بقلم كاثرين شهوان
دائما عندما أريد التأمل بخصوص موضوع ما في هذه الحياة أرجع إلى جذور الموضوع الأصلية لأعرف من أي كلمات اشتقت مصطلحاته لأن الجذورتعطي المعنى والهدف الأدق للكلمة !
وقد وجدت ان أصل كلمة احتفال بالإنجليزية (celebration) يعود إلى الجذور اللاتينية وتعني (حمد وتسبيح وإكرام )
وقد لفت انتباهي هذا المعنى للكلمة وذلك لما في قرارة نفسي من ايمان و شوق وشغف روحي ويقين أن كل المواضيع والكلمات والاحداث الحالية ترجع حقيقتها الروحية الى جانب غير مرئي غير الذي نراه بأعيننا ! وهي الصورة الاصلية لهذا العالم، وهذه الصورة الموجودة الآن هي مجرد انعكاس للصورة الاصلية!
وقد بحثت ايضا عن معنى الكلمة (احتفال) في المعجم العربي وهي تعني : حفل القوم : احتشدوا واجتمعوا ، جمع حافل : كثير، غفير.
فدائما ما نجد ان الاحتفالات مرتبطة بالجماعة والعلاقات ، وذلك لأن الإنسان كائن علاقاتي مخلوق على صورة الله ومثاله ودائما يشعر باحتياجه الشديد لإقامة العلاقات الانسانية والاجتماعية والاحتفالية ! وايضا لديه احتياج كبير للتواصل من الجانب الروحي! لأن له جانب روحي وليس فقط جسدي .
وقد رجعت أيضا إلى أصل الكلمة العبري ووجدت أن المعنى هو (حالة من الامتنان والشكر والحمد والتسبيح) ، واصل الكلمة العبري( hallel) والتي أصبحت فيما بعد في اللغة الإنجليزية (hallelujah ) والتي تعني بمعناها البسيط تقديم الحمد والشكر والمديح لله وقد تأكد شعوري بان كل شيء في اصله له علاقة بالخلق والخالق !
وهذا يقودني الى معنى جديد للاحتفال بالعلاقات وخصوصا العلاقة مع الله ! وهو في نظري اصل كل الاحتفالات والأفراح ، وهي أصل كل شيء مبهج وحقيقي !
عندما تكون لك علاقة شخصية فردية بالخالق هذا يدعو للفرح والاحتفال من جانبك ومن جانبه ايضا . كما في قصة “الابن الضال” في الكتاب المقدس عندما رجع الى ابيه فقد ذبح له العجل المسمن والبسه ثيابا جديدة واقام له احتفالا بهيجا دعا اليه جمعا غفيرا من بلدته ! فالله دائما يدعوك لتحتفل معه بعلاقة المحبة الأبوية.
لقد شعرت انني لست الشخص المناسب للكتابة عن الاحتفالات لأني وبسبب وضعي الصحي، حيث أصارع مرض السرطان، الذي تسبب ببتر رجلي، لا استطيع التواجد في أغلب المناسبات الاحتفالية لكنني اعلم ان الاحتفال لا يقتصر فقط على المناسبات الاجتماعية الجميلة كحفلات الزفاف واعياد الميلاد والاحتفالات الدينية والسياسية الرسمية وغيرها .
لكن ومن خلال اختباري الشخصي يمكنني القول: إن الاحتفال هو شعور يبدأ داخلك اولا ! وقد يكون كل يوم من أيام حياتنا اليومية (الروتينية) سببا جوهريا للاحتفال وذلك فقط لأنك على قيد الحياة ، لأنك استيقظت من النوم ! كما الآية
إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ. هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ. مراثي إرمياء 22/3-23
كان من الممكن ان لا تكوني موجودة في هذه الحياة ولأبسط الاسباب ! لكن الله أعطاكِ يوما آخر فاستفيدي منه وعيشيه واحتفلي به وكانه اخر يوم لكِ في هذه الحياة !
ومن معاني الاحتفال الجميلة (الامتنان) لأقل الاشياء وابسطها ! وليس بالضرورة لأشياء أوممتلكات واحداث كبيرة تحدث في الحياة ! فلقد فقدت الكثير الكثير في هذه الحياة كالصحة مثلا وفقدت رجلي واختبرت خسائرمادية وخسائرنفسية واجتماعية ايضا ، لكن حتى الآن وانا اختبر مرحلة صعبة جدا في تدهور حالتي الصحية لكني أستطيع أن أحتفل بأقل الأشياء وابسطها. وكقول المثل الشعبي ” الجود من الموجود” اي أن نركز على الجانب المشرق و الاشياء والاحداث الجميلة في الحياة التي تدعو للبهجة اكثر من التركيز على الاوجه السلبية منها! فعلى سبيل المثال، أنا ممتنة لوجود رجل واحدة تساعدني في التحرك ، وقد كنت اشكر الرب على ان البتر حصل في الرجل اليسرى لأستطيع القيادة في اليمنى.
فالامتنان هو النظارة التي تجعلك ترى وتلاحظ وتدرك النعم الموجودة حولك، والقلب الممتن هو مغناطيس للمعجزات. قرري أن تحتفلي بأبسط الأشياء كأشعة الشمس في برد الشتاء، وفنجان القهوة الصباحي، وأجواء الطبيعة الجميلة التي خلقها الله للاستمتاع، “اَلسماوَاتُ تحدِّثُ بمجدِ اللهِ، وَالفلكُ يخبرُ بعملِ يديهِ.” مز 19: 1. وبتناول الطعام ومذاقه المتنوعة ، والاحتفال بوجود العلاقات الحميمة مع العائلة الصغيرة والعائلة الممتدة، والاحتفال بالقداس الإلهي، والشركة مع الله التي هي أصل كل احتفال، لأن كل احتفال له معنى أعمق في حضور مصدر الفرح الحقيقي.
من الأسباب الرئيسية التي تدعو للاحتفال والامتنان، معرفة المعنى والهدف من الحياة. يمتلئ الكتاب المقدس بآيات كثيرة عن وجود (معنى وهدف) لحياة كل شخص فينا وان وجودنا ليس صدفة لكنه مرتب بتخطيط سماوي دقيق، لأعمال الله أعدها لكي نقوم بها منذ تأسيس العالم، (أفسس2: 10): لأننا نحنُ عملهُ، مخلوقينَ في المسيحِ يسوعَ لأعمال صالحةٍ، قدْ سبقَ اللهُ فأعدَّها لكيْ نسلكَ فيها”. وهذه الاعمال هدفها صالح وهي ان تزرع وتنشئ احتفالا وبهجة في قلوب الاخرين.
سأنهي بقصة أعجبتني: بـــاع جـــورج هـــاريشن مـــن جـــنوب أفـــريقيا مـــزرعته إلــى شـــركة تـــنقيب بـــعشرة جـــنيهات فـــقط لـــعدم صـــلاحيتها للـــزراعة، وحـــين شـــرعت الـــشركة فـــي اســـتغلالها، اكــتشفت بـــها أكــــبر مـــنجم للـــذهب عـــلى الإطـــلاق، أصـــبح بـــعدها هـــذا الـــمنجم مـــسؤولاً عـــن 70% مـــن إنـــتاج الــــذهب فـــي الـــعالم.
جورج لم ير في قطعة الارض التي يملكها قيمة وجمالا ولم يحاول حتى ان يستصلحها لتأتي له بثمار لكن كل ما رآه كان ارضا خربة وخالية لا تصلح لشيء ! بينما الشركة التي اشترتها عرفت قيمتها وجاهدت وتعبت للتنقيب عن ما تحويه من قيمة.
الاحتفال والشعور بالسعادة، هو قرار شخصي، قد يملك البعض منا أمورا قيّمة جداً دون الانتباه لها، فيُسيء استخدامها فتكون الخسائر كبيرة، وبعضنا من يستغل الموارد التي لديه فتحقق له سعادة واحتفالا.