صوت رجل

صوت القس نزار شاهين

كانت أليصابات من عائلة مُعتَبَرة فهي من بنات هارون ومتزوّجة رجل كاهن اسمه زكريا الذي كان يخدم في الهيكل في أورشليم. كانت امرأة تقيّة ومؤمنة تتميّز بحياة الصلاة؛ إذ كانت تصلي وتطالب الله أن يعطيها ولد، كانت بارّة ومستقيمة سالكة في جميع وصايا الرب كما وصفها الكتاب مع زوجها، كانت قانعة في قسمتها وراضية في أحوالها، تسكن في منطقة جميلة في جبال يهوذا (عين كارم)، ومحبوبة من جيرانها.

إلّا أن هذه الحياة الرّيفية الجميلة كانت تخبّئ ألماً يعتصر قلبها وحلماً قديماً قد ضاع وأملاً ورجاءً قد انكسر. لم تتذمّر ولم تشتكي مرارة نفسها، لأنه بحسب العادات قديماً تُحسب عاراً، فكانت تواجه مشكلتين: أولاً؛ أنها عاقر لا تستطيع أن تُنجب. والمشكلة الثانية أنها عجوز كبيرة في السن.

ما أصعب الحلم الضائع والأمنيات التي لا تتحقق والرجاء المكسور! لربّما أنتِ تصلّين لكن بدون استجابة، لربّما مصابة بالخذلان لأجل توقّعات جميلة في حياتك لكن سرعان ما تلاشت. لربّما انقطع رجائِك لانتظار معيّن ولم يتم، لربّما وصلتي إلى حالة الانحناء الروحي والرجاء المقطوع في داخلك ولا أحد يشعر معك، وتعيشين في حسرة القلب وتندبين حظك على أمور لم تتحقق.

كانت أليصابات تتمتع بأخلاقيّات عالية مما يعبّر عن جوهر قلبها الطاهر. فقد كانت قانعة بحالتها ومتواضعة في أخلاقياتها وخاضعة لمشيئة الرب وتمتلك قوّة داخليّة. فيوحنا ابنها رضع وتشرّب أخلاقيات أمه، فلقد كانت أليصابات عظيمة كعظمة يوحنا، حقاً إنها واحدة من بطلات الميلاد التي تمّمت مشيئة الرب من وراء الكواليس وفهمت بل أدركت دورها في العناية الإلهية. وكانت تتحلّى بالتواضع وتتزيّن بالورع والتقوى، هذه كلها تشرّبها ابنها يوحنا أيضاً عندما سُئِل عند نهر الأردن، أقرّ أنه ليس المسيح رغم شعبيّته الواسعة وأنه اعتبر نفسه فقط صديق العريس (يسوع) وقال أيضاً: “إنه ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنا أنقص.” هكذا فعلت أمه عندما التقت مريم قريبتها حيث قالت للشابة الصغيرة: “مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ!فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟” (لوقا 1 : 41 – 43) حقاً إن الله يُعطي نعمة للمتواضعين.

لقد تحقّقت في حياة هذه المرأة التقية سلسلة من المعجزات التي تكلّلت بمجيء المسيّا؛ معجزة التجسّد وذلك عن طريق الميلاد العذراوي. فقد ظهر الملاك جبرائيل لزوجها وزفه بالأخبار المفرحة، وأن الرب استمع لصلواتهما، إذا كان مجيء المسيح بمعجزة فالذي يهيّئ الطريق له يأتي أيضاًبمعجزة. لقد عوّضها الرب بولدٍ دُعي نبي العلي وكان ممتلئاً من الروح القدس من بطن أمه ليردَّ كثيرين إلى الرب ويهيِّئ للرب شعباً مستعداً. لقد كان لأليصابات حلم قديم أن يكون لها ولد “لينزع عارها”، لكن انقطع رجائها واستسلمت لمشيئة الرب إذ رضيت بوضعها وكانت قانعة بقسمتها. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي غيّر الله فيه حياتها واستمع لصلاتها، عندها ابتدأت أليصابات تدرك أن الله لم ينساها وأن لله حلم أكبر من حلمها، ومعاملات الله أعظم من محدوديّتها.

إن قصة أليصابات تشبه قصص العديد من نساء الكتاب المقدس اللواتي خاب رجائهنّ، مثل سارة التي ولدت أيضاً في شيخوختها، وحنة أم صموئيل النبي (1 صموئيل 1)، عندما أدركت حنة أن الله يريد ولداً (رجل الله)، أعطاها الله صموئيل النبي واحد من أعظم الأنبياء في تاريخ إسرائيل، الذي كان قاضياً وكاهناً وقاد شعب اللهفي ظروف صعبة وحرجة واستخدمه الرب ليمسح أول ملكين على إسرائيل.”وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا،” (أف 3: 20)

كم من قلوب مكسورة، كم من أحلام ضائعة، كم من رجاء انقطع، كم من رؤى لم تتحقق؟ لكن ثقي في وعد الرب،”يوجد رجاء.” ( أيوب 11 : 18 ) ومكتوب أيضاً عن يسوع “وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ”.فرسالة الميلاد هي رسالة الرجاء، عندما نضع أحلامنا تحت مشيئة الرب وندرك أن حلم الله لنا هو الأفضل، عندها سنتمتع بالراحة والسلام. (إرميا 29 : 11 )

ضعي أحلامك وحياتك تحت مشيئة الرب فسوف تدركي أن حلم الله أعظم لك، وأن مشيئته لخيرك ومنفعتك وقيادته الأفضل لإنارة دربك.أخيراً.. تذكري أن حاضرك ومستقبلك في يد الفخاري الأعظم الذي سيصنع منك رسالة وبطلة لتحقّقي مقاصد الله.