بقلم ماري حنانيا
ما هي المشاعر المختلفة التي تمر بها نفسيتنا خلال يوم واحد؟ من الممكن ان يكون يومك جيدًا جدًا مما يشعرك بالامل و الاطمئنان, او لربما كان يومًا صعبًا او فترة صعبة تؤدي الى مشاعر سلبية و عدم راحة. نحن كأشخاص بالغين نجد التعبير عن مشاعرنا صعبًا احيانًا. هذا التعبير من الممكن ان يكون بطريقة واعية كالحديث مباشرةً عما نمر به او بطريقة لا واعية عن طريق تصرفاتنا و اسلوب حديثنا, فأحيانًا نستغرب من ردود فعلنا في مواقف مغينة و ذلك يكون نتيجة لمشاعر دفينة لم يتم التعبير عنها بالطريقة السليمة و المباشرة. الطريقة تتعلق بشخصياتنا المختلفة, ردود فعل اكتسبناها من خلال تربيتنا و تعتمد ايضًا على ما تعلمناه كأطفال عن اهمية مشاعرنا.
كل طفل يولد مع خليط مبهم من المشاعر: الخوف, الغضب, الاكتفاء و غيرها, و مع مرور الوقت يزداد التنوع في المشاعر على اشكالها. الشخصيات المركزية في حياة الطفل تلعب دورًا هامًا في جعل هذه المشاعر مفهومة و شرعية لدى الطفل نفسه عن طريق احتوائها و تقبلها مما يخلق جوًا مريحًا للطفل لتكوين ذاته.الطفل يحتاج الى اهله كوسيطين بينه و بين كتلة المشاعر المبهمة, و هذا يستمر لغالبية فترة الطفولة بالذات و حياته بشكل عام, فعندما يبكي الطفل في مراحله الاولى على الاهل ان يعكسون له مشاعره “انت تشعر بالبرد…بالجوع…” و ما شابه, و كلما ازداد قاموس المشاعر كلما عكسنا له امورًا مختلفة. هذه احد الاحتياجات النفسية الاساسية لتكوين الذات و هي ان يكون الاهل كمرآة للطفل, يعكسون له من هو و ما هو باعينهم مما يخلق لديه قيمة و رؤية للذات , سلبية كانت ام ايجابية بحسب نظرة الاهل له.
بعد آخر مهم في تكوين الذات هو “التوأمة” فالطفل يحتاج ان يشعر بان هنالك احد يشبهه و يشعر بنفس مشاعره و يفهمه. اطفالنا يبحثون عن ذلك عن طريق تقليدنا ببعض الامور احيانًا او بطلبهم منا بان نفعل ما يفعلون و نشاركهم باللعب على سبيل المثال. احتياج آخر مهم جدًا هو وجود شخص يستطيع الطفل ان يتمثل به و بشكل عام يكونون الاهل هم المثال الاعلى و القدوة لاطفالهم, فينظر الطفل لاهله على انهم ابطاله و ان لديهم قدرة مطلقة على القيام بامور مختلفة. هذه الاحتياجات الثلاث (الاهل كمرآة, التوأمة و المثال الاعلى) تلعب دورًا هامًا في تكوين الذات و تلبيتها للطفل بالكمية المناسنة له تؤدي لتكوين الذات بطريقة صحية.
بحسب هذه نظرية الذات Kohut, 1960)) فاننا كأهل نستطيع التأثير على اطفالنا بطريقة كبيرة و وجودنا بحياتهم و انخراطنا فيها هو امر مركزي في تكوين شخصيتهن. تلبية الاحتياجات الاساسية تساعد الطفل في التعبير عن ذاته و عن مشاعره.
في ايامنا هذه نحن نمر بازمة صعبة بين شعبين متنافرين و مختلفين و اللتي تحمل في ثناياها المًا, حزنًا و غضبًا شديدًا. كأشخاص بالغين نحن نفرغ عن هذه المشاعر عن طريق الحديث, الكتابة و المشاركة مع الغير, لكن للاطفال اساليب تختلف عنا. فبعض الاطفال يصبحون عنيفين بشكل كبير و اخرون يميلون للهدوء و الانطوائية و كل سلوك اخر ممكن ان يكون نتيجة للمشاعر التي لم يعرف الطفل كيكفية التعبير عنها.
هنالك بعض النصائح التي يمكن ان تساعد في تطبيق النظرية بشكل عملي:
- تخصيص وقت معين خلال اليوم للاطفال لنتحدث او نلعب معهم بحسب ما يتناسب مع اجيالهم (سرد قصة قبل النوم, الحديث عن ما دار في المدرسة و ما شابه).
- فتح المجال للاسئلة عن امور مركبة في الحياة مثل الوضع الراهن. الحديث عما يشعر به الطفل عن طريق الرسم او اللعب في الاجيال الصغيرة حتى صف ثالث و في الاجيال الاكبر التركيز على الحوار, ماذا تشعر؟ بماذا فكرت عند شعورك بالخوق او الغضب؟ و ماذا فعلت حيال ذلك؟ هذه النقاط الثلاث الاساسية (الشعور, الفكر و رد الفعل او التصرف) يجب التركيز عليها خلال الحوار.
- استخدام سرد القصص في شتى المواضيع التي تثير اسئلة عند الاطفال و تؤدي الى حوار يفتح المجال للتعبير عن المشاعر.
التربية هي امر مركب و فيه اللحظات الجميلة و الممتعة و لحظات اخرى فيها صعوبة و تحدي. على الاهل تذويت اهميتهم في حياة طفلهم مما يجعل مسؤوليتهم اتجاهه تزيد و تثمر فيه طفلًا سليمًا و متوازنًا في مجالات الحياة المختلفة. المهمة ليست بسهلة و هي مسؤولية كبيرة و امانة اعطانا اياها الله لنحافظ عليها. من المفهوم اننا ايضًا كبشر لن نكون دائمًا المثال الافضل او نتصرف بمثالية مع اطفالنا و هذا امر شرعي, و لكن من المهم ان يكون اسلوبنا بشكل عام اسلوبًا مناسبًا و الاخطاء البسيطة تثبت فقط كوننا بشر و اننا نحتاج الله على الدوام ليعيننا و يساعدنا في تربية اولادنا كما في امور غيرها في حياتنا.