غدير حنونة، خريجة إعلام في كلية بيت لحم للكتاب المقدس

في العلم لنا نورٌ نسير به في دنيانا

نشيد به حضارتنا ونطعم منه جوعانا

عن الفكر والثقافة في مجتمعنا الذي نراه يتنفس القليل من رحيق الحرية، نرسم أملاً متعلقاً بالغد الذي نتمنى منه الأفضل، ونلوّن أحلامنا لتصير واقعية تتخبط على أرض الواقع وتضع الجهل تحت قدميها؛ في مجتمعنا، نرى الكتّاب والشعراء، ونرى الكتاب مغبرّاً، نرى الدنيا ملونة ومزهوة بعطر الوطن تارة، ونرى الوطن مغطىً بالسواد تاراتٍ كثيرة، في فلسطين نرى الإنسان يحلم وهو خلف قضبان الاحتلال الاسرائيلي متفكراً بضوء الشمس والحمامة البيضاء.

هي الأفكار، هي الثقافة والوعي الذي لايزال يزحف بين عقول الفلسطيني، يسعى لتفجير الحروف من أفواه وألسنة الصمت، تلك الحروف المستمدة من الكتب التي تحاول الوصول الى الأيدي عبر المكتبات والمؤسسات التعليمية، فأين تقف أنت بالنسبة لهذه الكتب والحروف، وكيف لا تخلق التنمية والتطور المغروس في سطورها ؟ فتغدو سنبلةً ذهبيةً تتمايل بين الصخور القاسية.

في بلدي، تتعدد المكتبات بشتى أنواعها، وتعمل المطابع يومياً منتجة الكتب بمواضيعها الشاملة والمتنوعة، لتتراكم وتتغبّر، وتصرخ “هل من قارئ ؟”، لكن السكوت يجيب، في بلدي، السكوت هو علامة الرفض !

“العرب لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يطبقون”، مقولة العسكري والسياسي الاسرائيلي موشيه دايان في تخطيطه لحرب الـ 67، إذ خطط أن يهاجم بنفس الخطة المتبعة عام الـ 56، فثار عليه القادة وإتهموه بالجنون وزيادة الثقة بالنفس، إلا أن مقولته قد صدقت وهزم العرب.. وماذا عن قوله بأنه لن يخاف من العرب مهما جمعوا من السلاح والعتاد، وإنما سيرتجف خوفاً إذ رآهم يصطفون بإنتظام لركوب الحافلة، عندما شاهدهم يتسلقونها للنوافذ لينتافسوا على المقاعد الشاغرة متخبطين فوق بعضهم البعض.. وعن الشاعر والأديب السوري محمد الماغوط بقوله :”لم أستطع تدريب إنسان عربي واحد على صعود الباص من الخلف والنزول من الامام، فكيف بتدريبه على الثورة ؟”.

وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي الأول دافيد بن غوريون بأن ” نجاحنا لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على جهل وغباء الطرف الآخر”، فهل قصد أمريكا بالطرف الآخر ؟ أبداً !

وعن المفكر السعودي عبدالله القصيمي بعبارته ” ليت النفط العربي لم يجئ إلى العرب إن كان البديل أن يجيء إاليهم العقل الخلاق!”.

على مدى العصور، شهدت الدول العربية الكثير من النزاعات التي تستمر حتى يومنا هذا، والمستغرَب أن أغلب هذه النزاعات نجحت بالثقافة والتفكير السليم بمليون مقابل صفر لصالح الدول المستعمِرة، لتكتشف الاكتشاف القديم المتجدد بأن مشكلتنا الكبرى هي الثقافة المحتضرة والجهل المتسرب في نفوس العرب والفلسطينيين بشكلٍ خاص، ففلسطين هي الأرض التي إحتضنت الحضارات وخطت على ترابها الأمم، لكنها بقيت وكأنها تعيش النكبة يومياً، لا أنكر الأدباء والشعراء الذين ناضلوا بفكرهم وصهدوا بكتاباتهم نحو الأفق، مثل إبراهيم طوقان وسميح القاسم ومحمود درويش وفدوى طوقان وغيرهم، الذين رحلوا تاركين لنا الأشعار التي تحكي حكاية الوطن والاحتلال، وترسم الحرية والاستقلال.

ستغدو فلسطين فوق الأمم والشعوب، ستتحرر من قيود العدو الاسرائيلي الغاصب، وسيعلو اسمها قوف جميع الدول، حينما يطير الغبار عن الكتاب بعاصفة العلم، وحينما يُخطئ دايان والماغوط وبن غوريون والقصيمي بجميع أقوالهم، حينها، سيصدُق شعرائنا من درويش وطوقان والقاسم بكل كتاباتهم حول الأسير الحالم بالحرية والحمامة البيضاء، وغصن السلام؛ فالكتاب والحروف هما العنوان، فما قيمة الانسان بلا وطن .. بلا علم .. ودونما عنوان ؟