو مؤسساتيٍّ يستدعيْ الجدالَ أو النقاشَ حولَ دورِ المرأةِ. فكليّة بيت لحم للكتاب المقدس التي عملنا فيها لبضعِ سنواتٍ وكنيستنا الإنجيليّة اللوثريّة في فلسطين، وكذلك كنيسَتُنا في بوليفيا التي انتمينا إليها وخدمنا فيها لعدةِ أعوامٍ، كُلّها تأخذُ موضوعَ المساواةِ بينَ الرجلِ والمرأةِ كأمرٍ مُسلَّمٍ بهِ. فزوجتي سارة، مثلها مثلي، لطالما أخذتْ أدوارًا قياديَّةً، سواء في الكنيسة (من وعظ وتعليم)، أو في المؤسساتِ التي عملنا فيها ككليةِ بيت لحم للكتابِ المقدسِ. ولم نشعر يومًا في الكنائسِ والمؤسساتِ التي انتمينا إليها، في فلسطين وبوليفيا، أن هناكَ أيّ حدودٍ لإمكانيّةِ مشاركةِ المرأةِ في القيادةِ أو الخدمةِ أو الوعظِ أو التعليمِ. فهذه كلّها كانتْ أمورًا مُسلَّمٌ بها في السياقاتِ المختلفةِ التي عشنا فيها قَبْلَ مجيئنا إلى مدينةِ كامبريدج. ومن المفارقات أننا نقيمُ الآن ونَدْرُسُ في واحدٍ من أبرزِ مراكزِ الأبحاثِ الببليّةِ فيْ أوروبا، وفي مدينةٍ من أعرقِ مُدُنِ أوروبا (كامبريدج)، وأصدقاؤنا وزملاؤنا هم مِنْ طلبةِ ولاهوتيِّ أرفعِ جامعاتِ العالمِ (جامعة كامبريدج)، إلا أننا نَجِدُ أنفسنا في نقاشاتٍ وجدالاتٍ مُستمرةٍ دفاعًا عن أهميّة أن يكونَ للمرأةِ دورٌ قياديٌ في الكنيسةِ!

وطبعًا نحن لا نقولُ إنَّ مجتمعنا في فلسطين خالٍ من التحديّاتِ والمشاكلِ، أو أن كنائسنا مثاليّةٌ. فهناك الكثيرُ مما ينبغيْ فِعلهُ لتمكينِ المرأةِ وتشجيعها على السيرِ قُدُمًا في دعوتها الببليّة\الكتابيّة داخل الكنيسة وخارجها.  فتذكّرُنا مقدمةُ كتابِنا المقدسِ أن دعوةَ الله للإنسانِ لقيادةِ الخليقةِ وتعميرها والمحافظةِ عليها، هي دعوةٌ موجهةٌ للرجلِ والمرأةِ معًا: “فخَلَقَ اللهُ الإنسانَ علَى صورَتِهِ. علَى صورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وأُنثَى خَلَقَهُمْ. وبارَكَهُمُ اللهُ وقالَ لهُمْ: «أثمِروا واكثُروا واملأوا الأرضَ، وأخضِعوها” (تك 1: 27-28). وتروي لنا أول أسفار الكتاب المقدس (تك 16: 7 – 14) كيف ائتمن الله امرأةً اسمها هاجر على أحدِ أهمِّ وأسمى العقائد اللاهوتيّة: أن الله يسمع صراخ المظلومين (إسماعيل) ويَرى مُعاناتهم (إيلُ رُئي).

فبالتأكيدِ ما زالَ أمام كنيسةِ فلسطينَ عملٌ لتقومَ بهِ ومشوارٌ لتسيرَ فيهِ نحو القداسةِ والبرِّ. إلا أنّه كما يقولُ حكيمُ سفرِ الجامعةِ: “لكُلِّ شَيءٍ زَمانٌ، ولِكُلِّ أمرٍ تحتَ السماواتِ وقتٌ” (جا 3: 1). فهدفُ مقالتي أن أقول: هنيئًا لك يا كنيسةَ فلسطينْ! استمرّي قُدُمًا نحو المسيحِ فيما أنعم الله به عليكِ، فتكونين شهادةً ونورًا لكثيرين.