المرأة العاملة… بين مطرقة تحقيق الذات وسندان مساندة الأسرة

بقلم: د. جيهان تويمة نزال

المديرة الإدارية في كلية بيت لحم للكتاب المقدس

لطالما كان وما زال موضوع خروج المرأة للعمل محطّ نقاشاتٍ تتأرجح بين مؤيّدٍ ومعارض. فقد أصبحت الزيادة في المشاركة المتنامية للمرأة في كافة ميادين العمل واضحة جداً، إذ خرجت المرأة لتعمل في مختلف القطاعات إلا أن هذه النقلة النوعية لدور المرأة – الذي كان يقتصر في العقود السابقة على كونها ربّة منزل- قد تمخّض عنها آثاراً متباينة منها الإيجابي ومنها السلبي. وفي الواقع، يصعب تحديد أي كفّة ترجح.

فمن الناحية الإيجابية نجد أن المرأة باتت تلعب دوراً لا يمكن تجاهله في بناء مجتمعها وتنمية وطنها والنهوض به، بالإضافة إلى تحقيق ذاتها وطموحاتها وتتويج جهود السنوات التي قضتها في الدراسة والاجتهاد والتعب، إلى جانب مساندتها لأسرتها مادّياً. أما سلبيات ذلك، فلا يمكن الاستهانة بها؛ فالحِمل الثقيل الذي بات يُلقى على كاهل المرأة العاملة- ولا سيما الأم- لا يمكن غضّ الطرف عنه، خاصةً في ظلّ مجتمع ذكوري لازال لا يؤمن بتقاسم الأدوار بين المرأة والرجل. فتجد المرأة العاملة- بالإضافة إلى المهام المتعدّدة التي تضطلع بها في بيئة عملها- تجدها ملزمة بالقيام بواجبات ومهام لا تعدّ ولا تحصى ولا حتى ترحم قدراتها الجسدية والنفسية. فيُطلب منها أن تقوم بكافة الأدوار على أكمل وجه خارج المنزل وداخله – إلا من رحم ربي- قلّة قليلة من النساء العاملات اللواتي يجدن السند والدعم النفسي والمادي من شريك الحياة و/أو من أفراد الأسرة. فتتفاقم المتاعب وتجد المرأة العاملة نفسها قد وصلت إلى مرحلة لم تعد فيها قادرة على تحمّل الكمّ الهائل من الأعباء، فيحصل الاحتراق الوظيفي، وتجد هذه المرأة العاملة نفسها قد غاصت في بحر من المتاعب المختلفة والمشاكل الصحيّة والأمراض التي بدأت تتسلّل إلى عروقها وتسلبها أجمل لحظات العمر.

أضف إلى ذلك أن التطوّر التكنولوجي ووجود وسائل التواصل الاجتماعي قد لعب دوراً فاعلاً في تغيير ثقافة العمل المهني ورفع سقف التوقّعات من الموظف/ة، مما أثر سلباً على المرأة العاملة خاصةً أنّه أصبح في الكثير من الأحيان من الصعب عليها الفصل بين وقت العمل والوقت الشخصي.

في الواقع، لا يمكننا أن نغفل أن الغالبية العظمى من النساء تدفعها الظروف الماديّة الصعبة لمشاركة الزوج و/أو الأسرة في تحمّل أعباء الحياة الثقيلة. ففي عصرنا الحاضر، نجد أن رقعة الحياة الاستهلاكية قد اتّسعت بشكل دراماتيكي بحيث أصبحت الأمور الثانوية أساسية بالنسبة للعديد من الأسر. كما أشارت بعض الدراسات إلى أن الذي يدفع الأغلبية الساحقة من النساء العاملات للعمل هو الحاجة الاقتصادية للمجتمع والأسرة، وأنّ نسبة النساء اللواتي يخرجن للعمل لأسباب غير اقتصادية هي نسبة ضئيلة جداً. 

عزيزتي ربّة المنزل،

كوني على ثقة أن ما يمنحكِ قيمة لذاتكِ ليس كونكِ امرأة عاملة، أو امرأة غير عاملة. فعلى الرغم من أن عمل المرأة داخل المنزل لا يُعترف به ضمن الأعمال الإنتاجية في المجتمع، إلا أنه في الحقيقة عملٌ يشتمل على جهد كبير لا يمكننا الانتقاص من قيمته. فلا تتأثري بآراء المجتمع التي تخلق بداخلك إحباطاً أو تحاول الانتقاص من قيمتكِ؛ فانتِ امرأة وأمّ عظيمة. 

أمّا أنتِ عزيزتي الأمّ العاملة، 

فلا تعتقدي أن خروجك للعمل يمنعكِ من تربية أبناء صالحين في بيئة صحيّة سليمة وفي جوّ عائلي يتّصف بالدفء. فكم من أمّ عاملة ربّت أبناءها نِعمَ التربية ومنحتهم وقتاً نوعيّاً ساهم في تنشئتهم تنشئة سليمة؛ فما يحدّد ذلك هو مدى نضج ووعي الأم وتفاهمها مع الأب وتحمّلها للمسؤولية وتحديدها الحكيم للأولويات، وليس كونها أمّ عاملة أو غير عاملة.

لذلك عزيزتي، إن كان بإمكانكِ أن تختاري فاختاري. اختاري ما يجعلكِ تعيشين حالة من السلام الداخلي؛ فذلك سينعكس حتماً على صحّتك الجسدية والنفسية أولاً ومن ثمّ على أفراد أسرتكِ. اختاري السعادة، والسعادة ليست في أن تعملي أو لا تعملي. السعادة هي الرضا باختياراتك، وحتى إن لم يكن بإمكانكِ الاختيار، فالسعادة تكون بالرضا عن وضعكِ، والامتنان لما أنتِ عليه، والتوكّل على الله والثقة بأن القادم حتماً أفضل. 

وختاماً، عزيزتي المرأة، إليكِ بعض النصائح أو ربّما دروس مستفادة من امرأة وأمّ عملت على مدار سبعة وعشرين عاماً ولا زالت على رأس عملها:

  • تنازلي عن سعيكِ لتحقيق الكمال في كلّ شيء. فلا تحاولي أن تكوني أمّا وزوجة وربّة منزل وموظفة ومديرة وقائدة مثالية. إن التوفيق بين كلّ هذه الأدوار ليس مستحيلاً، ولكن محاولة الوصول للكمال في كل شيء سيكون ضريبتها صحّتكِ أنتِ.
  • لا تتبنّي فكر بعض المدارس النسوية المتطرّفة التي تعتبر أنّ المرأة العاملة هي فقط من لها دور وقيمة في المجتمع. لا تصدّقي هذا الهراء… فقيمتكِ لا تنبع من خروجكِ للعمل فقط؛ أنتِ عظيمة سواء عملتِ أو لم تعملي. فكونكِ أمّ وربّة منزل، ومربّية أجيال هو بحدّ ذاته دورٌ عظيم. كيف لا؟ و”الأمّ التي تهزّ السرير بيمينها تهزّ العالم بيسارها.”
  • كوني على ثقة أنكِ قادرة دوماً على العطاء والإبداع والإنتاج سواء خارج البيت أو داخله. فآمني بنفسكِ وبقدراتكِ واتركي بصمتكِ أينما كنتِ.
  • أعطِ قيمة لذاتكِ، أحبّيها بلا أنانية. ولا تنسي نفسكِ في خضمّ تلبية رغبات الآخرين وإرضائهم.
  • على الرغم من أن تلبية الاحتياجات الماديّة ضرورية، لكن لا تجعلي التكلفة النفسية أكبر بكثير بحيث لا يمكن لراتبكِ أو دخلكِ أن يعوّضها. فحاولي قدر المستطاع تحقيق التوازن. 
  • لا تبخلي بلحظات هدوء تخلقيها لنفسكِ ولأسرتكِ في وسط زوبعة المهمّات، خذي قسطاً من الراحة؛ فالرعاية الذاتية حقّ لا تتنازلي عنه.
  • لقد أنعمَ الله عليكِ بقدراتٍ عديدة، فلا تهدري طاقتكِ في المكان الخاطئ. رتّبي أولوياتكِ، تعلّمي أن تكوني حازمة عندما يلزم الأمر، وتعلّمي قول ” لا “.
  • ليكن وقتكِ مع أطفالكِ وقتاً غنيّاً نوعيّاً وليس كميّا، يعوّضهم عن ساعات الغياب التي تقضيها في العمل. امنحي أولادكِ وقتاً نوعيّاً قدر الإمكان، أشبعيهم حبّاً وحناناً واخلقي ذكريات لا تُنسى من اللحظات الثمينة التي تقضونها معاً.
  • اعملي ما تحبّي، لتحبّي ما تعملي. اعرفي ما هي رسالتكِ في الحياة واسعي جاهدةً لتحقيقها بالاستعانة بالله. هكذا يصبح عملكِ رسالة ومتعة وليس مصدراً لدرّ الدخل فقط.
  • وأخيراً عزيزتي، كوني لنفسكِ كلّ شيء… كوني نوراً، نوراً لنفسكِ أولاً، وتذكّري قول أحد العظماء: 

” لا يمكنك أن تنير العالم ما لم تكن نوراً لنفسك. أضواء العالم لا تعنيكَ بتاتاً إن كنت منطفئاً من الداخل. لا تكترث بأنوار الآخرين وتنسى أن تنير عتمتك… ابحث عن شرارتك الخاصة وكلّ ما حولك سيضيء”.