بقلم د. مدلين سارة أخصائية تربية ومستشارة نفسية مسيحية

تتجسد أهم مقومات الشخصية القوية في القدرة على تحمل المسؤولية حيث أن علم النفس يعرف تحمل المسؤولية بأنه: “التزام على شخص ما اتجاه نفسه أو الآخرين ويستطيع تحمل العواقب المحتملة في حال عدم التزامه بهذه الأعمال والواجبات وترتبط المسؤولية بقدرة الفرد على الوفاء بالالتزامات وتنفيذها بعقد إلزامي غير مكتوب مع نفسه أو مع الآخرين.”

من المتعارف عليه البحث عن المسؤول عن التقصير أو عرقلة مسيرة العمل أو حتى عدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات ونحمل هذا الشخص مسؤولية العطل والضرر فكل الأعمال وكافة مجالات الحياة تستوجب المسؤولية فالعلاقات الاجتماعية مسؤولية، وحماية الأسرة وتماسكها وانسجامها مسؤولية، وإنجاز المهام الوظيفية مسؤولية، وتطبيق القانون مسؤولية، والحياة الروحية مسؤولية.

المسؤولية المهنيّة هي شعور الفرد بالواجب والأمانة والانتماء والوفاء من أجل إتقان المهام الموكلة إليه انطلاقا من المقولة الشهيرة: “يُطلب بالوكيل أن يكون أميناً.” افعلوا كل شيء كما للرب وليس كما للناس.”

إذن، يتوجب علينا انجاز المهام بإتقان وإخلاص، لأننا بعملنا نكرم الله لأنه هو الذي يرى أعمالنا التي في الخفاء ويجازينا علانية. الأمر نفسه ينطبق على المسؤولية الأسرية لأن الأسرة هي المؤسسة الأولى التي يتوجب على الأزواج من خلالها الالتزام بتأدية الواجبات الزوجية بكافة جوانبها ليحمي استقرارها ويرفد المجتمع بأجيال صالحة قادرة على دفع عجلة التنمية وتعميم ثقافة تؤسس لبيئة خالية من الآفات الاجتماعية.

الكتاب المقدس يشجع كل من الرجل والمرأة اتجاه بعضهم من جهة واتجاه أولادهم من جهة أخرى. فحسب التعليم الكتابي كلاهما مسؤولان عن سفينة حياتهم، فالرب خلق المرأة معيناً نظيراً. أي شخصاً مساعداً معاوناً ممكناً واثناهما معاً يقودان السفينة. لذا يصح أن نقول إن الرب خلق المرأة قائداَ (نظيراَ) مسانداً (معيناً) لقيادة الأسرة وتحمل مسؤولياتها. فتجد توصيات تنص “أيتها النساء اخضعن لرجالكن كما يليق في الرب أيها الرجال أحبوا نسائكم، ولا تكونوا قساة عليهن أيها الأولاد، أطيعوا والديكم في كل شيء لأن هذا مرضي في الرب. “أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم لئلا تفشلوا”. كلوسي 3: 18-21

إن الله صمم بإبداع وجمال رباط الزواج لكن، بالتأكيد الحياة الزوجية معرضة لهزات وأوقات عصيبة كالتحديات المادية والصحية وصراع الأجيال مع الأبناء والخوف على مستقبلهم. هذه الظروف مجتمعة تضع الأزواج تحت ضغوط كبيرة وتحت مجهر اختبار حجم المسؤولية التي يتقاسمها كل من الرجل والمرأة في مؤسسة الزواج. هنا كيف نحمي استقرار الأسرة؟ كيف يحافظ الزوج على هدوئه ومحبته؟ كيف يوفر السكينة والأمان لزوجته؟

(أيها الرجال أحبوا نساءكم) (أيتها النساء اخضعن لرجالكم) هنا تكمن مسؤولية الزوجة في أن تقرر وتنسجم إرادتها مع إرادة زوجها الذي يمر بضيق ولا تحاول إظهار فشله أو عجزه بل تحتم عليها المسؤولية الزوجية البحث عن الحلول والبدائل. (أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لان هذا حق) وهنا أيضاً تتجلى مسؤولية الأطفال في الطاعة والقناعة رغم شدة الأزمات والتحديات.ومن ثم الآباء أن لا يصبوا جام غضبهم على أولادهم، فينعتونهم بألقاب محبطة ومهينة ويحملونهم ثقل الضائقة (أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم). بل يجب أن تتوزع المسؤوليات وأن يتقاسم كافة أفراد العائلة وبشكل فوري عبء التحديات مجتمعين ومتكاثفين لإنقاذ العائلة من أزمتها. فالمسؤولية جماعية ولا مجال أن يتكل أحدهم على الآخر. (إن لم يبن الرب البيت فباطل يتعب البناؤون)،وعلى الأم هنا أن تكون قائدة معينة في الصلاة والتفكير والتخطيط لإيجاد الحلول.

كما يجب الابتعاد عن الملامة التي تؤدي إلى الفشل والتي يستند إليها ذوي الشخصيات الضعيفة والعاجزة التي تلجأ إلى الملامة كوسيلة للتهرب من مسؤولياتها في البيت والعمل والعلاقات الاجتماعية وحتى العلاقات الروحية بحيث يقوم الابن أو البنت الروحية بتعليق فشلهم على المرشدين الروحيين ويوجهون أصابع الاتهام نحو الآخرين في محاولة منهم لتخفيف وقع الفشل على أنفسهم وإلصاقه بالآخرين.

في هذا السياق، يقول علم النفس الإنساني أن الفرد مخلوق مميز بطبيعته الحسنة، ولا يستطيع أن يلوم الآخرين والظروف والحياة. ولذا هم أحرار ويملكون إرادة حرة وقدرة على الدفاع عن أحلامهم ومعتقداتهم وتحقيق ذواتهم. ويقال إنه في الحرب النازية كان هناك بعض الرجال الذين كانوا يسيرون بين الأكواخ ليبثوا بين ساكنيها مشاعر المواساة فمثل هؤلاء الرجال قد يكون سلب منهم كل شيء لكن لم يسلب منهم اختيار الوقت الذي سيتخذونه في وسط أي مجموعه وفي ظل كافة المتغيرات وقدرتهم على اختيارهم لطريقة حياتهم”. (رولو ماي) فهم كعلماء نفس يؤمنون بمسؤولية الإنسان في الكفاح لتحفيز قدراتهم وتنمية مكنوناتهم.

إذا تواجدت في أي موقع وبدأت بإلقاء اللوم على الآخرين، فهذا يؤشر إلى مزاجيتك وكسلك وسلبيتك وعجزك وضعفك وتقصيرك وفشلك لان الشخصية المسؤولة هي الشخصية الواعية، الناضجة، المصلحة الحكيمة المدبرة والمجتهدة والعاملة والمتغيرة في بيئتها، في ذاتها، وفي محبتها.

هذه الحياة تتطلب مشاركة المزيد من النشطاء الذين يتحلون بالمسؤولية والإيجابية. هنا أطلب منك أن تسألي نفسك: هل أنتِ من الذين يتعلمون من القادة الأكفاء؟ هل تتحملين مسؤولية التغيير لبناء حياتك وتحقيق أحلامك هل تكتفي بسلامة الصديقة والحياة والشريك والأهل والمجتمع ولربما الاحتلال؟ الشخصية المسؤولة لا تعترف بالحدود ولا تتذرع بالظروف بل تعمل بنشاط وحكمة لإنجاز الطموحات وأحداث التغيير المنشود ظل الظروف القاسية.

الشخصية الغير مسؤولة تلعب دور الضحية وتشكو من الظروف وتلوم الآخرين. يقول الكتاب المقدس “النفس التي تخطئ هي تموت” (حزقيال 12: 4) (وتعلمنا الآية أن كل) وفي رومية 14: 10 – 15 ” لأننا جميعاً سوف نقف أمام كرسي المسيح،إذن كل واحد منا سيعطي عن نفسه حساباً لله”. في كورنثوس 5: 10 لأنه لا بد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح. لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع، خيراً أم شراً “. نرى أننا سنجازى هنا كمؤمنين عن خدمتنا الأمينة أو عن فشلنا. لذا الله لا يشمخ عليه، نستطيع أن نضحك على الآخرين. أما على الله فحاشا. كفاك لوماً وسلبية.

 

والآن تعالي لنفكر بخطوات عملية:

  1. حددي موقفاً معيناً، مثلاً: “إنني لا أتحمل مسؤولية نموي الروحي “.
  2. اذكري قناعاتك الشخصية لعدم قيامك بالمسؤولية. مثلاً: “يمكنني التمتع بالخطيئة والاستهتار بالحياة بدون تأنيب”.
  3. ما هي الموانع التي تعيق نموك الروحي؟
  4. الآن، ماذا بإمكانك فعله لرفع قدرتك على تحمل المسؤولية؟ انهضي واعتني بحياتك الروحية وخصص يوقت مع الكلمة والصلاة وطلب المساعدة.

قومي بهذا التمرين على جوانب أخرى بحياتك.

  • علاقتك بأحدهم.
  • علاقتك الزوجية.
  • دورك في عملك.
  • شغفك في خدمة الرب.
  • تغيير مُعيّن في المجتمع.