اسمي هني ثلجية فلسطينية عربية مسيحية من بيت لحم، ألعب كرة قدم، كرة القدم هي هويتي.كبرت في شوارع بيت لحم القديمة، وفيها اكتشفت موهبتي في كرة القدم. عندما كنت صغيرة، كنا نشاهد مباريات الفيفا على شاشة تلفاز منزلنا الصغيرة مع اهلي، كنت استمتع جداً في اللعبة وكانت تجذبني، ولكن لم أكن أعرف كيف أمارسهاولم يكن لديّ كرة ولا حذاء ملائم للعب.

طفولتي

عندما كنت أعود من المدرسة كل يوم، كنت ألعب كرة القدم مع أولاد الحي، عندها بدأت أواجه تحديات من أهالي الحي والجيران، الذين كانوا يتوجهون إلى منزلنا ليشكوني لأهلي قائلين أن ابنتكم تلعب القدم مع الصبيان، الأمر الذي كان يُزعج أهلي دائماً بالأخص والدي الذي كان عندما يعود من عمله ويجدني ألعب في الحي مع الذكور، يُعاقبني ويمنعني من اللعب مجدداً، وأنا لم أكن أصغي له، بل كنت أعيد الكرّة في اليوم الثاني.

وصل أهلي لمرحلة لم يعلموا ماذا يفعلون معي، الانتقادات زادت: “بنتك حسن صبي، “وكرة القدم مش للبنات بس للأولاد.”لهذه المرحلة أنا كنت فقط ألعب القدم للمتعة،كانت كرة القدم هي الحل الوحيد لأخرج الطاقة التي بداخلي، بدل استعمال العنف، في ظل الظروف السياسية الصعبة والإغلاقات التي كنا نعيشها وقتها.

هويتي

في ال 14 من عمري، كانت الناس ما تزال تسأل أهلي: “ليش بنتكم لسا بتلعب كرة قدم؟” كانت أمي تجيب، أنني عندما أصل سن البلوغ، سوف أترك الكرة بقرار مني. ولكني عندما بلغت وأصبح عمري 15 سنة، لم أترك القدم، بالعكس أصبح عندي تحدي أكبر وطموح أني أريد أن أغير المجتمع، وأصبح عندي وعي أن كرة القدم بالنسبة لي ليست مُجرّد لعبة، بل أكثر، أصبحت كرة القدم تُعبّر عن هويتي وتعطيني ثقة بالنفس، وحافز لكي أغيّر مجتمعي، فأنا تربيت ثائرة، وعندي قناعة أن المرأة مُساوية للرجل في كل الميادين وخصوصاً في كرة القدم.

كان حلمي أن نصل لمرحلة يتقبل فيها المجتمع فكرة أن تلعب الأنثى كرة قدم، وأن لعبة القدم ليست فقط للذكور، بل هي لعبة عادلة والجميع لديه الحق أن يُمارسها. أصبح موضوع كرة القدم رسالة أريد أن أوصلها للمجتمع المحلي والعالمي، رسالة مضمونها أن المرأة العربية الفلسطينية، هي امرأة قوية وقادرة أن تُغيّر مجتمعها وتُغيّر ثقافة وفكر، وأن تُشارك محلياً ودولياً وتلعب في كل المحافل.

الحلم يُصبح حقيقة

عندما التحقت بجامعة بيت لحم لدراسة إدارة الأعمال، في أول أيام لي هناك رأيت إعلان للمعنيات بالتسجيل لفريق كرة القدم النسوي، وبالفعل ذهبت للتسجيل في الفريق، وأتذكر أن المدربة قالت لي أنني أول طالبة تسأل عن هذا الإعلان.

بالفعل في عام 2003 بدأنا فريق كرة القدم النسوي مع 5 لاعبات فقط.ذهبنا للمدارس والجامعات والمخيمات،لنّشجّع الأهل لكي يسمحوا لبناتهم بأن يُشاركوا في الفريق، ولإقناعهم بأن القدم للفتيات تماماً مثل الفتيان.

أطلقوا علينا لقب “فريق الأحلام” والعديد من التلفزيونات والصحف كتبت عنا، أتذكّر بأنه عندما بدأت الصحف تتكلم عني بدأ والدي يقتنع قليلاً بموضوع كرة القدم.

كابتن منتخب فلسطين النسوي

كنا فريقاً صغيراً، أصبحنا منتخب وأصبحت أنا كابتن المنتخب النسوي. شاركنا لأول مرة كمنتخب نسوي فلسطيني في مباراة في الأردن. على الرغم من أننا لم نربح المباراة، إلّا أننا استطعنا أن نوصل رسالة أننا شعب يُحب الحياة، ونستطيع من خلال كرة القدم، هذه اللعبة العادلة أن نوصل رسالتنا، بشخصياتنا وطموحنا.

في عام 2008 قمنا بافتتاح رسمي للمنتخب بحضور رئيس الفيفا والرئيس محمود عباس. أصبح لدينا 6 أندية للفتيات تلعب كرة قدم، وأكثر من 300 لاعبة مُسجلة رسميا في اتحاد كرة القدم الفلسطيني.

نهاية أم بداية درب؟

في عام 2009 كُنّا نتدرّب لخوض مباراة هامة جدّا ومحوريّة لنا كمنتخب،كانت هذه المباراة بالنسبة لي هي الحلم الذي انتظرته طويلاً. وقبل أسبوعين من المباراة، كان لدي معسكر تدريبي في الأردن، في آخر يوم من المعسكر تعرضت لإصابة قويّة في الرباط الصليبي لساقي الأيمن، وهذا يعني أنني من الممكن أن لا أستطيع أن العب مجدّداً، لم أصدّق ما حصل لي، كان نصب عيناي فقط المباراة التي انتظرتها، هذا اليوم الذي سيُسجّله التاريخ.

لم أقبل أن أستسلم، قمت بجميع الفحوصات اللازمة، وتم عرضي على أطباء عدة، عملت كل شيء ممكن، العلاج الطبي والطبيعي وكل ما يلزم، لكي أستطيع أن ألعب في هذه المباراة. حاولت بالفعل أن أتدرب قبل المباراة، لكن قدمي تعرّضت لإصابة أخرى،لم تخوّلني بأن ألعب. في وقتها شعرت أن حلمي انتهى، وفي الوقت نفسه كان يجب أن يكون لدي القوة ككابتن للمنتخب، لأعطي المعنوية والدافع لفريقي أن يلعبوا ويُشاركوا ويربحوا.كنت محطمة ومهزوزة، وكانت أصعب مراحل حياتي، لأن كرة القدم أعطتني الأمل والحياة والشغف أن أدافع عن وجودي كامرأة تتحدّى الصعوبات، انتهت أحلامي وتحطّمت أمام عيناي. ومرة أخرى تعرضت لإصابة في نفس المنطقة وأنا أشارك في مباراة في ألمانيا، هذه الإصابة كانت نقطة التحوّل في حياتي، وقفت اللعب نهائياً.

مسؤولة في الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا

“كل الأشياء تعمل معا للخير”، بدأت أفكر بعد إصابتي بكيفية الوصول للعالمية، وبالخروج من اطار فلسطين لأوصل رسالتي للعالم كله، قدمت لرسالة الماجستير في الإدارة الرياضية Fifa Master، في سويسرا، قبلوني في الماجستير وقدمت ونجحت، وبعد الماجستير قدّمت لي الفيفا فترة تدريب خاصة حيث اختاروني من بين 30 طالب على مستوى العالم، وعندما أنهيت فترة التدريب قدّموا لي وظيفة في العلاقات العامة في الاتحاد الدولي لكرة القدم – الفيفا.

من الأزقّة القديمة والضيقة في بيت لحم استطعت أن أتخطى جميع الحواجز والصعوبات بالإرادة والعزيمة والأمل بالحياة، من الممكن للحياة أن تكون أفضل، ولكن يجب أن نُحطّم القيود وأن لا نستسلم. لو استسلمت للجيران وللواقع وللظروف لم أكن لأصل إلى أي مكان، كانت تحدياتي صعبة لكن إرادتي كانت أقوى.

استطعت أن أحقق حلمي من لاعبة صغيرة في الشوارع لمنصات عالمية في الاتحاد الدولي لكرة القدم، ألتقي الآن مع أكبر لاعبين كرة قدم في العالم، وأُسافر كثيراً لأوصل رسالتي لكل أطفال العالم، رسالتي التي خرجت من بيت لحم لكل العالم،بأن كرة القدم لن تُنهي الحروب والمجاعات، ولكنها تُعطي أمل بسيط وبسمة على وجوه أطفال كثيرين تماماً مثل ما وضعت بسمة على وجهي قبل سنوات طويلة وما زالت إلى اليوم.