بقلم أديل أزغول.

أنا إمرأة مرحة تحب الحياة,  يقول الكتاب في أمثال 17: 22 أن القلب الفرحان دواء ناجح, لكن هذا لم يكن كل قوتي لأن الروح المرحة ليست علاجاً لكل أزمة في الحياة, لكنها غالباً ما تساعدنا على امتلاك نظرة إيجابية ومتزنة عند مواجهة الصعاب.

روحي وشخصيتي المرحة وأشياء أخرى مهمة كثيرة ساعدتني كي أتخطى العديد من التحديات والصعوبات في حياتي, كان أكبرها وأصعبها مرضي… السرطان!!

قبل عشر سنوات أُصبت بمرض السرطان في البنكرياس والمرارة والاثني عشر, كنت آنذاك حاملاً في ابنتي الصغيرة. تقبّلت الخبر بكل صدر رحب لأنني لم أدرك وقتها مدى خطورة هذا المرض, خضعت لجراحة دامت تسع ساعات, بعدها بقيت في المستشفى لمدة شهر بعيدة عن أطفالي الثلاث الذين تتراوح أعمارهم بين خمس سنوات وثلاثة أشهر.

بعد خروجي من المستشفى بدأت بأخذ الجرعات الكيميائية كل أسبوعين, عندها بدأ وضعي الصحي يتراجع أكثر فأكثر. ما جعل الطبيب يُخبر زوجي أنني لن أعيش طويلاً ولن أكمل مسيرة الحياة.

صُدمت من هذه الحقيقة المؤلمة, لماذا؟ وكيف؟ تساؤلات وراء تساؤلات, لماذا يسمح الله بالمرض والألم؟ كان هدفي من هذا السؤال ليس الإجابة بحد ذاتها بل التعزية من وراء السؤال. فعندما يطرح أحد هذا السؤال إثر خسارة فادحة آلمت به, يكون بحاجة ماسة إلى الدعم والمواساة. ليس من الخطأ أن تسأل لماذا يسمح الله بالألم, فنحن بالعادة نخشى طرح هذا السؤال لكي لا يدلّ على نقص في إيماننا. ولكن لا فأنت لست الوحيد الذي يطرح هذا السؤال, حبقوق سأل الله: “لم تُريني إثماً, وتُبصر جوراً؟ وقُدامي اغتصاب وظلم ويحدث خصام وترفع المخاصمة نفسها” حبقوق1: 3, لم يوبخه الله بل أجابه, “فأجاب الرب أيوب فقال: هل يُخاصم القدير موبِّخه أم المُحاجُّ الله يُجاوبه؟” أيوب40: 1, 2

اعتقدت في بداية الأمر أنني لن أكمل مسيرتي في الحياة, شعرت بالخوف والقلق على بناتي الثلاث, كيف سأتركهم وأذهب, من سيهتم بهم من بعدي؟ رفعت قلبي إلى الله ليتدخّل ويُعطيني كلمة من الكتاب المقدس تؤكد لي أنني سأحيا, وفعلاً أعطاني الرب رسالة واضحة من كلمته “لا أموت بل أحيا وأحدث بأعمال الرب”. نعم الشكر والحمد لله الذي سكب علي من نعمته وأعطاني حياة كي أُخبر بكم صنع الرب بي كي أُعين زوجي وأعتني ببناتي.

بصعوبة كبيرة استعدت قواي شيئاً فشيئاً كي أُزاول حياتي اليومية, وذلك من نتائج العملية الجراحية وفقدان بعض الأعضاء المهمة بالجسم كالبنكرياس والمرارة والاثني عشر والتي بدونها وبشهادة الأطباء المتخصصين يعيش الإنسان بصعوبة شديدة لفترة قصيرة لا تتعدى سنة واحدة. لذلك كنت طريحة الفراش لأيام كثيرة, فكانت الوِحدة حليفتي على الصعيد الشخصي كنت بحاجة لمن يرعاني ويساعدني في البيت ومع البنات, مما زاد قلقي وخوفي على بناتي بسبب ظروف طفولتي الصعبة, فأنا تربيت في مدرسة للايتام بعيدة معظم الأحيان عن أهلي, ما ترك بداخلي جروح لم أُشفى منها بعد. مما أدى إلى عدم ثقتي بأحد ولا حتى بالله في رعاية بناتي, حتى لا تتكرر عليهم نفس الظروف القاسية التي مررت بها.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف استطعت أن أُسلّم لله الدفة وما هو السر الذي وصلت إليه حتى أقول لله أنا أثق بك في رعايتك وحبك لهؤلاء البنات الثلاث؟!

في يوم شتاء بارد والمطر منهمر بغزارة كنت طريحة الفراش منذ 20 يوماً والألم شديد لا يتوقف نهاراً وليلاً, خارت قواي ولم أعد أحتمل الألم المستمر الذي عجز عنه الأطباء والمسكنات, كل ما اعتمدت عليه من قوة وإرادة فنى بطرفة عين. وبدل من أن أعين زوجي واعتني ببناتي أصبحت عالة عليهم. هنا رميت الدفة لصاحب المركبة وأعلنت له عن مدى ندمي لعدم ثقتي الكاملة به فلم يعد لدي ما أفتخر به أو أعتمد عليه في هذه الحياة, وقلت للرب الحي إنني جاهزة للانتقال إليه بحسب وعده, لا يوجد ألم ولا جوع ولا دموع. وأنا على يقين أنه الخالق والآب الذي يستطيع أن يرعى بناتي.

ومن هنا بدأت أتنازل عن كبريائي بأنني الوحيدة التي تعرف كيف تهتم وتُعلّم أولادها, لكن القرار الأكثر الذي اتخذته هو أن أغرس كلمة الرب في قلوبهم, هذا السلاح القوي سوف يحفظهم من العالم, فبدأت بتحفيظهم كلمة الرب والصلاة اليومية لهم.

على مدار رحلتي ووجودي في هذه الحياة تعلّمت عدة أشياء دعيني أُشاركك بها:

  • أن الله يتعاطف معي في جميع كربي.
  • ليس لي أن أواجه خطواتي, أي لا يمكن أن أستقل عن الله فحتماً سأواجه فشلاً ذريعاً.
  • تعلمت أننا نعتقد كأهل بأننا نحمي أطفالنا بإخفاء الأمور السيئة عنهم, لكن في الحقيقة مشاركتهم بجميع الأمور بما فيها السيئة ستشعرهم بأنهم جزء لا يتجزأ من العائلة.
  • كلنا مشتركون في الصدمة وبحاجة إلى وقت للتأقلم على ذلك.
  • إن الله أبداً ليس مصدر الشر على الإطلاق. “حاشا لله من فعل الشر” أيوب34: 10
  • وضع الله لكل شيء حد لا يتعداه, ومرحلة ألمي هي فترة قصيرة حتماً ستنتهي, والمرض ليس نهاية المطاف.
  • التسليم الكامل, فلا يمكن أن يكون هناك سائقان اثنان لسيارة واحدة, كما يقول الكتاب المقدس “سلمنا فصرنا نُحمل”.
  • المرض يكسر الجسد ولكنه لا يستطيع أن يكسر الإرادة والروح, لذا كانت معنوياتي مرتفعة لأن الله يرعاني, هذا لا يعني أنني لم أحبط مرات كثيرة, لكن عندما أسقط كنت أقوم. “روح الإنسان تحتمل مرضه, أما الروح المكسورة فمن يحملها” أمثال18: 14
  • من أروع الأشياء التي تعلمتها وأُعلمها هي كيف أكون مريضة وأخرج من ذاتي وآلامي لأساعد وأخدم الآخرين كي ينتصروا هم على مرضهم.
  • قوتي في الضعف تكمل.
  • الشكر مفتاح كبير لفتح أي باب مغلق “أشكر الله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح”.
  • لا أنكر أنني مراراً كثيرة أحبطت وبكيت وتمنيت الموت كلما نظرت إلى نفسي, ولكن كلما رفعت عيني إلى فوق رجع لي عقلي.

من اختباري الشخصي وصراعي مع المرض أود أن أوجّه كلمة إلى كل مريض بعد معرفته بالإصابة بالورم وخلال رحلة علاجه:

من المعروف اختلاف ردود الفعل لمريض السرطان بعد التشخيص, حيث تصبح المشاعر متناقضة ومضطربة بعد سماعه لكلمة يخشى المعظم من التلفظ بها, ويسأل نفسه لماذا أنا من دون الناس؟ أنا لا أستحق ذلك, لم أكن مصدر أذى لأي شخص, ماذا فعلت في حياتي؟

هذا رد فعل طبيعي جداً ولا بد أن تشارك العائلة والأصدقاء في المخاوف والأحزان بدلاً من إخفائها. يقول الكتاب المقدس: “في كل ضيقهم تضايق, وملاك حضرته خلصهم. بمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم كل الأيام القديمة” أشعياء63: 9

أما كلمتي لأهل المريض: أعطوا المريض الحق الكامل للتعبير عن مشاعره, ويُفضّل عدم استخدام كلمات مثل (أنت بخير) أو (أنت لا تعاني من شيء). على قدر الإمكان تجنب إشعار المريض بأنه حمل ثقيل, عوضاً عن ذلك أغمره بالحب والأمل (غير المبالغ فيه). ومن المهم أن لا تأتي إلى المريض بنظرة الشفقة والنقص, لكن بدافع الحب والتشجيع, فهو كامل مثلك لكنه يمر بظرف معين لفترة.

يتساءل البعض لماذا المرض والموت؟ إنهما نتيجة وجود الخطية, وهذا لا يعني أن كل مريض هو نتيجة خطية معينة في حياته, لكن ما دمنا في هذا العالم فنحن معرضون للمرض, الموت, الألم والوجع. فلا تسمح للمرض أن يسيطر عليك ويدمرك, قم بإلقاء كل شيء على الرب فهو يهتم بشفائك النفسي والجسدي أو يسمح بأن تنتهي حياتك على الأرض لتكون معه في السماء حيث لا وجع أو ألم أو تعب.

تذكر إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت وإن عشنا ومتنا فللرب نحن, إذاً المهم أن نكون للرب في حياتنا.