بقلم منال سمور زرّوق.

لطالما كنت أم وزوجة وربة بيت، أعتني بعائلتي وأرعاهم وأُقدم لهم معظم لا بل كل وقتي. ولكن كان بداخلي شعور دائم بأنني أكثر من ذلك، وبأنني كامرأة لابد أن يكون لي دور فعّال في المجتمع. لجأت إلى الرب بصلاة وبكاء لكي يُغيّر من حياتي ويفتح عيوني للخطة التي أعدها لي، وكعادة الرب في استجابة صلواتنا، التحقت بكلية بيت لحم للكتاب المقدس للدراسة، وخلال دراستي هناك تغيرت حياتي تغيّراً جذرياً على جميع الأصعدة الروحية والاجتماعية.

لكن كان هناك سؤال يراودني دائماً، ماذا عساي أن أفعل بعد التخرج؟ هل سأجد عملاً؟ لأن كل أفكاري في تلك الفترة كانت محصورة في الجانب المادي، فلا بد من العمل للحصول على مدخول مادي يعود بالنفع على عائلتي. وبالفعل فور تخرجي من الكلية حصلت على وظيفة…

أنا معلمة في مدرسة لبطيئين التعلم، أي الأطفال الذين يعانون من تأخر دراسي أو صعوبة في القراءة أو الرياضيات، وهذه الصعوبات منتشرة بين الطلاب في المدارس، إلا أن معرفتها وتمييزها قليلة وصعبة. هؤلاء الطلاب يعانون من تجنب واحتقار من قبل المدرسة والمعلمين وزملاءهم، بالإضافة إلى عدم وعي الأهل لهم ولمشاكلهم، فهم ينعتون بالأغبياء أو الكسالى، وهذا يسبب لهم عدم ثقة بالنفس وإحباط شديد وانكسار، مما يجعلهم يكرهون الحياة ويشعرون بالفشل الدائم.

عندما بدأت في التعليم بهذا المجال، أدركت ما هي الخطة الإلهية وما هي خدمتي كإنسانة وأم وامرأة مؤمنة في خدمة هؤلاء الأطفال، وما هو الهدف من اختياري من قبل الله لهذه المهنة بالتحديد التي ممكن أن تظهر للبعض بأنها وظيفة عادية يمكن لأي فرد أن يحصل عليها ويعمل بها. لكنني رأيت العكس، فالعمل في هذا المجال يحتاج إلى تضحية وتفاني ومحبة، فعلينا محبة هؤلاء الطلاب، والاقتراب منهم والتفاني في خدمتهم واكتشاف مفتاح مشاكلهم وتخطي كل العقبات التي يواجهونها من صعوبات دراسية، وإهمال الأهل لهم، ورفض المجتمع لهم، وإرجاع ثقتهم بنفسهم، وإرجاعهم للمجتمع ولمدارسهم بشكل أقوى وأكبر، وخلق فيهم إنسان جديد ناجح واثق من نفسه، متفاءل لديه الكثير ليعطيه لنفسه ولأهله ولمجتمعه. عندها فقط ستشعر بعظمة ما تفعل وتكون فخوراً جداً بهذا النجاح الذي هو دعوة من الله للاهتمام بهؤلاء الضعفاء.

هم أطفال عاديون لا ينقصهم سوى أن يعاملوا بطريقة خاصة وأسلوب جديد لا يوجد في المدارس العادية، كاستخدام أساليب دراسية تساعدهم على الفهم والحفظ بطرق مُبتكرة ووسائل تُناسبهم وتتناسب مع مشاكلهم من صعوبات في القراءة وغيرها. وهذه مشاكل متعارف عليها في الغرب وهناك مدارس متخصصة لتلك الفئة، ولكن للأسف نحن في مجتمعنا لا يوجد لدينا فكرة عن تلك الصعوبات سواء في المدارس أو بين الأهل والمجتمع. لذلك أنا فخورة جدا لأن الله رتب لي هذه الخدمة التي اعتبرها بلسم لروحي، فعندما أرى نجاح طالب وتقدم آخر، أشعر بفرح الأم وفرح الرب بنجاح هؤلاء الطلاب.

أؤمن بأن العمل ليس فقط بالكلام والوعظ والوقوف على المنابر وإشهار الذات بل يمكن أن تخدمي في المجال الذي أعده الرب لكِ، فهو يعرف مواهبكِ وقدراتكِ التي من خلالها تستطيعين أن تقدمي الكثير. لطالما كرهت مهنة التعليم ولم أتصور يوماً أن أكون معلمة، لكن خطة الله كانت أعظم وترتيبه الأنسب، فهو ساعدني لان أرى نفسي بشكلٍ آخر، وأن أحب الطلاب وأتعامل معهم بمحبة، محبة المسيح.