بقلم سلام قمصية.

أن تكون صحفيًا في فلسطين ليس أمرًا سهلا مطلقًا، فناهيك عن أن مهنة الصحافة صعبة بشكل عام، إلا أنه في فلسطين تتضاعف الضغوط، فهناك الضغوط السياسية، والجندرية، والحزبية، والاقتصادية وغيرها.

كنت أبلغ التاسعة عشرة من عمري عندما قررت التحويل من كلية العلوم في جامعة بيرزيت إلى كلية أخرى… تصفحت دليل الجامعة بتمعن لأنتقي تخصصًا بديلاً أشعر من خلاله أني أحقق ذاتي وأخطو الخطوة الأولى على طريق تحقيق جزءٍ من طموحاتي. بعد التفكير مليًا في عدد من التخصصات، قررت أن أحوّل إلى دائرة الإعلام، إلى تخصص الإذاعة والتلفزيون، فالصحافة بالنسبة لي كانت –وما زالت- تمثل منارة للناس، أستطيع من خلالها إيصال أفكاري التوعوية التي لطالما شعرت أني أمتلكها وأحاول تعليم الناس بها، وتمثل سلطة رابعة مهمتها التنقيب وراء المتخاذلين وكشفهم. كما أن عندي حب سابق لهذا المجال، حيث كنا أنا وأخي الأكبر نلعب دائمًا بكاميرا جدي المتوفى، نصنع البرامج والأفلام والإعلانات التجارية. كذلك كان عندي مسجل قديم كنت قد حصلت عليه من أمي أثناء أحداث الانتفاضة الثانية، فكنت أسجل عليه أخبارًا وقصصًا ومسرحيات وأصواتًا من المحيط.

مرت الأيام… وكان التخصص الذي انتقيته وقُبلت فيه، رائعًا، أحببته كثيرًا، وكنت بحسب شهادة أساتذتي، طالبة متفوقة. وتخرجت بعد أربع سنوات بمعدل 83.7% في التخصص وبمعدل عام 81.5%.

قبل أن أتخرج من الجامعة بحوالي سنتين، بدأت أنخرط في سوق العمل من خلال تدريبات قمت بها في مؤسسات إعلامية مختلفة، ووظائف حصلت عليها فيما بعد. ومنذ تلك اللحظة وحتى الآن، أصطدم كل يوم بحقيقة الصحافة المريرة في بلادنا، والتي بالطبع تختلف اختلافًا كليًا عن المثاليات التي كنا نتعلمها في الجامعة…

وماذا لو كنتِ أنثى في مجال الصحافة؟

بعض المؤسسات الإعلامية تعتقد أنه بمجرد تقدم خريجة جديدة للعمل عندها، فإنه يمكنها كمؤسسة أن تقتص من راتب هذه الخريجة بحجة أنها جديدة في العمل أي لا تملك خبرة، وهي فتاة أي لا تحتاج إلى المال كما يحتاجه الشاب!

أنا شخصيًا أرفض العمل في مكان لا أرتاح فيه، من جميع النواحي، سواء فيما يخص الراتب، أو التعامل، أو طبيعة العمل… كثير منكم سيقول إنني فتاة متذمرة وأن من يريد العمل يجب أن يحتمل مصاعبه. نعم أعلم ذلك، ولكن هذه ليست مصاعب، هذا استغلال وعدم موضوعية في العمل.

حتى لحظة كتباتي لهذا المقال، عملت في أكثر من وظيفة في مجال الإعلام ثم استقلت، رغم أن عمري لا يتجاوز الرابعة والعشرين، فأنا لم أرى في أي من المؤسسات التي عملت فيها مكانًا لتحقيق ما كنت آمل أن أحققه، ولا مكانًا لأوصل من خلاله أفكاري التي من شأنها النهوض بمجتمع أوعى، ولا مكانًا يُقدّر تفوقي العلمي وكذلك العملي، بشهادة من تعاملوا معي خلال التدريبات.

أما الآن فأنا أعمل في شركة سياحية. صحيح أنه عمل بعيد عن تخصصي، إلا أنني أحب طبيعة هذا العمل، وأحصل فيه على راتب يضاعف ما كنت آخذه في الصحافة! وما زلت أمارس ما أحب من الصحافة من خلال كتابتي مقالات لمجلات محلية وأجنبية كلما سنحت لي الفرصة.

أتمنى في يوم من الأيام أن تغدو الصحافة العربية منارة للأجيال القادمة وسلطة رابعة تطمح حقًا للكشف عن السيئين في المجتمع للتخلص منهم، كما كنت – وما زلت- أراها. هي خطوة ليست سهلة، ولكن جيلنا من الصحفيين هو من يجب أن يبدأ على هذه الطريق، لا أن ينقاد وراء من يحوّلون الصحافة إلى مصدر للمال بغض النظر عن المحتوى المقدم.