غزة: من رماد الحرب إلى أمل الميلاد
بقلم المحامية هناء ترزي
غزة، الطفلة المدللة، المميزة بناسها وعلومها وثقافتها، بجامعاتها ومدارسها، بأسواقها وشوارعها. لم يرتح جسد غزة من الضربات المتواصلة على مدار سنوات، وآخرها كان الأشد، حيث تركت تنزف بلا دواء ولا شفاء، جريحة بلا علاج.
اليوم، نحن نعيش في حرب استنزاف صعبة وطويلة، مضى عليها أكثر من عام، حرب حرقت الأخضر واليابس وأكلت النيران المدينة بأكملها. أصبحنا بلا مأوى، وكل ما نملك ذهب في مهب الريح. فقدنا ممتلكاتنا وأمننا وسلامنا وذكرياتنا، نصارع الموت في كل ثانية، ونتكبد خسائر يومية تلاحقنا، حيث نفقد أهلنا وأصدقاءنا وأحباءنا.
هروب ونزوح من مكان إلى آخر، تشتت أسر، وضغط عقلي ونفسي ومادي. نعيش فقرًا مدقعًا ومجاعة مرعبة، وأمراضًا منتشرة وفقدانًا لكل مقومات الحياة. صرخات الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، لم تُسمع، تركنا وحدنا في المحرقة، نناجي الله، وفي ظله ورعايته، نحيا.
ما أصعب أن تكون وحيدًا، تصارع الموت والجوع والعطش، وتمضي الأيام وأنت تأكل القليل من الطعام، تتقاسمه مع أفراد أسرتك، صابرًا راضيًا شاكرًا الله على نعمه.
بكل تجارب حياتي الصعبة، لم تمر عليّ شدة قاسية كالتعايش مع تفاصيل الحرب المؤلمة. نعم، أنا خائفة، وخائفة جدًا، وأعترف بذلك بصدق. الخوف من الفقدان هو أصعب ما يمكن أن أعيشه. فقدان أهلي وأحبائي أمام عيني، أو فقدان عضو من جسدي، أو الإصابة بجروح خطيرة في ظل غياب العناية الطبية، هو شعور مرعب.
الخوف ليس فقط من الموت، بل أيضًا من فقدان الأطفال أثناء النزوح أو عجز كبار السن عن السير، فيستسلموا للقدر، مما يزيد من عذابي النفسي. الفقدان يعني أن تبقى تحت الركام لساعات طويلة دون أي وسائل إنقاذ، حتى تصعد الأرواح الطاهرة إلى بارئها. هذا الشعور مميت، والترقب وانتظار حدوثه مرهق، لأننا نعيشه يوميًا.
ومع ذلك، فإن الإيمان والصوم والالتزام بالكنيسة يمنحني السلام النفسي. الله يقف إلى جانب المتألمين، ووسط مآسي العالم، يرانا. محبة الله هي ملجأ لنا في أوقات الصراع.
كما ورد في يوحنا 3: 16: “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية”. محبة الله لا تتزعزع، وهي توفر الراحة والأمل بأننا سننجو في ظل رحمته.
في هذه الأوقات القاسية، وباقتراب عيد الميلاد المجيد مع جرح غزة الغائر، أرى في ميلاد السيد المسيح نورًا ورجاءً وخلاصًا.
يأتي عيد الميلاد وسط عالم مليء بالاضطرابات والأزمات، وأنا مؤمنة بأن الحرب ستنتهي. الميلاد يحمل الأمل والرجاء، ويدعونا للانتقال من أرض الموت إلى أرض تفيض حبًا وسلامًا.
ثقتي بالله كبيرة بأن جميع الأوجاع ستنتهي، فالله يعمل لصنع السلام. الميلاد يمنح قلبي القوة بأن الظلام وفقدان الرجاء لا وجود لهما، ومن وسط الأزمات سيبزغ شعاع النور، مهما كانت حياتنا معقدة.
وسط زحمة النكبات والحزن والأزمات، يبقى الأمل بولادة يسوع المسيح ليزهر في نفوسنا التفاؤل بعد المخاض والألم. ميلاد عظيم للبشرية ولأرواحنا المتعطشة للفرح.
ليكن نور المغارة ودفء المذود شعاعًا مقدسًا نستمد منه القوة والإيمان، ولنعلم أن الأمل ما زال حيًا في قلوبنا، وأن السلام سيحل ويعم علينا في أرض السلام. سلام لقلوبكم وقلوبنا آتٍ باسم يسوع له المجد.