بقلم الهام نيسان
ألعل السؤال مُكرر أم مَنقول أم تُراه  ضًرورة ؟
هل هو سؤال شًك أم إيمان؟
أيقودنا لإجابة جازمة أم فيها شكوك؟
الله خالق البشرية جمعاء خلقها على صورته ومثاله ميًز كلٌ واحد فيها ميزة الأب لأبنائه أعطى فرصة الحياة وحرية الإختيار منح الحب اللامحدود وأعطى الخلاص الأبدي الممدود.
فأصل البشر كان من آدم وحواء حين أعطاهما الله الحرية المطلقة للتنعم بجنة عدن والعيش بسلام، لكن من لحظة السلام هذه  بدأت الحكاية بدأت من روح الشر الشيطانية التي استمالت وأغوّت حواء فانحرفت ثم سقطت وأسقطت بدورها آدم  بخطيئة أصلية عقابها الموت، فحين انفتحت أعينهما أخرجا من جنة عدن لتبدأ رحلة الحياة الجديدة من الشقاء والتعب والعناء بعد استغلالهم حريتهم الممنوحة بعصيانهم كلمة الله ووقوعهم بالخطيئة وشقاءها. 
وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: “هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفًا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَالآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضًا وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَد”.
فمنذ الخطيئة الأولى والأرض تتمخض والإنسان يصرخ من ألمه وحزنه وشقاءه فمخاضها لا يتوقف وصراخه لا يهدأ. فحياة البشر فيها من الأمراض ما يكفي وصرخات الألم ما يُنهك، فيها حروبات تشتد وقتلى تسقط، فيها الجحود والكراهية وغياب الضمير. ناهيك عن ألم المشاعر الإنسانية، كالحرمان والفقد والتقصير والخسارة فبعض الأفراد تَعتصر روحها من تلك المشاعر المؤلمة.
لكن ومن الطبيعي أن الانسان في أي وقت وأي زمان وخلال مشوار حياته يتعرض للكثير من التجارب والأزمات فمنها الصعبة والمؤلمة ومنها  السعيدة والمبهجة، إذ كلمة تجربة لوحدها ذكرت 16 مرة في الكتاب المقدس اذ جاء معناها الاغراء عن الخطيئة وارتكاب الاثم، فالشيطان مجرٍب “فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا».” (مت 4: 3) فالتجارب قائمة والانسان حي فالتجربة لا تتوقف عن عملها اذ مرت بالمسيح كما مرت بأيوب البار “لأَنَّهُ يَعْرِفُ طَرِيقِي. إِذَا جَرَّبَنِي أَخْرُجُ كَالذَّهَبِ.” (أي 23: 10) ومرت بالأنبياء كداوود وها هي التجربة تختبر الإنسان في كل مرة محاولة إسقاطه لتؤلمه فإما أن يضعف ويسقط أو يثبت بإيمانه وينتصر.
 فالمؤمن يُجرًب ويتعرض للألم، لكن تعزية الرب حاضرة «أَمِينٌ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُثَبِّتُكُمْ وَيَحْفَظُكُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ» (2تسالونيكي 3: 3)
فالالم يعيد للنفس الميتة  الحياة  الروحية بحرارتها وولادتها من جديد بعد أن ماتت وأحياها من جديد. يد الله هي التي تنجي وتنقذ وترفع من كل تجربة وضيق، وليكن لنا قلب منكسر أمامه لانه أبانا حافظنا وراعينا وموجهنا والقابل محدوديتنا الذي يعيدنا الى الحظيرة بعد ألم سقطتنا.
 فخير مثال على الألم الحقيقي والرجاء بالرب نراه في الكتاب المقدس لنعمي (نعمة) وكنتها راعوث (الجميلة).
فنعمي امرأة مؤابية عاشت في زمن القضاة متزوجة ولها إبنان متزوجان من بنات أمميات هن راعوث وعرفة، بدأت رحلة الألم في حياة نعمي حين فقدت زوجها ولم تلبث أن تعِ ما حصل من فقدان حتى فجعت بفقدان ابنيها، فألمها وحسرتها ومرارة قلبها كان فوق احتمالها، لكنها صمدت بإيمانها وبثقتها بالله حتى  اضطرت للعودة لبلدها وشعبها مع راعوث كنتها التي أبت إلا ان تلتصق بنعمي لتعود معها من فرط محبتها  قائلة لها:  “شعبك شعبي والهك الهي”. فراعوث بإخلاصها لم تترك نعمي وحدها في حسرتها. فعندما استقبلت النساء نعمي َقَالَتْ لَهُمْ: «لاَ تَدْعُونِي نُعْمِيَ بَلِ ادْعُونِي مُرَّةَ، لأَنَّ الْقَدِيرَ قَدْ أَمَرَّنِي جِدًّا.” را 1:  20
برغم ألمها الفظيع  وما آلت إليه حالها من سقم ووجع إلا أنها استمرت بالشكر لله وبمحبتها الفائضة محاولةً تخطي الحزن بصمت. فهي  شديدة الدعوة بالخير والإيمان لراعوث فقد كانت أُمنيتها الخير لراعوث من خلال تكرار كلامها: “ليكن الناظر اليك مباركا”، و”مبارك الله الذي ينظر اليك”.
 تحتم محبتها لراعوث أن نراها في مشهد آخر، مشهد بتدبير روحي بإرشاد الله طمعاً بتزويج راعوث لبوعز قريبها صاحب الحقل الذي عملت عنده راعوث “الا التمس لك راحة يا ابنتي.”  فرحت نعمي بمحبة بوعز وراعوث حتى النساء فرحن معها مباركات قائلات: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ الَّذِي لَمْ يُعْدِمْكِ وَلِيًّا الْيَوْمَ لِكَيْ يُدْعَى اسْمُهُ فِي إِسْرَائِيلَ.” فانجبت راعوث ابنا دعيً عوبيد والد يسى والد الملك داوود فهي حلقة في سلسلة نسب المسيح. بهذه الصورة الموثقة فرحت قلوب امرأة كانت ثكلى متألمة. 
فقصة نعمي وراعوث الصابرات المؤمنات هي خير مثال عن حياة فيها ألم وشقاء وظلام وتعب خرج منها رسالة محبة ونور، فكلتاهما تتشاركان في المحبة الإلهية الخالصة وتسليمهم الحياة للرب والثقة بأن كل ضيقة يليها فرج ومكافأة ونصرة.
رسالتي لكِ أن نتمثّل ونحيا بكلمات الكتاب المقدس لتكون حافزنا للاستمرارية  “َالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً،” (رو 5: 4). ولا نسمح للشك أن يتسلل لاعماقنا بل نثق بوعد الله لنا،  “وَالرَّبُّ سَائِرٌ أَمَامَكَ. هُوَ يَكُونُ مَعَكَ. لاَ يُهْمِلُكَ وَلاَ يَتْرُكُكَ. لاَ تَخَفْ وَلاَ تَرْتَعِبْ».” (تث 31: 8)
لنكن على يقين أن الله لا يغلق  باباً إلا وسخَّر آخر مفتوحاَ، ولا تَحلك الظلمة إلا والنور طاردها.
فلنعش واقعنا بإيمان حتى وإن امتزج بالألم واثقين بأن الضيق هو صقل لأرواحنا ونمو لذواتنا وتثبيت لإيماننا وقوة لرجاءنا بربنا يسوع المسيح الحنًان الرحيم طويل الروح كثير الرحمة.