بقلم د. كرستين دكور

مستشارة فردية، زوجية وعائلية ومعالجة في طب الاعشاب والأروماترابيا

“كيف أمضيتن فترة الحجر الصحي؟” سألت متحمّسة، في لقاء لمجموعة من النساء اجتمعن في دورة عن الأكل العاطفي.  “أجمل عطلة” أجابت إحداهن، بينما امتقع وجه الشابة الجالسة إلى جانبها بشكل ملفت للأنظار. نظرتُ إليها مستفسرة، فقالت بصوت خافت: “كدت أصل للطّلاق”.  خيّم الصمت على الغرفة، كان هدوءً مشحونًا ومتوتّرًا، وإن نظرت إلى العيون لوجدت بعضها تائهًا وبعضها منحنيًا وبعضها حائرًا. وخلال لحظات عمّ الضّجيج المكان، وأخذت النساء بتبادل الحديث عن الصعوبات التي واجهتها كلّ منهن مع أولادهنّ وأزواجهن أحيانًا حملت كلماتهن غضبًا وألمًا وأحيانًا سخرية وضحكًا،  وشرّ البليّة ما يضحك.

لم تكن فترة الحجر الصحي فترة جيّدة للجميع، كانت فترة تحدّي للكثير من العلاقات الزوجية والعائلية على حدّ سواء. كانت فترة كشفت ما حاولت الحياة الصاخبة تجنب التداول فيه بل وإخفائه عن الأنظار. استطاع الموقف أن يكشف عن العيوب الصغيرة والمتخفيةّ في العلاقات الزوجية، وصعوبات الأولاد التي حاول الأهل تجاهلها، وتحديّات المراهقين التي لم يعرف عنها الوالدين من قبل.

هذه الفترة التي اضطر فيها أفراد الأسرة على التواجد معًا كل ساعات الليل والنهار، محصورون في نفس الحيّز، يحاولون ممارسة حياة طبيعية، كانت للكثير من العائلات عبارة عن فترة تتصادم فيها الرغبات والاحتياجات، تختلف الآراء حول ما يحدث وكيفية التعامل مع الظروف، فترة زاد فيها الشجار حول مسؤوليات المنزل والأولاد، وتفاقم الشعور بالإحباط. فترة سلّطت الأضواء على الجوانب المظلمة والضعيفة في العلاقات. وإن تواجد الأولاد الصغار أو المراهقين زاد الوضع سوءً. حتى لأكثر الزيجات نجاحًا، سبّب الأمر توتّرًا وتصادمًا وفي بعض الأحيان لجأ البعض إلى فكرة الطلاق.

والسؤال هو، كيف يمكن لهذه الأزمة أن تعبر بنجاح؟

أولاً التواصل إذ أن التواصل، بحسب رأيي، هو المصدر الأول للمشاكل الزوجيّة والعائلية، وأصل مشاكل معظم العلاقات. والتواصل يعني القدرة على التعبير عن الأفكار والمشاعر والقدرة على الإصغاء وفهم الآخر، وأيضًا يعني التعاطف والاحتواء، حتى عندما يكون هناك اختلاف في وجهات النظر. إن التواصل مهارة، لو كشفت فترة الكورونا وجود مشكلة فيها، علينا استهدافها والتمرّن على ممارستها بشكل صحي.

ثانيًا الحفاظ على مساحة في الحياة اليومية، هناك أوقات يكون كل فرد فيها منفصل عن الأخر، الوالدين في العمل، الأولاد في المدرسة. وجود جميع أفراد العائلة معًا لساعات طويلة يزيد الاحتكاك والتوتّر بين الزوجين، الإخوة، الأهل والأولاد.  لهذا السبب من المهم الحفاظ على أوقات شخصيّة يختار فيها كل فرد بأن يقوم بما يناسبه دون مشاركة الآخرين.

ثالثًا تنظيم الوقت بحيث تكون هناك أوقات عائلية مشتركة وأوقات فردية.  إن لم يكن للفرد ما يشغله سيحاول أن يشغل نفسه بأمور غيره.  فإن شعر الطفل بالملل، سيحاول أن يزعج أخيه ليحصل على الاهتمام حتى لو كان من خلال التوبيخ.

رابعًا توزيع المهماّت المنزليّة.  هناك مثل عربي يقول: “إلّي أوّله شرط آخره سلامة”.  توزيع المهمات والتزام جميع الأطراف بالقيام بها يستطيع أن يمنع الكثير من الاحتكاك السلبي والتوتر. بإمكان أفراد العائلة الاشتراك في كتابة برنامج أسبوعي عن كل المهام المطلوبة في المنزل وتعيين من يقوم بكل منها، بحيث يكون كل فرد مسؤولًا عن مهمّة مناسبة لمقدراته. عندما نشترك في تخطيط أمر ما سيكون من الأسهل علينا الالتزام في تطبيقه.

خامسًا اعتبار هذه الفترة هديّة مميزة، تساعدنا للنموّ والنضوج. فإن كشفت عن نقاط الضعف في العلاقات، فإنّها عمليًا تدعونا للتدخّل والعلاج والتغيير، إذ أنّ الله يكشف لكي يشفي.  الاعتراف بنقاط الضعف، وكشف الصعوبات أمام الله، والسماح له بالتدخل للتصحيح والتعديل سيعطي كل عائلة فرصة للقفز إلى مستوى أعلى من النضوج الشخصي والعائلي.

سادسًا طلب المساعدة. يستخدم الله الناس لشفاء الناس مما سبّبه لهم النّاس. أي أن الله يستخدم أناس لشفاء المشاعر التي سبّبها أناس آخرين في حياتنا. من خلال المشورة بإمكان الشخص أن يرى مشكلته من منظار شخص آخر، حياديّ، يستطيع أن يكون له كمرآة تصحح منظوره وتساعده على إيجاد الحلول الصحيحة لمشكلته.