بقلم ريما أنور.
إن أردنا أن ننظر نظرةً عامة نجد أن العلاقات في مجتمعنا من أكثر المجالات التي نحتاج فيها إلى تدريب وتهذيب لكي تتطور هذه العلاقات لتصبح أفضل وتصبح سببا للشبع في الحياة، وبالتالي تقليل الشعور المتزايد بالوحدة في حياة الأفراد أو الأزواج.
وكبداية لهذا الموضوع الجديد بالنسبة لي على الأقل ارتأيت أن اقتبس بتصرف من بعض فصول منهاج تدريبي حصلت عليه. إننا خلقنا بحاجات علاقاتية تماما مثلما خلقنا بحاجات جسدية وروحيه وسأترك لكنّ قراءه هذا الاقتباس بتصرف راجية أن يساعدنا في فهم أنفسنا وحاجاتنا وفهم الآخرين وحاجاتهم.
ربما يخطر في بالنا ونقف أمام ما أوصانا به السيد المسيح في وصيته العظمى في إنجيل متى ٢٢: ٣٦ -٣٩: يَا مُعَلِّمُ، أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟» 37 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. 38 هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. 39 وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ.
وأحيانا يكون تطبيقنا للجزء الأول من الوصية أسهل جدا من تطبيقنا للجزء الثاني. ولكني وجدت من خلال هذا التدريب أسلوبا جديدا للتعبير عن المحبة للآخرين من خلال أوجه المحبة العشرة وهي الحاجات العلاقاتية المهمة في حياة كل إنسان وتدربنا على معرفة هذه الحاجات وكيفية تلبيتها وتسديدها للآخرين، ولكن البداية تكون في معرفة حاجاتي أنا العلاقاتية ووعي بنفسي وبالطرق التي ارغب في تسديدها لي، وبالتالي ملاحظتي وسعي لمعرفة حاجات الآخرين والطرق التي يحبذونها في تسديد هذه الحاجات وأقوم بالعطاء أولا لهم.
من الحاجات الجسدية التي خلقنا بها: الطعام -الماء- النوم -الأكسجين
ومن الحاجات الروحية: الأمل والسلام -الإحساس بالفضيلة والأخلاق والعدالة- إيجاد هدف ومعنى الحياة.
أما الحاجات العلاقاتية العشرة:
- التقبل: قبول الشخص الآخر لي بطيب خاطر ودون شروط، خاصة عندما لا يكون سلوكي مثاليا، الرغبة في الرعاية لي رغم أخطائي.
- المودة: التعبير عن الاهتمام والقرب من خلال التعبيرات الملائمة التي تقول لي” أنا اهتم بك”.
- التقدير: التعبير عن الشكر والثناء والمديح والعرفان بالانجازات والجهود.
- الاستحسان والرضا: -الإشادة بي، والثناء على والتأكيد على أهمية العلاقة معي.
- المواساة: الاستجابة لشعوري بالألم بالكلام والمشاعر واللمس، التألم معي ولأجلي في حزني وألمي.
- التشجيع: تشجيعي على المثابرة والإصرار في السعي نحو هدف ما، التحفيز على الاهتمام بالآخرين بشكل جيد.
- الاحترام: التقدير والاحترام لي، ومعاملتي باعتباري مهماً، وتكريمي.
- الأمان: الانسجام في العلاقات، التحرر من الخوف والتهديد بالأذى.
- الدعم: التواجد معي ومساعدتي في حل مشكلة أو نزاع، وتقديم المساعدة الملائمة.
- الاهتمام: الانتباه وتقديم الرعاية بشكل ملائم ويتطلب بذل جهد للدخول في عالمي الخاص من خلال الملاحظة والاستماع.
الخصائص الخمس للحاجات العلاقاتية:
- الحاجات موجودة في جميع الثقافات: إن احتياجاتنا الجسدية والروحية تتخطى حاجز كل الثقافات والأديان والأصل والعرق والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وكذلك الأمر في حاجاتنا العلاقاتية.
- الحاجات موجودة في جميع الأجيال: لقد خلقنا بحاجات جسدية وروحية وكذلك علاقاتية فهي ليست ظاهرة تخص القرن الحادي والعشرين.
- الحاجات مستمرة مدى الحياة وبشكل دائم: الطفل والشاب والمتقدم في السن جميعا لديهم حاجات جسدية وروحية وعلاقاتية أيضا ونجد الحاجات العلاقاتية واضحة في الأطفال فمثلا يحتاج الطفل إلى المودة من والدته حتى وان كان شبعانا أو نظيفا. وبالعكس تكون الحاجات العلاقاتية اقل وضوحا عند البالغين مقارنة بالأطفال وذلك لا يعني أن الحاجات العلاقاتية تختفي مع تقدم العمر إلا أن البالغين يبذلون جهدهم لإخفاء أو إنكار هذه الحاجات التي كانوا يعبرون عنها بحرية في طفولتهم.
- لا بأس أن تكون لديك حاجاتك، فالاحتياج ليس ضعفاً: إن الاعتراف بوجود الاحتياج ليس ضعفا في الشخصية بل هو اعتراف صادق ومتواضع بالإنسانية فجميعنا لدينا حاجاتنا التي خلقنا هكذا بكل بساطة وإخفاء هذه الحقيقة قد يكون لا معنى له بل قد يكون أمرا مؤذيا جدا.
5-لا يمكننا أن نلبي حاجاتنا بأنفسنا لان الحاجات لا تلبى إلا في إطار العلاقات ذات المعنى: تخيلي لو أنك تعودي إلى المنزل بعد يوم شاق من العمل، وتلفي ذراعيك حول كتفيك وتقولي لنفسك: “أنا آسفة لقد كان يومك شاقا”.
لا يمكن أن يكون لامتلاكنا لمنزل أن يلبي حاجتنا إلى المودة، ولا يمكن أن يكون امتلاكنا لسيارة بديلا عن حاجتنا للتقبل. إن الشهادات والدرجات العلمية لن ترضي حاجتنا للاحترام، والمناصب العليا ليست بديلا عن الرضا. لن تلبي المشاريع الناجحة حاجتنا للتقدير، ولا يمكن لسيجارة أو علبة بوظة أن تُشعرنا بالمواساة، ومن هنا فحاجاتنا العلاقاتية لا يمكن تلبيتها إلا من خلال علاقات عميقة ذات معنى.
ولكن لماذا خلقنا بهذه الحاجات؟
- احتياجنا يشجعنا على التواضع وتقدير العلاقات.
- احتياجنا يشجعنا على الاعتماد والتعاون المتبادل.
- إن تقبلنا لحقيقة وجود حاجاتنا يملأ قلبنا بالتعاطف مع الآخرين والرأفة والحنان نحوهم.
- الاعتراف بحاجاتنا يساعدنا على تقديم الرعاية والاهتمام وتلقيهما أيضا من الآخرين.
- تلبية حاجات الآخرين تعبرعن الرعاية وتنتج الوحدة والتماسك.
لنأخذ وقتا قصيرا معا، وحاولي أن تتذكري وقتا شعرت فيه أن هناك شخص يعتني بك، تذكري كيف أعالك أحدهم أو شجعك أو دعمك أو أحبك، إملائي الفراغ في الجملة التأليه: –
اذكر عندما قام/قامت (اسم شخص) ___________________بتلبية حاجة خاصة في حياتي من خلال ____________________________________.
ربما وضعت الآن ابتسامة على وجهك وأنت تتذكرين كيف أن أحدهم لبّى هذه الحاجة لديك. وهكذا نستطيع أن نضع الابتسامة على أفواه الكثيرين ونحن نسعى لمعرفة وتلبية حاجاتهم العلاقاتية.
ومن خلال هذا البرنامج التدريبي، نجد أن هناك ثلاث معيقات تعيقنا عن العطاء للآخرين والتلقي منهم أيضا، وهي:
- الأنانية – تضخيم حاجاتنا الخاصة: إن حاجاتي هي الأهم! أنت مَدين لي، المطالبة أو التلاعب لكي تلبى حاجاتنا. الخط من الآخرين بدلا من التلقي بصبر.
إن هذا المعيق يُنتج:
- إضاعة فرص العطاء للآخرين الذي يمنحنا إحساسا داخليا بالفرح، وكذلك قد نختبر الرفض من الآخرين جراء دفعنا لهم بعيدا عنا بسبب سلوكنا المتمركز حول ذاتنا.
- تزايد الشعور بعدم الإشباع: فعندما نأخذ بأنانية لكي تلبى حاجاتنا فإننا لن نكون راضيين حتى وان لبى أحدهم حاجة لدينا لأنها لم تعطى لنا بحرية بل أخذناها عنوة.
الأنانية لا تُشعرنا بالإشباع لأنها تُعيق قدرتنا على اختبار علاقات تتسم بالقرب والثراء وعندما نركز حصراً على حاجاتنا فان أصدقائنا سيكونون قليلون جدا.
وللتغلب على الأنانية علينا:
- التفكير بالآخرين أكثر من نفسك، وذلك بان تكون بطيئا في الحديث، سريعاً في الاستماع.
- أعط أولا، لا تحاولي التغلب على الخطأ بالخطأ بل تغلبي على الخطأ بالصواب، فأفضل طريقة للتغلب على الأخذ الأناني هي العطاء بامتنان.
- الاكتفاء بالاعتماد على الذات – إنكار حاجاتنا الخاصة: إن هذا المعيق يعكس الاكتفاء بالاعتماد على الذات إنكارا لحاجات الآخرين ويعني ذلك انه ليس لدي حاجات لا يمكنني تلبيتها بنفسي مما يؤدي إلى قسوة القلب لدينا ويعمياننا عن فرصة الاهتمام بحاجات الآخرين بقلب ممتن. فعندما يحاول الآخرين التعبير عن حاجاتهم فقد يكون موقفنا هو:”ما هي مشكلتك؟ ليست لدي أي حاجات، لماذا لديك حاجات؟ وينفذ صبرنا، وربما نبدأ بالنقد أو إلقاء المحاضرات أو التصويب أو التعليم أو الاستخفاف أو حتى مجرد الإهمال.
إن هذا المعيق يؤدي إلى:
- إضاعة فرصة توثيق العلاقات المترابطة والمجتمع المترابط.
- إضاعة فرحة العطاء.
- التركيز على المهام أكثر من التركيز على الأشخاص.
- تفويت رؤية الحاجات المهمة للآخرين في حياتك.
- ينظر إليك الآخرون على أنك لا تهتمي بالعلاقات أو غير حساسة أو بعيدة عنهم.
- تنظرين للآخرين الذين يعبرون عن حاجاتهم بأنهم ضعفاء.
- تصبحين متفاخرة بمدى قدرتك على القيام بكل شيء وحدك.
للتغلب على الاكتفاء بالاعتماد على الذات:
- الشفافية تجاه حاجاتك وألمك وصراعاتك.
- العطاء.
- إدانة الذات- إدانة حاجاتنا- إن هذا المعيق يقول أنا لدي حاجات لكني اشعر بالذنب تجاه ذلك، إذا كانت لدي حاجات فلا بد أن يكون لديّ خللاً ما. ودائما أقول لنفسي أنا لست كفؤاً، أو لا استحق تسديد حاجاتي وهنا يتم الاعتراف بوجود حاجات لكنها تدان وهذا المعيق هو فخ خفي يقول: “أريد أن امضي بعض الوقت مع أشخاص آخرين. لا بد أني اعتمادي بشكل زائد”، “لا يمكنني القيام بهذا المشروع بنفسي، أظن أني غير كفؤ”، “يبدو أنني بحاجة إلى تشجيع من شريك حياتي، هل هناك خلل بي؟”.
إن إدانة الذات تسلب منا علاقات مشبعة بطريقتين، إضاعة فرصة التلقي بامتنان من الآخرين
وكذلك إضاعة فرصة العطاء للآخرين. وقد تصبح إدانة الذات معيقا لكِ عندما تشكي في السبب الذي يجعل الناس يرغبون في قضاء وقت معك. أو تعتذرين وتقولين آسفة في مواقف لا ذنب لك بها، أو تقاومين الاعتراف بأنك مخطئة. أو ترفضين تعبير الآخرين عن تقديرهم لك أو رضاهم عنك أو تقللين من شأنك.
للتغلب على إدانة الذات قومي بعمل ما يلي:
- تلقي من الآخرين.
- وقدمي العطاء أولا.
يجب أن نعلم أن عدوى العطاء بامتنان هي مفتاح الصحة في المنازل وأماكن العمل والصداقات والمجتمعات والعلاقات، أيا كان نوعها، كما أن التغلب على معيقاتنا تحدًّ يستمر مدى حياتنا لكنه يستحق الجهد المبذول للتغلب عليه.
سأكتفي الآن من هذا الاقتباس بتصرف من هذا المنهاج التدريبي المتاح في بلادنا من منهاج الصحة العلاقاتية (الحاجات العشر الأكثر أهمية في العلاقات).
مع محبتي واستعدادنا لتدريب أي مجموعات ترغب في ذلك.