بقلم غادة بنورة رشماوي
لو كُتبت حياتنا كقصة ماذا كانت لتقول؟ إن حياة كل إنسان تحمل في طياتها تفاصيل كثيرة، ولعل كل القصص تُخبر عن صعوبات وتحديات قد واجهت وتواجه كل فرد منا، فأين اذاً نبني رجاءنا؟
يحدثنا سفر راعوث عن عائلة مكونة من أربعة أفراد، كانت تعيش في أرض الموعد في بيت لحم، ولكنها أيضا كانت تعيش في زمن صعب، إذ لم يكن هناك من يملك على الشعب بل كان كل شخص يعمل ما حَسُن في عينيه (قضاة 21: 25). فحدث في ذلك الوقت أن جوعاً أصاب الأرض فانتقلت هذه العائلة لتتغرّب في أرضٍ لا تعبد الرب. ولكن الضيق استمرّ في ملاحقة هذه العائلة، فقد مات الزوج وأبقى زوجته نُعمي في غربة أعمق. وقد يبدو لنا بأن الفرحة قد عادت لتدخل ديارهم إذ تزوج الإبنان، وربما الآن سترزق نعمي بأحفاد ليملؤوا أوقاتها. ولكن مرّت عشر سنين ولم ترزق نعمي بأي حفيد بل مات أيضا إبناها لتبقى هي وكنتاها.فسمعت نعمي بأن الرب قد افتقد شعبه وأعطاهم خبزا، فقامت لتعود مع كنتيْها عُرفة وراعوث الى أرض يهوذا، ولكنها أثناء الطريق طلبت منهما العودة إلى موطنهما. لقد ظنّت نعمي بأنها تستطيع الآن أن تمنحهما رجاءً إنْ عادتا الى موطنهما موآب، فتتزوجان مرة أخرى وتُنجبان بنيناً وتجدا الراحة. وهكذا عادت عُرفة ولكن راعوث أصرّت على البقاء مع نعمي وبل تشبثت بإله اسرائيل وبشعبه (1: 16-17). لقد تركت راعوث أهلها وأرضها وأصبحت الآن هي المتغرِّبة.بل إن العلاقة التي جمعتها الآن مع حماتها إنما علاقة عهديّة قد ربطت فيها راعوث نفسها حتى الموت بنعمي وبإله نعمي وشعبه (1: 16- 17). وقد حصل أن زمن وصولهما كان وقت الحصاد، وقت وفرة الطعام بدلا من قلتّه وكثرة الجوع، فيا له من نقيض، ويا له من توقيت!
وحالاً بادرت راعوث في السعي نحو إيجاد طعام من الحقل لإستبقاء حياة لها ولحماتها. فقد كانت الوصية الإلهيّة في ذلك الوقت تقتضي بأن يترك الحاصد في حقله بعضاً من حصاد أرضه للمسكين وللغريب (لاويين 19: 9-10)، لذلك انطلقت راعوث لإلتقاط سنابل القمح وراء من يعطف عليها. فاتفق نصيبها ليكون في حقل رجل من عائلة زوجها اسمه بوعز، والذي وجدت في عينيه نعمة لم تكن تتوقعها (2: 10). ففي المساء وعندما عادت راعوث أخبرت حماتها عن بوعز وعن لطفه وكرمه. فباركت راعوث الرب وأدركت بأن الرب في الحقيقة لم يمنع رحمته عن هذه العائلة، بل إن توقيت عودتهما واتفاق نصيب التقاط السنابل في حقل بوعز لم يكن أمرا عشوائيا بل مُدَبّرا بعناية الهيّة. فبوعز هو أحد أولياء العائلة، وقد كانت إحدى واجبات الوليّ الأقرب في ذلك الوقت أن يحفظ اسم العائلة وإرثها (تثنية 25: 5-6). فيا لرجاءٍ قد نسيته نعمي وسط آلامها وكربها، حتى أنها أرادت أن تُدعى “مرّة” بدلا من نعمي لكثرة المرار الذي قاسته (1: 20). فأين كان رجاؤك يا نعمي؟ وأين نُسي؟
أشارت في البداية نعمي على كنتها راعوث بأن تذهب الى بيت عشيرتها ظناً منها بأن الرجاء هناك. لكن الرجاء لم يكن في موآب، بل كان في بيت لحم. وقد أخفقت نعمي في المشورة الأولى، لكنها أشارت على راعوث مرة ثانية بأن تطلب من الوليّ بأن يتزوجها (3: 9-10)، فهل كانت هذه المشورة موفّقة؟ تُبيّن لنا ردة فعل بوعز بأن هناك وليّ أقرب منه لا يستطيع بوعز أن يتجاوزه (3: 12)، ولكن هذا الوليّ وأمام الجموع رفض الزواج براعوث ليكون بذلك بوعز وليّ راعوث الذي سيحفظ اسم الميت وميراثه والذي بكل سرور وتضحية قَبل بذلك (4: 9-10).كما أن الرب سرعان ما استجاب أيضا دعوة الشعب والشهود الذين شهدوا على فداء بوعز لراعوث (4: 11-12)، فأعطى الرب راعوث حبلاً فولدت ابنا وسُمي “عوبيد”، وهو الذي حمل اسم الميت ابن نعمي، والذي من نسله أتى داود الملك، والذي من نسله أيضا جاء المسيح نفسه! إن صورة بوعز إنما هي صورة مصغرة عن الوليّ الأعظم يسوع، الذي قدّم نفسه على الصليب طوعاً لفداء الإنسان ولكي يخلّص شعبه من الخطية التي سلبت من الإنسان كل امتيازاته (تكوين 3: 17- 19)، وغرّبته عن الله.
فهل تمرّين في ظروف مريرة؟ إن لقساوة الظروف أحيانا قوة على حجب الرجاء الحقيقي عن العين. فإن كنّا يوما قد وضعنا رجاءنا في يسوع فلنرفع رؤوسنا ونتمسك بالرب الذي يملك زمام الامور. فهو وإن بدى لنعمي غائباً عن المشهد لكنه أثبت عنايته وسلطانه في كل تفاصيل حياتها مظهرا رأفته ورحمته ولطفه نحوها ونحو كنّتها راعوث، بل ونحو شعبه كله. فلا ننسى بأن الرجاء الذي تأسس على الرب يُبنى أيضا على الرب. وإن كنا لم نجد الرجاء الحقيقي بعد، فدعونا نبحث في المكان الصحيح ونستمع للمشورة الحكيمة.ففي حين كان بإمكان راعوث، تلك الغريبة عن شعب الرب، أن تفتح صفحة جديدة وتطوي الماضي لتعود إلى أهلها وأرضها، إلاّ أن الرجاء لم يكن بمنأى عن شعب الله. فكما وجدت راعوث في إله إسرائيل ملجأً لها (2: 12)، فاختارت أن تحتمي في الرب فوجدت أيضا فادياً، فكم بالأولى الوليّ الأعظم يسوع، فعليه يؤسس الرجاء وعنده تُطوى حياةً ملوّثة بالخطية وتبدأ حياة جديدة مغسولة بدمه ومفدية به. فهو الرجاء الحقيقي والوحيد لكل الأمم (رومية 15: 12).