بقلم ماتيلدا توما.
“أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟” لم يخلق الله الجنس البشري ذكرا وأنثى بشكل عشوائي، فالله كلي الحكمة الإله الفريد العجيب الفائق للطبيعة صمم هذا النسيج البشري في تفرد وتناغم عجيبين ليكمل احدهما الأخر. فيا لروعة التصميم الأنثوي الذي يمزج بين الحنان والعطف الشديدين وبين القوة والقدرة على تحمل الالم! وان تاملنا في التصميم الذكوري نجد انه خليط عجيب من المتناقضات التي تحوي في داخلها الصلابة، الجبروت والعزيمة وفي نفس الوقت الضعف، الاحتياج والطفولة.
كثيرا ما يتوارد الى اذهاننا بمجرد سماعنا اسم رجل وامرأة وجود علاقة عاطفية او ارتباط بينهما وننسى وجود العلاقات الانسانية العديدة في حياة الرجل كالام والاخت والمعلمة والصديقة وبالمقابل الاب والخال والاخ والصديق في حياة المرأة. فالعلاقة بين الرجل والمرأة بامكانها ان تسافر الى ما هو ابعد من العلاقة الجسدية او الجنسية لترتقي إلى مستوى أعلى وأسمى. وعلى الرغم من وجود الاحتياج العاطفي والجسدي احدهما للآخر، إلا أن الروابط الفكرية والتناغم الاجتماعي قد يربط بين المراة والرجل بشكل استثنائي!
لا ارغب في تجاهل الاحتياج العاطفي الجسدي المتواجد داخل كلاهما ولا اقلل من قوته. فكيف لي ان اقلل من قيمة تصميم الهي فريد يتحد فيه الرجل مع المرأة ليصبح الاثنان جسداً واحداً؟ فهو اتحاد مقدس تتصور فيه محبة الله ويتجسد فيه عطاء المسيح وبذله لنفسه في سبيل الآخر. بل على العكس فمحور مقالتي هو عن ذلك الاحتياج عينه. ان ادراكنا لهذا الاحتياج والوعي الكامل به يساعدك عزيزتي المراة على وضع حدود صحية متينة تحمي كلا الطرفين من أي اختراقات غير مرغوب بها.
من منا لا يحتاج لكلام التشجيع، عبارات الإعجاب، لمسات العطف أو نظرات الاهتمام؟ فكلنا نحتاج طوال الوقت أن نشعر بأننا محبوبين ومرغوب بنا. فالمرأة تحتاج أن تسمع باستمرار أنها جميلة و جذابة وذكية وربما خفيفة الظل، وبالمقابل الرجل يحتاج ان يحصل على التقدير والايشاد باعماله وانجازاته. وكل هذا ما هو الا بوابة صغيرة لعبور طريق الإعجاب.
ان بحثتِ عن الرجل في حياتك فستجديه في كل مكان: في العمل، في الكنيسة، في العيادة، في الحي، في الكلية، في النادي واللائحة تطول. ومن الوارد جدا أن ينشأ معرفة سطحية بينك وبينه في بداية الامر ومن ثم تبدأ مشاعر الاعجاب في النمو ومن ثم يتطور الامر الى صداقة مقربة او اكثر من ذلك! قد تكون هذه العلاقة غير صحية من البداية اذ قد يكون احد الاطراف متزوج او من ديانة اخرى او ببساطة قد لا يكون الشريك المناسب لكِ. أعطي مثال على ذلك من كلمة الله الحية وقصة يوسف في سفر التكوين والإصحاح التاسع والثلاثون.
لقد تعرض يوسف لتجربة مشابهة اذ كان يعمل في بلاط الملك ومن البديهي معرفته انه كان يلتقي باستمرار بزوجة فوطيفار (سيده) والتي أعجبت به اعجاب شديد وارادت التقرب منه بل وطلبت ان تضطجع معه. ان زواج هذه السيدة من فوطيفار السيد الغني وصاحب السلطة لم يمنعها من الاعجاب برجل اخر. فيوسف كان حسن الصورة وحسن المنظر ومتواجد امامها باستمرار مما شكل بيئة مناسبة لتنشيط المشاعروتحريكها. لم يكن هناك ما يمنع يوسف من الاضطجاع معها، فسيده يثق فيه ثقة كبيرة ومن الواضح والمنطقي ان السيد لم يكن متواجد في البيت في ذلك الوقت بالاضافة الى ان يوسف كأي رجل اخر لديه احتياج جنسي وعاطفي. وعلى الرغم من إلحاح المرأة عليه مرات عديدة الا ان يوسف لم يستسلم لمشاعره واحتياجه بل وضع الله امام عينيه وصرخ صرخته المشهورة قائلا : كَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟
في الواقع إن ما فعله يوسف كان بالفعل تصرف نبيل وشجاع، لكن ليس الجميع بقوة يوسف. فالبعض قد يسقط مثل الملك داوود. يروي لنا الوحي المقدس في سفر صموئيل الثاني والاصحاح الحادي عشر ان داوود رجل الله كان في مساء احد الايام جالساً بمفرده فقام ليتمشى ورأى بتشبع المرأة الجميلة جداً زوجة أوريا الحثيّ (قائد في جيش الملك) تستحم، فذهب واضطجع معها. لم يكتف داوود بفعلته هذه بل دبر مكيدة وقتل زوج المرأة، ورغم أن الأمر بقي مخفي عن الجميع لكنه لم يخفى عن الرب!
إن المشترك بين قصة يوسف وداود، أولاً احد الأطراف كان حسن المظهر(تاثير ما نراه على مشاعرنا). وثانياً أن الظرف والمكان كانا ملائمين لحدوث تجاوزات في العلاقة الا ان اختيار كلاهما اختلف اختلافا جذرياً.
عزيزتي، إن الله يروي لنا في كلمته مثل هذه القصص كي نتعلم منها ونتغير لنصير اشخاص افضل “كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملا، متأهبا لكل عمل صالح”. قد يتعرض أحدكم لنفس التجربة التي تعرض لها يوسف و داوود و يتورط بمشاعر غير ممنهجة للشخص الغير مناسب. فما هي المشاعر وما هي الخطوات العملية لتخطي مثل هذه التجربة؟
ان المشاعر هي مجموعة من الاحاسيس النفسية الناتجة كردة فعل للاحداث والمواقف. هي حالة مشروعة طبيعية لا عيب فيها ولا خطأ. ورغم انها تنتج بداخلنا بشكل غير ارادي الا اننا يمكننا السيطرة عليها والتحكم فيها من خلال إدراكها ومناقشتها وتحديد الموقف أو الحدث الذي سببها ومن ثم ممارسة تفكير اخر مقصود. فالمشاعر تؤثر على افكارنا وبالتالي تصرفاتنا. لذلك فان ادراكنا ووعينا الناضج لما يدور في داخلنا من مشاعر وممارستنا لتفكير مقصود وممنهج سوف يضبط حتماً سلوكياتنا وردود افعالنا.
عزيزتي المرأة، اسمحي لي أن اطرح عليك بعض النقاط البسيطة لأخذها في عين الاعتبار عند تعرفك على رجل جديد:
- تحديد نوع العلاقة من البداية: صداقة، زمالة، شراكة، مصلحة أو ارتباط.
- وضع حدود صحية متفق عليها وواضحة للطرفين بما يضمن سلامتك وسلامة الطرف الآخر.
- الوعي الذاتي المستمر بمشاعرك ومتابعة الأمر بشكل دوري.
- تفادي اللقاءات الخاصة الفردية، ما المانع من اللقاءات الجماعية؟
- تجنب التلامس الجسدي.
- اللجوء الى صديقة امينة ومشاركتها بمشاعرك إن شعرتي بأي تغيرات غير مطمئنة.
- الحفاظ على قداسة قلبك أمام الله.
إن للمرأة قدرة هائلة على ضبط مشاعرها والسيطرة على احتياجاتها وقيادة قراراتها وخطواتها بما يتوافق مع مبادئها. فالمرأة كالبحر جميل وجذاب من الخارج لكنه قوي وجبار من الداخل! عزيزتي المرأة يا من اختارها الله لتكون شريكة الرجل بل معينة له بل نظيرة. يا من اختارها الله لتحمل في احشاءها البشرية وتتمخض لتكثر نسل آدم. يا من صنع الله منها نبيّة وقائدة و قاضية. يا من حملتي المخلص في أحشاءك وكنت أول شاهدة على قيامته، يا عروس المسيح! كم أنت غالية يا عزيزتي في عيون إلهك وكم أنت قوية ومستهدفة! نعم مستهدفة. لطالما سعى وما زال يسعى عدونا وعدو كل بشر أن يشوه صورتك ويحولك من كائن قوي يقود مجتمع إلى النمو والارتقاء إلى سلعة تباع وتشترى لا نفع منها سوا تضليل المجتمع ودفعه إلى الهلاك. بإمكاننا أنا أو أنتِ أن نصنع التغير بأن نبدأ بتغيير انفسنا.