بقلم ريما أنور

 

ويُفتح كتاب الزواج ونبدأ بقراءة صفحاته بعد أن كنّا في حلم رائع ألا وهو يوم الزفاف. من سيحضر؟ وكيف سيبدو ثوب العروس وجمالها وزينتها وبدلة العريس والألوان والورود؟ وما العهود التي سنقطعها أمام الله والنَّاس؟ وتدوي أصواتنا وهي تعلن تعهدنا بأننا سنلتزم أن نكون أوفياء محبين في السراء والضراء في أيام الفقر والغنى، في الصحة والمرض، وأن نحب ونصون عهد زواجنا. وتلتقي أعيننا بكل الحب والفرح. وبعد ذلك تأتي أيام العسل التي نتوق لأن نقضيها معا، والبعض منا تكون أيامه عسل والبعض الآخر تشوب أيامه بعض المخاوف أو القلق حين نكتشف اختلاف شخصياتنا أو إن لم تسر الأمور حسب توقعاتنا.

 

ماذا افعل؟ فهو لا يستمع لي وهو لا يهتم إلا باحتياجاته وهو يختار ويقرر وكأنني لست موجودة في حياته، يريد أن تسير كل الأمور على طريقته. أحاول وأحاول أن أفهم وأتفهم ولكن الأمور تبدو صعبة، فهو لا يقبل اختياراتي في ملابسي، وأيضا اكتشفت انه لا يسدد احتياجاتي المادية كما أريد. لا بل يبدو وكأن لديه صفة البخل!

 

ونعود إلى البيت – عِش الزوجية – على أمل أن يتغير الوضع مع عودتنا، ربما لم افهمه كما يجب، ربما كانت توقعاتي أعلى مما يجب.

أجهّز الطعام بحماس شديد فهذا كان حلم من أحلامي. وأرتّب مائدة جميلة، وعندما يعود إلى البيت ينتقد ترتيب الطاولة الجميلة، لا يحب طعم الأكل الذي جهّزته بل ويسألني: لماذا لم تنظفي المطبخ جيداً مع أنني فعلت ذلك!

أنا مصدومة، أخرج من المطبخ، تتصل بي إحدى صديقاتي وأرى الغضب في عينيه وملامح وجهه، “لا أريد أن تكون لك صداقات إلا بحسب اختياراتي أنا، محادثاتك مع الصديقات مضيعة للوقت، وأهلك أيضا- وأمك بالأخص-  لا أريدك أن تحدّثيهم عن أي ٍمن خصوصياتنا”.

 

وفي كل صفحة يومية من كتاب زواجي اكتشف شيئاً لم أكن أتوقعه!!! وهنا تبدأ مفترقات الطرق في الظهور وكذلك الأسئلة المؤلمة؛ هل يحبني؟ هل يحترمني؟ لماذا لا يضمني بحنان إلى صدره؟ لماذا لا اشعر بقبوله لي؟ لماذا ينتقد كل كلمة وكل تصرف يصدر عني؟ لا اعلم كيف يمكن إرضاؤه! وحتى عندما يحصل سوء تفاهم بيننا وهو لا يعتذر، يأتي ليعبر لي عن رغبته في العلاقة الحميمة بيننا ودموعي تملأ عيني، أندهش من طلبه! كيف وأنا مجروحة ومتضايقة منه؟ هل هذا هو الوقت المناسب لذلك؟ وفي أحيانٍ أخرى يتركني أياما وربما أسابيع، دون أن يحتضنني ويعبر عن محبته لي. وشلال من الأسئلة مع كل اكتشاف! ويا ليت طريق الهروب واسع وسهل ولكن أين هذا الطريق؟

هذا بالإضافة إلى أنه يريدني أن أتواجد في بيت عائلته دائماً، وأنا أراهُ هناك سعيداً وكأنه شخص آخر، ويعبّر عن محبته وتقديره لكل ما تقوم به والدته، لكنه لا يلحظ أبداً كلماتها الصعبة التي توجهها إلي. بل أكثر من ذلك، فهو يتهمني بالتسبب في كل المشاكل وهذا يسبب لي جرحاً عميقاً.

وتستمر صفحات الكتاب، كتاب زواجنا، بالتقلّب والصعوبات تزداد. يخرج ويستمتع في وقته مع أصدقائه ولكنه لا يسمح لي ولا يريدني أن أتكلم مع أي رجل غيره وينتقد كل تصرفاتي وحتى ضحكي! وبعض الأحيان ألمس عدم إعجابه بي وبما أبدو عليه اليوم، رغم أن ذلك كان يعجبه قبل زواجنا. بل وأكثر من ذلك، فإني أخاف من غضبه خشية أن يصل حدّ التعدي!!

 

واكتشف أن زوجي شخصٌ صعب، نعم صعب فماذا افعل؟ وما هو دوري؟ لماذا أنا؟ والأخريات فرحات وحياتهنّ جميلة وسهلة؟ أنا وحيدة!!

صرخة خرجت من قلبي ووصلت للسماء وبدأت أسئلة أخرى من عالم آخر تواجهين،

من أي منظور ترين نفسك؟ مَن الذي أوجدك على هذه الأرض؟ ما هو مصدر قوتك؟

ما هو هدف حياتك؟  كيف أساعد نفسي وأساعد زوجي على التغيّر بحسب صورة من خلقنا؟

هل أختبر الاكتفاء والرضا؟ هل أنا مسئولة عما يحصل، وهل أتقبل زوجي برغم اختلافه عني؟

 

كنت وحيده ولا زلت ولكن هل لوحدتي نهاية؟ لا أستطيع إلا أن أستشير من حولي بالنسبة لوضعي وأرى في عيون المستمعين نظرات استغراب، نظرات عدم قبول زوجي، ونظرات عدم احترام، ونظرات شفقة، وربما أشفق على نفسي أنا أيضاً، ولكن هل هذا هو الحل؟

لقد أعطاني الله عقلاً وحكمةً وبصيرةً، وميزني بكوني فريدة لأن هذه هي مشيئته. أدرك أني في مشكلة وأني في وضع غير عادي، وربما غير مقبول، وأني أقف على مفترقات طرق صعبة. هل أتوقف هنا وأختار الانفصال؟ أم أسعى لأعرف من أنا؟ أقيّم نفسي من منظور آخر وأعرف من أنا في نظر من خلقني وأحبني؟ ليس لأَنِّي ضعيفة أو على خطأ، بل لأَنِّي أريد أن ينجح زواجي؟ هل يمكن أن أبدأ بتغيير أمور معينة في تفكيري وردود أفعالي التي كنت أعتبرها عادية؟ ولكنها بالنسبة لزوجي ليست كذلك؟

وبدأت أقضي وقتاً أطول في الصلاة والشركة مع الله، طالبة منه الحكمة الإلهية والتدخل

في زواجي. وابتدأت أتحكم في غضبي وردود أفعالي الغاضبة وصراخي وعصبيتي التي اعتبرتها من حقّي في بعض الأحيان. أدركت أنني كنت أقوم بالكثير من الأمور بحسب وجهة نظري وخبرتي وطريقتي، دون أي اعتبار لرأي زوجي ولما يريده. ولاحظت أني كنت أقارن نفسي بأخريات كثيرات، في وضعهن المختلف عن وضعي، وتنبّهت لما قاله أحدهم: “إن المقارنة أصل الشعور بالنقص”.

 

كنت آخذ قرارات فردية تؤثر على زوجي وعلى خططه دون استشارته، وأصبحت أكثر صبراً، وبدت ردود أفعالي ألطف معتمدةً على ما تقوله كلمة الله لي بشأن سلوكي المسيحي، ومستمدةً القوة من روحه القدوس لأحيا حسب الكلمة. وسأخطو خطوة واحدة وهو سينير لي الدرب لأرى الخطوة التالية وهكذا، وأدركت أن لي نقاط ضعف كما لزوجي أيضاً.

ولكن مع كل محاولة للتغيير من طرفي تزداد صلابة مواقفه وعدم رغبته في التغيير باتجاه بناء حياتنا معا، وألقي نفسي على مفترق طرق مرة أخرى. هل أستمر، أتوقف أم أنسحب؟ وهنا أدركت أن دوري في علاقة زواجنا يختلف عن أي دور لأي زوجة في أي زواج آخر.

 

سأكفّ عن المقارنة لأَنِّي لا أريد لزواجي أن ينتهي بالطلاق أو الانفصال، سأتوقف عن الرثاء لذاتي، سوف أنهض وأكمل بقوة من إلهي، ستكون غايتي الأولى رضا خالقي والاقتراب إليه ثم رضا زوجي وليس العكس. سأحيى كل يوم منطلقة ومعتمدة على كلمة الله بأن لا أهتم بالغد لأن الغد يهتم بما لنفسه يكفي اليوم شره. سأبادر بالمحبة المضحية وأركز على زوجي وأسدد أي احتياج لديه على قدر استطاعتي بالمعونة الإلهية. سأقضي وقتاً نوعياً خاصاً معه لأَنِّي كنت أركز على توقعاتي واحتياجاتي أنا ولم أحاول أن أعرفه بعمق، سأعرفه الآن أكثر من قبل، ربما لديه احتياجات لا اعرفها، لربما يحتاج إلى الحب الذي أحتاج إليه أنا أيضاً، لربما يحتاج إلى الاحترام والى الاهتمام به وبعالمه. فمثلا هو يحب الهدوء وأنا أستمتع بالصخب، هو يحب النظام والنظافة والترتيب، ولكنها ليست أولى اهتماماتي، يحب مشاهدة مباريات كرة القدم والأفلام العربية وأنا أحب مشاهدة الأفلام الأجنبية.

 

يجلس أمام شاشة الحاسوب لساعات، وقد ازداد توتراً ورفضاً رغم دعوته لي لأن أجلس بجانبه، وأنا لا أطيق مراقبته، لم أحاول أبداً أن أجلس معه وأشاركه تمتعه بما يشاهد. ربما أبحث عن إرضاءه بطريقتي دون أن أستمع له ولكلماته. نعم كنت أسمعه ولكن الاستماع شيء مختلف فهو يتطلب مسؤولية والتزاماً وربما تغيراً في منهجي وأسلوبي. لقد كنت أحاول السيطرة على الأمور وربما عليه هو أيضاً، خشية أن تصبح زمام الأمور في يده. ولكن كلما خضت محاولة جديدة تكون النتيجة أني أفقده، ويزداد غضبه أكثر وتزداد المصاعب.

أنا أعرف أن زوجي شخصية صعبة، وقد يبدو كل الأمر وكأن المحاولات من طرفي. ولكن سأحبه من كل القلب وأسعى لمعرفة الطريقة التي تلائمه وأخضع له كما للرب؛ مخلصة منتظرة عمل الله فيه وفي قلبه حتى وإن كان لا يطيع الكلمة فإنه سيُربح بسيرتي بدون كلمة. لن أكلم الكثيرات أو أحداً من أهلي عنه بل سألجأ إلى شخص متخصص لمساعدتي، ليس لأغيره هو بل لأتغير أنا أولاً بمعونة من إلهي الذي يعرفني.

 

سأنتظر والانتظار اختيار، سأحب والمحبة القلبية اختيار، سأبني علاقتنا ولن ألجأ للانفصال، وهذا اختيار. سأبادر في العطاء وهذا اختيار. التواصل وعدم الانسحاب اختيار. الغفران والتسامح أيضاً اختيار. سأكفّ عن المقارنة والرثاء للذات وهذا اختيار. سأصدق ما تقوله كلمة الله بالرغم من واقع الحياة وهذا أيضا اختيار. وسأختار أن أكون مسئولة عن اختياراتي والعيش مع نتائجها، مستمدة الحكمة ممّن لا يبخل علي بها؛ إلهي ورفيقي في هذا الدرب الصعب.

والاختيارات تصنع دائماً فرقاً في حياتنا وحياة كل من حولنا، ولا زالت أوراق كتاب زواجي تُفتح ولكنها بدأت تتلون بألوانٍ وأطياف جميلة. فالحب الصادق والاهتمام الحقيقي والاحترام والتقدير وسعيِي لمعرفة زوجي بشكل أعمق، كل هذا بدأ يلوّن صفات كتاب زواجنا قليلاً. وتعلمت معاني أعمق للتضحية وإنكار الذات والمحبة والعطاء بوجود أولادي، وما زلت أختار!

 

بعض الآيات للقراءة والتأمل ولأخذ معونة من الرب: 

رسالة بطرس الرسول الأولى ٣ :١

رسالة أفسس٤: ٢٠-٢٦ وأيضا ٥ :١٩-٢٥

رسالة فيلبي ٤: ٤-٧ 

رسالة يعقوب ٤: ١٧

ومن العهد القديم

مزمور ١١٩ :١٠٥ 

أمثال ٣: ٥-٦ وأيضا ١٥: ١-٢وايضا ١٦؛ ١-٣ وأيضا ١٨: ١وايضا ٢٤: ٣