بقلم ماتيلدا توما

من منا يطيب نومه دون أحلام سعيدة؟ فنحن مخلوقات تعيش على حلم، وأمل ورجاء. جميعنا من الطفل الرضيع إلى الرجل المسن نحلم ونرجو وننتظر…ننتظر الساعة التالية …ننتظر الغد ..ننتظر السنة القادمة… جميعنا رجونا أن تكون السنة الحالية سنة سعيدة مليئة بالخيرات والبركات…وكلنا بغض النظر عن ظروفنا وتفاصيل حياتنا نرجو أن تكون السنة القادمة أفضل وأجمل. ووسط كل هذا الحنين للغد الذي نرجو أن يحمل الخير والوعود والآمال، قد نفقد التمتع باللحظة الحاضرة.

لقد عرف يسوع – بعلمه المسبق كإله متجسد – أنه سوف يُصلب يوما ما…لكنه لم يعش حياة بائسة حزينة منتظراً لحظة مواجهة الموت، بل استمتع بكل لحظة، مصلياً في البراري، ومعلماً الجموع، وشافياً الامراض، ومشاركاً الاخرين أفراحهم وأحزانهم. فنراه يحضر عرس قانا و يسير في جنازة ابن ارملة نايين.

لم يدع يسوع ظلمة لحظة الصليب الآتية تهيمن على حاضره بل اختار أن يرسم أيامه بريشة الفرح ويُلون حاضره بألوان النور.

في سفر الامثال والإصحاح الثالث عشر يذكر الكتاب المقدس “ان الرَّجَاءُ الْمُمَاطَلُ يُمْرِضُ الْقَلْبَ”. قد نشعر بتعب نفسي واحباط شديد كلما عشنا على أمل أن يأتي الغد ليُغير اليوم … على أمل أن يتم ذلك الأمر وتحل تلك المشكلة ويتحقق ذلك الحلم…

وأتساءل: متى سنُبصر اليوم بكل تحدياته وانجازاته ايضاً؟ متى سنحتفل بما تحقق اليوم وبما نحياه الان؟ الم يكن اليوم مستقبل أمس؟ ألم ننتظر أمس مجيئ اليوم؟ وماذا فعلنا عندما جاء اليوم؟ لماذا لا نقف للحظات في محطة الحاضر لنتأمل ونفكر ونهدأ؟ اليس الحاضر بكل ما فيه من تفاصيل، جديراً بالاحتفال؟ أليست نعمة الحياة بحد ذاتها عطية يومية تستحق الفرح؟

أشجعك عزيزتي القارئة أن تأخذي اليوم وقتاً في صمت ذهني لتأمُل الحاضر. لا تفكري في الماضي ولا تنتظري الغد، بل تأملي في ما تحييه اليوم من حاضر ملموس! قد لا تكون جميع الأمور على ما يرام ولكني متأكدة جداً من أن بعض ما تحييه اليوم ، كان في الأمس حلماً وربما مستحيلاً…

ونحن على أبواب سنة جديدة، دعونا لا نركز فقط على لائحة أمنيات السنة القادمة وكل الوعود التي لم تتحقق بعد وكل الاهداف التي لم نصلها بعد ، بل لنحتفل بما قد تم وبما تحقق بالفعل! دعونا نحتفل بالحياة التي سمحت لنا أن نعيش ما رجوناه ونرى ما انتظرناه.