بقلم غريس الزغبي
كانت يداه مقيّدة وحريّته مأسورة عندما شجّع أهل فيليبي أن “يفرحوا في الرب دوماً” (فيليبي 4: 4)، بولس الرسول كان في سجن مظلم، ولكن ثقته لم تكن مهزوزة في إلهه الحي، إلهه الذي يحوّل كل ضيقة إلى فرصة للابتهاج. يصعب علي أن أتخيّل تسليم بولس الكامل لله وثقته به ولا سيما وهو في أحلك الظروف! بلا شكّ، إن الفرح لهو عطية من الله، نعمة وبركة وقوة من لدنه ولا سيما في الظروف التي يصعب علينا أن نفرح فيها، في أتون النار كالفتية الثلاثة وفي جبّ الأسود كدانيال، في بطن الحوت كيونان وفي سجن مظلم كبولس، أو في أية ظروف صعبة مهما كانت قد تمر فيها النفس البشرية! إنّ إيمان الرسول بولس في الله قاده أن يختار أن يفرح في الرب في كل الظروف وأن يشجّع من حوله أن يتمثّلوا به.
لطالما اختبرتُ قوة الله في حياتي وهكذا نمت ثقتي في شخصه ويقيني بأنه إله التعويضات. إنّ الكتاب المقدس، وحده من بين جميع الكتب، هو الذي يشجعنا بوعود إلهية بأن الله –وإن كان يسمح لنا أن نمرّ بالضيقات- إلّا أنه قادر أن يعوّضنا وفي وقته عن الأيام والسنين العصيبة والأليمة، بل ويأخذنا خطوة أبعد من ذلك، إذ نقرأ في سفر المزامير أن “الَّذِينَ يَزْرَعُونَ بِالدُّمُوعِ يَحْصُدُونَ بِالابْتِهَاجِ. الذَّاهِبُ ذَهَابًا بِالْبُكَاءِ حَامِلاً مِبْذَرَ الزَّرْعِ، مَجِيئًا يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ حَامِلاً حُزَمَهُ.” (مزمور 126: 5-6)
لنا إذا هذا التشجيع أن الله لا يضيع أي أمر، ولا يحصي “دموعنا في زق” (مزمور 56: 8 ) فقط، بل يعطينا رداء تسبيح عوضاًعن النواح وجمال بدل الرماد (إشعياء 61: 3 ). إنه بالفعل إله البدايات الجديدة والإله الذي يغيّر ويبدّد كل ظلام فيشرق بنوره على حياتنا. فقط يسوع هو من يستطيع أن يحقق لنا هذا الفرح في شخصه، أن نفرح بالحياة الأفضل التي أعطانا إياها على الأرض وبالحياة الأبدية التي وعدنا بها، أن نفرح بسلامه ونعمته وتعزيته وسط المشقّات. إنّه أمر نتدرّب عليه كلّ يوم، ونطلب معونة ونعمة من الله حتى يسير أمامنا ووجهه يتقدّمنا في كلّ مكان وزمان.
ولعلّ التحدّي الأكبر لنا هو أن نفرح في أيام الجفاف والقحط، وفي ليالي الفقر والضعف، في الأوقات التي لا يزهر التين فيها ولا تثمر الحقول، ولكن كما اختار النبي حبقوق أن يفرح ويبتهج بإله خلاصه، إله المعجزات، الإله الذي يشق طريقا في البحار، ويشبع جوعنا ويسدّ عوزنا ويقوينا من ضعفنا ويكثّر حنطتنا ويقود خطواتنا ويرفع عيوننا نحوه، فيا حبّذا لو يكون هذا اختيارنا أيضا. فمشيئة الله لنا أن نفرح فيه قبل أي أمر آخر، إذ شجّع يسوع تلاميذه قائلا لهم: ” كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُم.” (يوحنا 15: 11) فالذي حول الماء في عرس قانا الجليل إلى خمر الأفراح، يريد بل ويستطيع أن يحوّل كل حزن إلى فرح في حياتنا. ثق به وسلّم له كل أموركّ.
فرحت حنة بالرب عندما أعطاها ابناً سمّته صموئيل بعد أن كانت عاقراً، سكبت نفسها أمام الرب وأصغى الرب إلى صراخها وحوّل روح حزنها إلى فرح بعد أن كانت مرّة النفس. نسمعها تقول بانتصار في 1 صموئيل 2:: «فَرِحَ قَلْبِي بِالرَّبِّ. ارْتَفَعَ قَرْنِي بِالرَّبِّ. اتَّسَعَ فَمِي عَلَى أَعْدَائِي، لأَنِّي قَدِ ابْتَهَجْتُ بِخَلاَصِكَ. لَيْسَ قُدُّوسٌ مِثْلَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَكَ، وَلَيْسَ صَخْرَةٌ مِثْلَ إِلهِنَا.” اختبرت حنّة يقيناً أن الرب هو مصدر الفرح، وهو الذي يرفع ويشدّد ويعضد. ما الذي تطلبه من الرب؟ ما هي صلاتك أمامه؟ ما هو الحزن الذي تريد أن يستبدله بفرح في حياتك؟
الأمر يبدأ بصلاة صغيرة من القلب: “أيها الرب يسوع، املأ قلبي أفراح، علّمني أن أثق بك وأفرح بك في كل حين وأن أختبر في حياتي فرح لا ينطق به ومجيد، فرح يغمر دُنيتي وكياني وكل ما لديّ. أشكرك يا يسوع، لأنّ فرحك أعظم من أي فرح في العالم، وأنه الفرح الذي يبقى في عالم يتغير ويتدهور كل يوم. ذكّرني كل يوم أنّك الإله الذي لا يخزى منتظريه! أمين.”